عوامل خلق هوية عراقية

 

ان خلق هوية وطنية عراقية مشتركة ينضوي تحت لوائها الشعب العراقي بمختلف اطيافه وفئاته ليست بمسألة صعبة التحقيق لكنها تتطلب توافر شروط عديدة ابرزها : تعزيز شعور المواطنة والمشاركة في صنع القرار وكلاهما يفترضان احترام حقوق الانسان العراقي . وبما ان ثقافة المشاركة تشترط وجود مواطنين ذوي مستوى من الوعي بالثقافة السياسية فأن هذا يستوجب تجذير المواطنة في العراق ، وبما ان المواطنة حقوق وواجبات في الوقت ذاته ،غير اننا نلاحظ ان المواطن العراقي يتمتع بقسم كبير من حقوقه ويتلكأ بانجاز واجباته تجاه الدولة دون وعي منه ، فالدولة لاتحرمه منها بسبب انفرادها بعملية صنع القرار لوجود السلطة التشريعية المنتخبة والممثلة له ، ما يتوجب زيادة الشعور بالولاء والانتماء لها .

 ان تنافر جانبي العلاقة التي ترتكز عليها ثقافة المشاركة يخلق وضعا شاذا ، اذ ستسود البلاد ديمقراطية منزوعة الجذور وهوية وطنية خاوية المضمون ، اما اكتمالهما اي قيام المواطن بدور فعال في قضايا بلاده السياسية وتأثيره على النظام السياسي بطرق مختلفة ، ومن ثم مشاركته في عملية صنع القرار للوصول الى افضل السبل التي تحقق مصلحة العراق فأنه سيخلق وضعا صحيا، اذ سيعمل على خلق دولة قوية ذات سلطة تستمد ارادتها من القاعدة المجتمعية التي تمنحها قوتها وشرعيتها واستمراريتها  .

كما ان خلق شعور بالهوية الوطنية يستلزم ضرورة ان ترتقي القوى السياسية العراقية الى مستوى من الوعي بأهمية تعزيز ثقافة المشاركة  ، وتأسيس ثقافة سياسية جديدة قائمة على الحوار والتواصل : متجاوزة الولاءات والانتماءات المذهبية والعرقية والطائفية التي تخندق البعض خلفها في سبيل الوصول الى اعلى مؤسسات السلطة ، وهم لا يفقهون في حقيقة الامر متطلبات المنصب الذي يشغلونه ، والثقافة التي نقصد لابد ان تكون متسعة وشاملة في الوقت ذاته لكل فئات المجتمع وقومياته وطوائفه ، والذين يفترض بهم الاندماج في اوطانهم وعدم تمييز انفسهم بتمييز خاص ، وان لا يخترعوا لأنفسهم مشروعا خاصا يميزهم عن غيرهم من ابناء وطنهم ، وضرورة أشعار المواطنين العراقيين بأن مصالحهم ومنافعهم ذات ارتباط علائقي بمصالح الدولة واستقرار النظام والمجتمع ، وحل مشاكل المجتمع ومعضلاته برؤية مشتركة وعزيمة صادقة بحيث لا تسمح للحلول المعتمدة على التفكير والرؤية الجزئية بأن تجد لها مكانا، والتي غالبا ما تكون ترقيعية او مجرد ردود فعل على حالة ما ، وأهمية ان ينفتح خطاب الاحزاب والحركات السياسية العراقية ، ولا سيما حركات الاسلام السياسي على آفاق وطنية أرحب ، مما يمكنها من بناء علاقات حوارية وتحالفية أوسع مع القوى السياسية والدينية المختلفة معها، ومع الدولة في الوقت ذاته  ومنع قيام احزاب سياسية قائمة على اساس الانتماء الجزئي وانما الكلي ، اي احزاب ممثلة لشرائح المجتمع وفئاته المختلفة من خلال تبني قوانين تصويت تتجاوز الانتماء الضيق ، بحيث تتمكن مختلف الاحزاب من التنافس في عدد كبير من المناطق  .               وضرورة ان يمنح الشيعة تطمينات للسنة بأن تغيير الحكم لن يجعلهم يقعون تحت طائلة الثأر والطغيان ، في الوقت ذاته علي العرب ( شيعة وسنة ) الذين تؤلف قيمهم الاجتماعية والثقافية المشتركة أساس الوطنية العراقية ابرام عقد مع الاكراد لضمان حقوقهم السياسية والاجتماعية في أطارعراق يعاد توحيده ، وبلورة صيغة متوازنة للتشارك في السلطة  ، والمباشرة بعملية أعادة كتابة التاريخ العراقي بصورة ترد الاعتبار لجميع الفئات العرقية والدينية والطائفية ، كونها ساهمت بصنع هذا التاريخ ، وأحياء الهوية الوطنية العراقية من خلال التنظير السياسي والفكري  ، ولعل ابرز الرؤى الفكرية التي طرحت في هذا المجال فكرة الاستعراق للمفكر العراقي ( ميثم الجنابي ) التي تستمد مقوماتها من التاريخ الذاتي للاقوام والامم التي عاشت في العراق ، من خلال جعل العراقية اسلوبا لتذليل العرقية ، بمعنى آخر الارتقاء من مختلف الاشكال والصيغ التقليدية كالعرقية والطائفية الى مصاف العراقية  ، وكذلك اطروحة الكاتب العراقي ( علي الشرقي ) التي تعتمد في أسسها على الطابع القبلي القوي للمجتمع العراقي والدور التاريخي للقبائل العراقية في الحفاظ على الروح الحقيقية للعروبة في البلاد بوصفه مدخلا لتشكيل الهوية الوطنية العراقية ،  الى غيرها من الافكار الايديولوجية التي لا تخلق في حقيقتها الهوية الوطنية بقدر ما تكشف عن وجودها الموضوعي الموروث .ان الطرح الوطني هو الوحيد القادر على خلق هوية وشعور عراقي يصهران الفئات العراقية المختلفة في بوتقة وطنية واحدة ، ويلغيان المسوغات لارتباط بعض تلك الفئات بأيديولوجية خارجية لا تمت الى الواقع العراقي بصلة او لا تشمل جميع فئاته