وحدة «شكلية» للعراق!

القناعة التي تسود في أوساط القرار المعنية بالشأن العراقي في العاصمة الاميركية هي أن المناطق التي تسيطر عليها داعش في العراق لا بد وأن يجري تحريرها على يد قوات سنية، وإن لم تكن عراقية. التبرير الذي يسوقونه هو أن القوات الشيعية المتوفرة هي من يطلقون عليها بـ”ميليشات موالية لإيران” في اشارة الى الحشد الشعبي، وبالتالي فان قيامها بتحرير المحافظات السنية سيخلق حساسية طائفية تجعل هذه المناطق في مرحلة ما بعد داعش مسرحا لصراعات جديدة. الواقع أن الصورة هذه رسمتها أطراف عراقية وأميركية على حد سواء، فالعاصمة الاميركية تشهد نشاطا سنّيا يقوم به ضباط سابقون وشخصيات سياسية مشاركة في العملية السياسية هدفه جرّ واشنطن الى التدخل ثانية في مجريات السياسة العراقية باتجاه تقليص نفوذ الجانب الشيعي لحساب دور سنّي أكبر من نسبة التمثيل السكاني. شركات “لوبي” أميركية عديدة تنشط في هذا الاتجاه. المساعي تتركز على تنشيط فكرة الاقليم السني كحل لمشكلة “التهميش” التي لا تزال معزوفة متداولة في واشنطن. على الجانب الاميركي، تلقى فكرة الاقليم السني تأييداً، خصوصا من جانب تلك الاوساط المتبنية لمشروع بايدن الذي طرحه قبل توليه منصب نائب الرئيس، والذي يقوم على تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم (شيعي، سني، كردي) في إطار نظام فيدرالي. الذين يعملون على الدفع باتجاه تنفيذ المشروع بدأوا يتحدثون عن تفاصيله ومنها أن هذه الاقاليم تكون ذات صلاحيات واسعة جداً كتلك التي يمارسها اقليم كردستان فعليا فيما يتعدى ما هو منصوص عليه في الدستور. الشيء الوحيد الذي يظل مشتركا بين الاقاليم الثلاثة المنشودة هو الثروات التي يراد لها ان تتوزع بالتساوي. انها فيدرالية شكلية لا وجود لنموذج لها في أي بلد من بلدان العالم. هذه الطرح ينسجم مع تكرار الجانب الاميركي بأن واشنطن مع عراقي موحد وتعارض التقسيم. هكذا تبقى وحدة “شكلية” للعراق فيما تكون أقاليمه الثلاثة مستقلة في جميع شؤونها كما هو نموذج كردستان الحالي. وحيث أن الاقليم السني المنتظر من “البعض” الاميركي والعراقي تعرض للكثير من الدمار على يد داعش، فضلا عن وجود الكثير من الثروات الطبيعية فيه، فان الشركات الاميركية الكبرى المؤثرة في القرار الاميركي تنتظرها فرص استثمار كبيرة كافية للدفع باتجاه تنفيذ مشروع الاقليم لتتناغم مع شخصيات عراقية تتوافد على واشنطن باستمرار لتقدم ما يثير شهية هذه الشركات التي يعمل فيها الكثير من الجنرالات والدبلوماسيون الاميركان المتقاعدون بعد خدمتهم في العراق منذ
العام ٢٠٠٣.
هذه الاطراف كلها ساهمت في رسم صورة للوضع العراقي القائم في مناطق نفوذ داعش وهو ما يمكن رصده من خلال نشاطات مراكز الدراسات تتناول هذا الامر بشكل مستمر فضلا عن مقالات لكتاب كبار في كبريات الصحف الاميركية، ويلقى ترجمة عملية في الاداء الاميركي في العراق، أبرز معالمه الاصرار على ألّا تشارك قوات الحشد الشعبي في تحرير المناطق المحتلة من قبل داعش.