العراق تايمز: كتب جمال الخرسان
اعلنت مؤخرا وزارة الاعمار والاسكان في بيان لها "ان دائرة المباني احدى تشكيلات الوزارة تستكمل تنفيذ مشروع الاسكان الريفي في محافظة ميسان". وبحسب بيان الوزارة فإن "المشروع يتضمن انشاء 3000 وحدة سكنية واطئة الكلفة ضمن ناحية الخير منها 1500 داخل الناحية و1500 ضمن الكيلو صفر-27" وتبلغ "كلفة الجزء الاول من المشروع 46,915 مليار دينارا وكلفة الجزء الثاني 53,257 مليار دينار".
هذه المرحلة ليست الاولى التي تتعلق بذلك المشروع المثير للجدل والاحباط، منذ العام 2008 والتصريحات تتوالي بين الحين والاخر عن تولي جهة ما ادارة المشروع، كانت البداية مع وزارة الدولة لانعاش الاهوار فترة الوزير حسن الساري التي فشلت في ادارة المشروع ثم احيل المشروع ليكون تحت اشراف الامانة العامة لمجلس الوزراء والتي فشلت هي الاخرى، ثم مؤخرا وزارة الاعمار والاسكان.
سكان الاهوار كانوا بأمس الحاجة لوحدات سكنية ولاحت لهم بوادرها في الافق، فبعد تاريخ من الحرمان والمأساة الطويلة تندّر الزمان اخيرا بلحظة كرم حاتمية ليهب سكان الاهوار مجمعا سكنيا يضم ثلاثة آلاف وحدة سكنية في ضواحي "ناحية الخير" التي تبعد قرابة الخمسين كم جنوب غرب مركز محافظة ميسان، الاموال خصصت لذلك المشروع من ميزانية انعاش الاهوار في اطار ما يسمّى "مشروع الإسكان الريفي" الذي يهدف لبناء قرابة الخمسة الاف وحدة سكنية ثلاثة آلاف منها في ميسان والبقية في ذي قار والبصرة.
لكن وبعد سنوات من الانتظار والاحلام الوردية انتهى المطاف بذلك المشروع الى مجرد هياكل من الاسمنت تركت في العراء برفقة مجموعة من العمال السريلانكيين، الذين وجدوا مصيرهم مجهولا ايضا كما هو حال المشروع، فقرروا الانتحار بشكل جماعي لولا تدخل سكان المنطقة ودخول الحكومة المحلية على الخط، حيث تم ايصالهم الى السفارة السريلانكية في بغداد.
منذ ثمان سنوات والتصريحات التي تبشّر باقتراب التنفيذ والانجاز تتوالى تباعا، وزارة الدولة مرة هلّلت بقدوم شركة سويسرية، ومرة قالت انها احالت المشروع لشركة المانية، ثم اعلنت بأن شركة كورية تقوم بتنفيذ المشروع، ولكن وبعد ان انجلت الغبرة تبيّن ان الشركة المنفذة هي "شركة طلعت حسام الدين للمقاولات" التي لم تعمل سابقا في تلك المناطق بل وتثار أساسا حولها الكثير من الشبهات، كما دخلت تلك الشركة في معركة حامية الوطيس مع حسن الساري وكل من الطرفين اتهم الاخر بسرقة المشروع.
ولأن الجهات المحلية في محافظة ميسان وفقا لما تدّعي لا تستطيع محاسبة الشركة المنفذة باعتبار ان التعاقد كان مع الحكومة المركزية، من هنا فان الموضوع برمته اوكل الى ذمة التاريخ. فالجهات المعنية بالمشروع اكتفت بسحب تنفيذ المشروع من شركة طلعت حسام الدين التي اختفت اصلا من تلك المنطقة وبشكل مفاجئ، مع تشكيل لجنة لجرد موجودات الشركة وتثبيت نسبة انجاز المشروع!
المأساة لم تقف عند هذا الحد، بل اضافة الى ذلك فإن الشركة المنفذة قامت بتخريب "تل الدوار" الاثري الذي يعود للحقبة السومرية والقريب من مقر الشركة، باستخدام الحفارات الهيدروليكية من اجل الحصول على التراب المستخرج لاستخدامه في العمل، وهذا بحد ذاته سبب منطقي لمحاسبة الشركة على ذلك العبث المتعمد في منطقة آثارية، هذا فضلا عن كلام يثار من قبل السكان القريبين من مقر تلك الشركة والتل الاثري اكدوا لي شخصيا بأن الشركة قامت بسرقة بعض اللقى الاثارية، حيث وضعت في صناديق خشبية ونقلت لمكان مجهول. لقد شاهدت المنطقة وقد تحولت الى بركة من المياه. فالشركة كانت تعبث بكل شيء وبلا مبالاة مفرطة دون حسيب او رقيب.
بهذه الفوضى غير الخلاقة تكون قد انتهت لعبة الاعمار هناك، جعجعة الوزارات لم تسفر عن شيء لسكان الاهوار، ومضافا لمخلفات العمل غير المكتمل فقد تعرّض تراث تلك المنطقة ايضا الى التخريب والضياع. كل ذلك عدا ما كانت تقوم به الشركات الهندسية في زمن النظام السابق من عبث بتلك المناطق حينما كانت تشق الطرق العسكرية هناك وتنشئ بعض السدود. فلا حسن الساري وفريقه الذي اعتاش كثيرا على الاهوار تمت محاسبته ولم تتم محاسبة شركة طلعت حسام الدين.
فهل يا ترى ستكون وزارة الاعمار والاسكان خاتمة المشوار الطويل لهذا المشروع المتلكئ ام هي مرحلة اخرى لن تكون افضل بكثير من سابقاتها وهناك الكثير من المبررات في جعبة الوزارة تتوكأ عليها في حالة الفشل؟!
|