تعرضت في حياتي الى هزتين قاتلتين ، نفسية ومالية ، بلغتا تسع درجات على مقياس ريختر ، كادتا أن تفقدني صوابي ، والصحيح بالفعل فقدتني صوابي . ذلك قرار بيع اثمن كنز امتلكه في حياتي الفانية ، وهي مكتبتي ، حديقتي الغنّاء . المرة الاولى في سنوات الحصار الاقتصادي الظالم على العراق بسبب السياسة الرعناء التي جثمت على صدر البلد حتى قادته الى مستقبل مجهول ، وهي التي جاءتنا اليوم بهذه الحثالات التي تدير دفة البلد بعد انهيار النظام الشمولي السابق . فلولا ذلك النظام لم تتجرأ الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها بدخول العراق عن طريق غير شرعي فتحتله ، لتقول لنا بعدها انها جلبت معها (الديمقراطية) مع عدد من المتسيسين ، ولا اقول السياسيين ، على ظهور الدبابات لغرض انتخابهم حتى يكونوا (شرعيين) ليتسنموا الحكم ، فكانت النتيجة فساد في كل شيء انهك الشعب واقعده على بساط الفقر والضنك ، اذ ارتقى الجهلة والاميون وانصاف المثقفين والوصوليين الى مناصب مرموقة في الدولة وانفردوا بالقرار .
واما الوطنيون والمثقفون واصحاب الشهادات ، فالذي ركن منهم ركن ، والذي هاجر البلد هاجر ، والذي طالته التصفية صفوه ، والهدف واضح والطريقة مفهومة ، وكل شيء مرسوم على وفق خطط واستراتيجية كتبت مسبقا ، واعدت لها السيناريو قبل عدة اعوام من احتلال العراق ، واكبر دليل على مانذهب اليه هو حل الجيش العراقي العظيم الذي كان اكبر قوة في المنطقة ، ويهابه الجميع .
واما الهزة ، او قل النكسة الثانية فهي في منتصف عام 2015 ، سنوات الدواعش ومن جاء بهم من الاولين والآخرين ، عندما عصفت بي الظروف المالية والقت بظلالها على اجواء محنتي ، فسلمتني للايام ريشة في مهب الريح . وهنا وجب عليّ أن الوذ بركنٍ شديد ، او أن ارتقي الى جهة ما ، لكن لا عاصم اليوم من أن اتسلف بعض الاموال لسد حاجتي ودفع محنتي ، واما أن ابيع مكتبتي ، فخيرت نفسي بين الشرين . مكبتي التي اشتريتها بجهدي وصبري ، ومنعت نفسي من اشياء كثيرة لأجل شراء كتاب أنا في امس الحاجة اليه اهديه الى فكري الجائع المتعطش ليسد رمقه ويشفي غليله ، وهو تعويض عن الكتب التي بعتها . في حين انظر الى مئات الاشخاص من حولي يمتلكون اموال قارون ، لكنهم ليسوا بمستعدين لشراء كراسا واحدا بقيمة الف دينار.
فقررت أن ابيع مكتبتي ، وانهي الازمة ، ويا له من قرار ، انه اصعب من قرار اعلان حرب طاحنة تقضي على الاخضر واليابس ، فبعتها بثمن بخس دنانير معدودات وكنت فيها من النادمين ، نعم ندمت على فعلي هذا واعتبرت ذلك حماقة ، لكنني مجبور على فعلها .
واسمع رأي القارئ يقول : انك لست اول من يبيع مكتبته ، فقد فعلها قبلك مئات المثقفين وربما آلاف ، اقول هذا صحيح ولا غبار عليه ، لكن ذلك يترك جرحا لا يلتأم الى ابد الآبدين . كنت ولا زلت اعتبر مكتبتي هي بمثابة اولادي ، وحين بعتها كأنني بعت احدهم ، فهل قراري هذا كان جرما تحاسب عليه القوانين الثقافية والاخلاقية والابداعية ؟ .
نسخة منه الى :
رئيس الجمهورية اشارة الى مقالي اعلاه ليس للحفظ ، وانما للايعاز باتخاذ اجراءاتكم النبيلة . علما قد تم بيع مكتبتي بالمناقصة العلنية ، وهذا شر البلاء .
الى رئيس الوزراء المبجل للاحاطة بالعلم .
الى رئيس البرلمان المنظم ، لتعضيد ازمتي ورفعها الى الجهات المختصة .
الى وزير الثقافة المعلم على قدر تعلق الامر بكم .
السادة قرائي لا تلوموني على فعلي هذا
|