عندما يكون الفساد متوارثاً |
سؤال يراود مخيلتي ولم أحصل على إجابة شافية عنه .. هل الفساد مرض وراثي ؟ بحيث تتناقله أجيالنا جيلاً بعد جيل عبر تاريخنا المفعم بالحروب والغزوات , رغم إننا لم نشارك بتلك الفتوحات التاريخية للمسلمين في بلاد فارس وبلاد الشام والأندلس بل شاركنا في معاركنا التاريخية زمن النظام السابق التي هي امتداد تاريخي لمعارك الأجداد , فنهبنا وسلبنا عامي 1991 و 2003 تحت شعار (مال الدولة حلال حتى وأن كان مسروقاً ) .. والحقيقة تقول أن أجدادنا الأوائل شاركوا في كافة المعارك عندما كان التجنيد إجباريا وليس طوعياً بدأً من السبي البابلي الأول والسبي البابلي الثاني ثم الفتوحات الإسلامية في العصر الأموي والعباسي وحكم الأمراء والسلاطين من غير العرب التي قُتل وسُبي فيها خلقا كثيرا وغنموا مالاً جزيلاً لكي يأخذ الحاكم أربعة أخماسه والفارس ثلاثة ألاف دينار والراجل إلف دينار وأحيانا يحملون الأموال والنساء ويتركوا البلاد . هذا المنطق ألاغتصابي مارسه البعض حتى على أبناء جلدتهم من عرب الجزيرة والأقوام غير المسلمة آنذاك أرضاءً لنزوات الحاكم وطموحاته التوسعية والسلطوية من اجل المال والنساء وليس من اجل الدين ونشر العدل والمساواة بين الناس , وفي غنائم أهل اليمامة مع خالد ابن الوليد يقول أحد المؤرخين ( لم تحدد كميات الذهب والفضة والسبي والسلاح والخيل ومساحة البستان من كل قرية مما أخذه المسلمون ). هذا الفكر ألغنائمي الموروث تاريخيا جعل اليوم الكثير من سياسينا المشبعين بالفكر الديني – ألغنائمي يحللون المال العام ويسرقونه من خزائن العراق وينقلون الجزء الأكبر منه خارج البلد مع عوائلهم تحت شعار ( الإسلام أو الجزية ) وبما إن اغلب العراقيين لا يؤمنون بأفكارهم الديماغاوجية فان هناك جزية عليهم دفعها لهم أي حتى على الذين اسلموا بعد سقوط نظام البعث عام 2003 دون قتال يذكر. لا اعرف … كيف سكتت المرجعية الدينية في النجف الاشرف طوال هذه المدة عن هؤلاء السارقين المتلبسين برداء الدين والإسلام ؟ أن دعوتها لمكافحة الفساد والفاسدين جاءت متأخرة بعض الشيء ولكن نقول الخير في ما وقع أن الحرب ضد داعش والفاسدين تطهر الأنفس , وعدم معالجة المرض المزمن تؤدي إلى الموت البطيء , فلا يهم هؤلاء إن يموت العراق بأهله أو يأخذوا أموال العراق ملكاً خاصاً لهم يشترون بها الضمائر الميتة والأصوات الانتخابية وينفقون الباقي على ملذاتهم كما فعل أجدادهم عندما اخذوا أموال القتلى ونساءهم سبايا بعد إن استباحوا البلدان وامتلأت أيدهم بالغنائم والأسرى والسبايا من النساء , إي إسلام يحملون وهم يسرقون المال العام وأية هداية تلك , آلا أن القرآن الكريم يقول لهم ( أن الله كان عليكم رقيبا ) . لماذا نلوم داعش وفعلها الدموي ؟ فهم فعلوا بنا ما فعلناه بشعبنا من قبل , داعش يقتل ويسبي ويسرق ويحرق هذه الصراحة لا جدل فيها فلولا نخوة النشامى من رجالات الحشد الشعبي والغيارى من قواتنا الأمنية البطلة وعشائرنا العربية الأصيلة في الانبار وصلاح الدين وديالى لسقط العراق برمته تحت إقدام هؤلاء القتلة ولقتلوا كل من في العراق إلا من اعتصم بإسلامهم التكفيري الممجوج , ولاستباحوا البلاد وامتلأت أيديهم بالغنائم والأسرى والسبايا كما فعلوا بأهل سنجار عندما سبوا النساء الايزيديات وباعوهن في أسواق النخاسة.أن من سيئات النظم الاستبدادية أنها لا تسمح للأخطاء أن تطفو على السطح وتبقى طي الكتمان وتنمو بمرور الزمان كما تنمو الميكروبات في الظلام , هذا ما عاشه العراق قبل التغيير حينما كان النظام السابق يضمد جراحه بالغزوات التاريخية الكبرى من قادسية صــــــــــدام المجيدة 1988 – 1980 إلى أم المعارك الخالدة 2003 – 1990 التي خرج منها العراق بديون خارجية تقدر بأكثر من (82 ) مليار دولار . لكن من حسنات النظام الديمقراطي الحالي انه يسمح للأجهزة الإعلامية أن تراقب السياسيين والمسؤولين في الدولة لتكشف عن نقاط ضعفهم وأخطاء برامجهم الانتخابية التي وعدوا بها الشعب حتى يتلافوها , لكن سراق المال العام دائما على خلاف مع المجتمع يسخطون عليه وعلى نظمه وقوانينه ومعاييره ويعطلوا أو يرفضوا تشريعها سواء في البرلمان أم الحكومة بحجة أن كثيراً من القوانين كانت في عهد الحكومة السابقة ولم يراع فيها الظرف المالي الحالي ولا حركة الإصلاح المنشودة , ولديهم رغبة وراثية للبقاء في السلطة مدى الحياة من اجل السيطرة على وزارات الدولة ونهب المال العام , كونهم لا يشعرون بالحياء عندما يكشف الإعلام النزيه فعلتهم السوداء و لا يشعروا بالندم ويعيدوا الأموال المسروقة إلى خزينة الدولة , فهناك مبالغ ضائعة منذ عام 2003 حتى ألان تقدر بـ (100 ) مليار دولار ليس لها أثر حتى اليوم . ومن المتعارف عليه أن الرياضي المحترف ينَشأ حوله إبطال في الرياضة يصبحون فيما بعد مدربين بارعين لكي يحطموا الأرقام القياسية ويجلبوا الأوسمة الذهبية لبلدانهم إذا حصلوا على مراتب متقدمة في اللعبة بينما الآخرين لم يحصدوا سوى جوائز نحاسية أو جوائز رمزية , كذلك المدراء العامين والمدراء التنفيذيين يجب أن يشجعوا الآخرين على التقدم حتى يصبحوا هم الرؤساء في المستقبل ولكن ما يحدث عكس التيار المدير الفاسد يجلب موظفين فاسدين أو يفُرض عليه أشخاص من أحزاب متنفذة في الحكومة , وهكذا تدور حلقات القيادة في العراق الجديد ( كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن ) كما قال المفــــكر والفيلسوف الهندي الكبير المهاتما غاندي 1948- 1869.الاقتصاد العراقي لا ينهض ألا بالقضاء على الفاسدين وأعاده الأموال المنهوبة ).. هذا ما يردده الكثير من مسئولي الدول وقادة النخب وهم يعرفون أن ما وصل أليه العراق اليوم بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة , بحيث أصبحت موازنة عام 2016 لا تسد حتى الرواتب والبطاقة التموينية وشراء الأدوية وبالتالي الرجوع إلى الاقتراض الخارجي بفائدة تصل إلى 12 بالمائة وتلك الطامة الكبرى التي خلفها لنا الحكام الجدد سليلي فقه الغنيمة والكلام المدسوس من وعاظ السلاطين (من قتل قتيلا فله سلبه) . بعد كل هذا الفساد ونهب المال العام يأتون بالإصلاحات بدل العقوبات أم أنهم يريدون موت العراق بأهله أو يعطوهم كل خزائنه وبالتالي الرجوع إلى أموال الموتى , هذا ما ورثوه من الأجداد في معاركهم التاريخية , وبذلك يكون الفساد وراثياً , وهو المطلوب .
|