انقلاب الادوار

أوقف النائب اللبناني السابق حسن يعقوب لدى القضاء بتهمة اختطاف هنيبعل القذافي من دمشق واحتجازه في البقاع. وكان يعقوب قد فقد والده الذي رافق الإمام موسى الصدر في زيارة إلى ليبيا العام 1978 بدعوة رسمية من العقيد٬ ولم يعرف أحد مصير ضيوفه إلى اليوم. انقسم اللبنانيون إلى فريقين: واحد يقول إنه يحق ليعقوب الانتقام لوالده٬ وآخر يقول لا يجوز لأحد أن يأخذ القانون بيديه٬ فهذا عمل الدول وحدها. بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا٬ تحول ذوو الأصول الألمانية في بولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا ودول البلطيق من مستبدين أفظاظ إلى ضحايا. طردوا من منازلهم وفقدوا أملاكهم وسخروا في الأعمال الصعبة وعذبوا واضطهدوا. الملايين منهم لم تبلغ معاملة الأوروبيين الشرقيين للألمان ما بلغته فظاظة النازيين وتوحشهم٬ لكنها في كل الحالات كانت انتقاًما خارًجا على القانون. وإذاُتركت غريزة الثأر وحرية الانتقام للناس٬ فهذا أمر لا نهاية له ولا حدود. قراء هذه الزاوية منذ ربع قرن٬ يعرفون موقفي من جماهيرية العقيد وجميع أشكال فظاعاتها ضد الإنسانية. ولعلهم يذكرون موقفي من هنيبعل القذافي عندما أقدم في سويسرا على ضرب خادمه المغربي. وقد تصرفت سويسرا يومها مثل أي دولة متحضرة تحترم نفسها والإنسان والقانون٬ فقررت معاقبة المعتدي٬ فكان أن أعلن العقيد الحرب عليها٬ وطالب العالم بهدم سريتها المصرفية٬ واعتقل في طرابلس سويسريين صدف أن كانا هناك. قانون الغابة لا حدود له. لذلك يترك إلى الجماهيريات التي يختفي ضيوفها الرسميون دون أثر. أما الدول العاملة بالقانون٬ ولو بقدر الإمكان٬ فلا يحق لأحد فيها خطف أحد واحتجاز حريته وإساءة معاملته. وثمة قاعدة واضحة لا تجوز مخالفتها: «ولا تزر وازرة وزر أخرى». لا استثناءات ولا تبريرات. ليبيا نفسها عرفت انتقامات كثيرة. وأسيئت معاملة السجناء الذين لم يقدموا إلى المحاكمة حتى الآن. مثلها مثل حال الأوروبيين الشرقيين والألمان بعد الحرب. وهذا عيب ليس على الأوروبيين وحدهم٬ بل على كل من يعطي نفسه حقوًقا ليست له. تلك كانت تسمى «عدالة الكاوبوي» والشنق دون محاكمة. إلى الآن لا يزال النائب السابق موقوًفا بموجب مذكرة من أعلى هيئة قضائية. ولا يزال هنيبعل القذافي موقوًفا أيًضا. وبين هذا وذاك٬ نتمنى الخير للقانون والعدالة.