النَّبي الأُميِّ والقراءة .... تذكُّر في معنى كلمة الأُمِّي |
الحمد لله وهو وليُّ المرسلين والمؤمنين والصَّلاةً والسَّلام على من لا نبيَّ بعده إلَّا من هو منه فهو له وهو طبعه ومُظهِرُه وخادمُه وعلى الآل أجمعين ....آمين أمَّا بعد : فقد كَثُر الكلامُ عن كون النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام كان لا يقرأ ولا يكتب تأويلاً لوصفِ (الأُمِّي) المطلَق عليه في كتابِه الحكيمِ , حيث أوَّلَها النَّاس بأنَّه لا يقرأ ولا يكتبُ طوال حياتِه أبداً إلى أن ـتوفَّاه الله تعالى واختارَه إلى جواره , و وهذا الكلامُ موجودٌ في الَّتفاسير التَّقليديَّة ومشاعٌ بين العوامِّ من المُسلمين ومن غيرهم , وهو ما لم أجِد لهً مًبرراً أبداً . لم الإصرارُ على أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام يظنُّ به المسلمون هذا الظنَّ رغم أنَّ الإيمان بتلك المسألةِ لا يَضرُّ بإيمانِ شخصٍ , ولا إنكارُها يقدَح في إيمانِه طالمَا أنَّ تأويلها بأنَّها تعني عدم القراءةِ والكتابةِ , إلَّا أنَّ توقِير النَّبيِّ هي من أدبِ وصفاتِ المؤمن مع نبيِّه وقبلَها مع ربِّه .
ولو راجَعنا التَّفاسير التَّقليديَّة على عُجَالة رأينا فيها الآتي : قولُهُم { لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلامّيِينَ سَبِيلٌ } أي لا يتطرّق علينا عتابٌ وذمٌّ في شأن الأمِّيِّيين، يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب ( الزمخشري) بينا أورَد الطَّبري في تفسيره الآتي : واختلف أهلُ التَّأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضُهم نـحو قولِنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
وفي تفسير ابن كثير ورَد الآتي : وقوله: { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } أي: إنَّما حملَهُم على جحود الحقِّ أنَّهم يقولون: ليس علينا في دِيننا حَرَج في أكلِ أموالِ الأمِّيِّين، وهُم العرب، فإنَّ الله قد أحلَّها لنا، قال الله تعالى: { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ { وأيضا أورد ابن كثيرٍ في تفسير آيةِ : }ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ } وهذه صِفَةُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم في كتُب الأنبياء، فقد بشَّروا أُمَمَهم ببعثتِه، وأمروهُم بمتابَعَتِه، ولم تَزَل صِفاتُه موجودةً في كُتُبِهم، يعرِفُها علماؤهم وأحبارُهم. كما رَوَى الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلي، حدَّثني رجلٌ من الأعراب قال: جلَبتُ حلوبة إلى المدينة في حياةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما فرغتُ من بيعي، قلتُ: لألقينَّ هذا الرَّجل، فلأسمعنَّ منه، قال: فتلقَّاني بين أبي بكرٍ وعمرَ يمشون، فتبِعتُهُم حتى أتوا على رجلٍ من اليهود ناشراً التَّوراة يقرؤها، يعزِّي بها نفسَه عن ابنٍ له في الموتِ كأجمَلِ الفتيانِ وأحسنِها، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: " أنشِدك بالذي أَنزَل التَّوراة هل تجدُ في كتابك هذا صِفتِي ومخرَجي " فقال برأسِه هكذا، أي: لا، فقال ابنه: إي والذي أنزل التَّوراة إنَّا لنَجدُ في كتابِنَا صفتَك ومخرَجَك، وإنِّي أشهَد أنَّ لا إله إلا الله، وأشهَد أنَّك رسولُ الله، فقال: " أقيموا اليَهودي عن أخيكم " ثم تولَّى كفنَه والصَّلاة عليه. هذا حديثٌ جيِّد قويٌّ له شاهدٌ في الصَّحيح عن أنس.
وقد ورَد في تفسيرِ الإمام الرَّازي الصِّفة الثَّالثة: كونه أميَّاً. قال الزُّجاج: معنى { ٱلأُمِّىَّ } الذي هو على صفَةِ أمَّة العرب. قال عليه الصَّلاة والسَّلام: " إنَّا أمَّة أميَّة لا نكتُبُ ولا نحسب " فالعربُ أكثرُهُم ما كانوا يكتُبُون ولا يقرأون , والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام كان كذلك، فلهذا السَّبب وصفَه بكونِه أمِّيَّاً ولأنَّ الإمام الرَّازي وجدَ هذا الاختلاف في ؟استخدام كلمةِ الأُمِّي فاضطرَّ إلى الاستشهاد بآيةٍ أًخرى وهي قولهُ تعالى : {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }العنكبوت48 انتهى والمستَنتَج من هذه الأقوالِ أنَّ كلمةَ الأُمِّي تخصُّ العرب على الخصوصِ وباقي الأُمَم من اليهود لقولِهم (ليس علينا في الأُمِّيين) واليَهود استحلُّوا النَّاس كلَّهم ويلقَّبون الأقوام التي من غيرهم (بالأُمِّيين) , وما رأيتُه من أقوالِ المفسِّرين أنَّهم كانوا يقولون بهذا القولِ و لكنَّ الإمام الرَّازي صرَّف كلمة الأُمِّي إلى عدَمِ الكتابة مُعتَمِداً على وجود آيةٍ أًخرى أما باقي المفسرين على الأغلب أكتفوا بلفظة الأمي لاثبات عدم معرفة النبي بالقراءة والكتابة ونحن نقول أنَّ الأُمِّيِّين كلمةٌ تطلَق على العرب فقط لقوله تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2 وأتبَعَها بقوله تعالى : {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الجمعة3 وكلمةُ الآخرين كما هو معروفٌ عند أهلِ الحديثِ والتَّفسير تخصُّ بني فارسٍ , وهم أيضاً من غيرِ اليهود وبالتَّالي فإنَّ كلمةَ الأُمِّي يختصُّ بها العربُ فقط (والآخرين) لم يكونوا أُّمِّيِّين وتمايَزوا عنهُم لأنَّهم كانوا يعلَمون الكتاب وعندَهم رسالاتٍ سماويَّةٍ سابقةٍ حيثُ يقولُ الله تعالى في ذلك } وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ { فاطر 24 فقد كانت الفُرسُ من تلك الأُمَم التي خلَت فيها النُّذُر وكانوا أمَّةً عظيمةً فقد كانوا أيضاً أهلَ كتابٍ وشريعةٍ ولنراجِع التَّوراة ونرى ما فيها مثلاً عن كورش الأخميني , وهو أحدُ ملوكِ الفرسِ سفر أخبار الأيَّام الثاني 36: 22 وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ لأَجْلِ تَكْمِيلِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا، نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَكَذَا بِالْكِتَابَةِ قَائِلاً:
سفر أخبار الأيام الثاني 36: 23 «هكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَ السَّمَاءِ قَدْ أَعْطَانِي جَمِيعَ مَمَالِكِ الأَرْضِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. مَنْ مِنْكُمْ مِنْ جَمِيعِ شَعْبِهِ، الرَّبُّ إِلهُهُ مَعَهُ وَلْيَصْعَدْ». سفر عزرا 1: 1 وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ عِنْدَ تَمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا، نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضًا قَائِلاً: سفر عزرا 1: 2 «هكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ: جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ إِلهُ السَّمَاءِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. وهذا يعني أنَّ أحدَ ملوكِ الفُرسِ وهو كورش كان يتلقَّى الوحي وهو كان ملهَماً وكان نبيَّاً وهو الذي أشار إليه تعالى في القًرآن الكريم بذي القرنين , إذاً أمَّة الفُرس أُمَّةٌ نالَت حظَّاً من الكتاب ومن علومِه هنا يُطرَحُ سؤالٌ ألا وهو ما الرَّابط الذي بين التصاقِ كلمةِ الأُمِّي بمن لا يقرأ ولا يكتب . الجواب بسيطٌ جداً لأنَّ الكتابةَ هي أصلاً من ثمراتِ الوحي المُسمَّى ذِكراً , فقال الحقُّ سبحانه وتعالى اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5} سورة العلق (3-5) فما تعلَّم اليهودُ الكتابَة إلا بسببِ نزولِ التَّوراة على سيِّدنا موسى عليه السَّلام , فبنزولِ التَّوراة ارتقَت تلك الأمَّة روحيَّاً , ولما ظهرَت الحاجةُ إلى تدوينِ التَّوراة ظهرَت الكتابَة عندهم {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى }النجم36 فظهَرت الكتابة منذُ زمنٍ بعيدٍ في بني إسرائيل لذلك كانوا يحتقِرون أبناءَ عمومَتِهم من بني إسماعيل الذين لم ينالوا شَرفَ نزولِ الكتاب عليهم , لذلك سُمِّيَت التَّوراة ذكراً والقرآنُ الكريمُ كذلك سُمِّي ذكراً لأنَّ الذِّكر هو من يَشيعُ بين النَّاس ويُذكَر في مجالِسِهم فما ارتقَت بنو إسرائيل إلَّا بسببِ التَّوراة ونزولِ الوحي وهو الذِكرُ على نبيِّهم موسى عليه السَّلام لذلك اهتمُّوا بمهنةِ الكتابة وارتقت بذلك حضارتُهم ونمَت وشاعَت بين البُلدان سيرتُهم . حيث قال الله تعالى عن بركات الوحي على الأمم التي ينزل فيها {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ }الرعد17 ولذلك وبما أنَّ الكتاب لم ينزِل على بني إسماعيل سمُّوا بالأُمِّيِّين ولذلك لم يتعلَّموا الكتابة ولم يدوِّنوا تاريخَهم ولا أحداثَهم , ولذلك كان هذا هو الإساس في أنَّ لفظة الأُمِّيِّين التصقَت بعدَمِ معرِفَةِ المرء للكتابَة , فلولا الكِتاب المنزل على الأمَم ما تعلَّمت الأُمَم صِنعة الكِتابة أبداً فقد ورَد في معجَمِ لسان العرب (لابن منظور) الأُمِّيّ الذي لا يَكْتُبُ، قال الزجاج: الأُمِّيُّ الذي على خِلْقَة الأُمَّةِ لم يَتَعَلَّم الكِتاب فهو على جِبِلَّتِه، وفي التنزيل العزيز: ومنهم أُمِّيُّون لا يَعلَمون الكتابَ إلاّ أَمَانِيَّ؛ قال أَبو إسحق: معنى الأُمِّيّ المَنْسُوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أُمُّه أي لا يَكتُبُ، فهو في أَنه لا يَكتُب أُمِّيٌّ، لأن الكِتابة هي مُكْتسَبَةٌ فكأَنَّه نُسِب إلى ما يُولد عليه أي على ما وَلَدَته أُمُّهُ عليه، وكانت الكُتَّاب في العرب من أَهل الطَّائف تَعَلَّموها من رجل من أهل الحِيرة، وأَخذها أَهل الحيرة عن أَهل الأَنْبار. وفي الحديث: إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُب ولا نَحْسُب؛ أَراد أَنهم على أَصل ولادة أُمِّهم لم يَتَعَلَّموا الكِتابة والحِساب، فهم على جِبِلَّتِهم الأُولى. وفي الحديث: بُعِثتُ إلى أُمَّةٍ أُمِّيَّة؛ قيل للعرب الأُمِّيُّون لأن الكِتابة كانت فيهم عَزِيزة أَو عَديمة؛ ومنه قوله: بَعَثَ في الأُمِّيِّين رسولاً منهم.
إذاً نستنتجُ من خلالِ هذا الكلامِ أنَّ لقبَ الأمِّيِّين أُطلِقَ من قِبَل أهلِ الكتاب على العربِ بالخصوص فالأُمِّيِّ هي صفةٌ أًطلِقت على العرب من أهلِ الكتاب لأنَّ العربَ أبناءُ عمومةٍ لهم لم ينالُوا شرَفَ نزولِ الكتاب ولا يعلَمونَه وليس لأنَّها لا تكتُب ابتداءا لذلك أورَد الله تعالى هذه الكلِمة في ذمِّ بني إسرائيل في الكِتاب فقال {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }البقرة78 ولو لاحظنا الآيةَ التي وصَفَت النَّبيَّ بأنَّه أًمِّيٌّ لرأينا أنَّها أتت في سياقِ الكلام ِ مع اليهود فقط فقال في سورة الأعراف وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ{155} وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ{156} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{157} وهذا يدلُّ على أنَّ الله تعالى عندما وصَفَ النَّبيَّ بالأُمِّيِّ لم يكن يقصد أنَّه لا يقرأ ولا يكتبُ إنَّما من العربِ كما هو مُثبَت في التَّوراة في سفر التثنية 18 :18 اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك و اجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به والمعروفُ أنَّ أخوتهم في هذا النَّصِّ من أبناءِ الفرع الإسماعيليِّ , يقول القسُّ تادرس يعقوب في تفسير هذ الآية أولًا: يقول "من وسطك"، أي من وسط إسرائيل وليس من أمَّةٍ أخرى ويقول القس أنطونيوس فكري في تفسير تلك الآية المسيحُ هو النَّبيُّ المُنتَظر، بل هو ربُّ الأنبياء. وبسببِ هذه النُّبوة قالوا "هذا هو بالحقيقة النَّبي الآتي إلى العالم" (يو14:6) وهم سألوا يوحنا المعمدان "النبي أنت؟" (يو21:1) وكلا المفسِّرين قالا أمرَين يُخالِفان أقوالَ المسيح عليه السَّلام أولا من قالَ من أوسطِهم أنَّه كان لا يقصِد اليهود لأنَّه قال قبلها( من أخوتهم) ولم يقل منهم وهي رغمَ الفروق في التَّرجمة إلا أنَّ عادة الخِطاب الإلهيِّ أن يتكلَّم مع الأممِ بتعبيرِ النَّفس أو ال (من) فقال {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ }البقرة84 (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ) لذلك كانت الوَسط هي للدَّلالة على أخوة أبناء إسرائيل وهم العربُ وهي إشارةٌ إلى ما ورَد في القرآن الكريم بحقِّ هذه الأمَّة فقال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }البقرة143 ولنرى ما ورَد في الإنجيل على لسانِ المسيح نفسِه عن القادِم الموعودِ وبما يناقِضُ تفسير القسين إذ قال إنجيل متى 12: 28 وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ! ويقول أيضا
إنجيل متى 21: 43 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. في إشارة الى ما ورد فين القرآن الكريم عن الأعمال الصالحة والمراتب الروحية التي يكتسبها المرء من خلال الإلتزام بالقرآن الكريم فقال {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء }إبراهيم24 {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }إبراهيم25 أي تأتي ثمارها كل حين !! ويقول المسيح عندما يًسأل عن القادم الجديد المبعوث في الأُميين إنجيل متى 3: 11 أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. ويقول أيضا عنه إنجيل لوقا 3: 16 أَجَابَ يُوحَنَّا الْجَمِيعَ قِائِلاً: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ، وَلكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. ولنركِّز على كلمةِ النَّار في هذه الآية من الإنجيل التي ستكون مصاحبةً للقادم الموعود جاء في سفر التثنية الاصحاح 33 فقد جاء في اللغة العربية كالآتي فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ. أمَّا في اللغة الإنكليزيَّة فقد جاء السفر كالآتي And he said, The LORD came from Sinai, and rose up from Seir unto them-;- he shined forth from mount Paran, and he came with ten thousands of saints: from his right hand went a fiery law for them. وترجمتُها إلى اللغة العربيَّة تشيرُ إلى نفسِ ما جاء في سفر التثنية في اللغة العربية إلا أنَّ فيها زيادة باللغة الانكليزية وهي he came with ten thousands of saints أي أنَّه أتى ومعه 10 آلاف قدِّيس اما في اللغة اليونانية فقد وردالسفر كالاتي κ-;-α-;-ι-;- ε-;-ι-;-π-;-ε-;-ν-;-, Ο-;- Κ-;-υ-;-ρ-;-ι-;-ο-;-ς-;- η-;-λ-;-θ-;-ε-;-ν-;- ε-;-κ-;- Σ-;-ι-;-ν-;-α-;-, κ-;-α-;-ι-;- ε-;-π-;-ε-;-φ-;-α-;-ν-;-η-;- ε-;-ι-;-ς-;- α-;-υ-;-τ-;-ο-;-υ-;-ς-;- ε-;-κ-;- Σ-;-η-;-ε-;-ι-;-ρ-;-· ε-;-π-;-ε-;-λ-;-α-;-μ-;-ψ-;-ε-;-ν-;- ε-;-κ-;- τ-;-ο-;-υ-;- ο-;-ρ-;-ο-;-υ-;-ς-;- Φ-;-α-;-ρ-;-α-;-ν-;-, κ-;-α-;-ι-;- η-;-λ-;-θ-;-ε-;- μ-;-ε-;-τ-;-α-;- μ-;-υ-;-ρ-;-ι-;-α-;-δ-;-ω-;-ν-;- α-;-γ-;-ι-;-ω-;-ν-;-· ε-;-κ-;- τ-;-η-;-ς-;- δ-;-ε-;-ξ-;-ι-;-α-;-ς-;- α-;-υ-;-τ-;-ο-;-υ-;- ε-;-ξ-;-η-;-λ-;-θ-;-ε-;- π-;-υ-;-ρ-;- ν-;-ο-;-μ-;-ο-;-υ-;- δ-;-ι-;- α-;-υ-;-τ-;-ο-;-υ-;-ς-;-. وأيضاً هي تشابِه ما ورَد في اللغة العربيَّة إلا أنَّ فيها إضافة تقول إنَّه سيأتي ومعَه عدد لا يُحصَى من القدِّيسين أمَّا في اللغة العبرية فقد ورَدت كالآتي י-;-ֹ-;-ּ-;-א-;-מ-;-ַ-;-֗-;-ר-;- י-;-ְ-;-ה-;-ו-;-ָ-;-֞-;-ה-;- מ-;-ִ-;-ס-;-ִ-;-ּ-;-י-;-נ-;-ַ-;-֥-;-י-;- ב-;-ָ-;-ּ-;-א-;-֙-;- ו-;-ְ-;-ז-;-ָ-;-ר-;-ַ-;-֤-;-ח-;- מ-;-ִ-;-ש-;-ֵ-;-ּ-;-ׂ-;-ע-;-ִ-;-י-;-ר-;-֙-;- ל-;-ָ-;-֔-;-מ-;-ֹ-;-ו-;- ה-;-ֹ-;-ו-;-פ-;-ִ-;-֙-;-י-;-ע-;-ַ-;-֙-;- מ-;-ֵ-;-ה-;-ַ-;-֣-;-ר-;- פ-;-ָ-;-ּ-;-א-;-ר-;-ָ-;-֔-;-ן-;- ו-;-ְ-;-א-;-ָ-;-ת-;-ָ-;-֖-;-ה-;- מ-;-ֵ-;-ר-;-ִ-;-ב-;-ְ-;-ב-;-ֹ-;-֣-;-ת-;- ק-;-ֹ-;-֑-;-ד-;-ֶ-;-ש-;-ׁ-;- מ-;-ִ-;-ֽ-;-י-;-מ-;-ִ-;-י-;-נ-;-ֹ-;-֕-;-ו-;- ל-;-ָ-;-ֽ-;-מ-;-ֹ-;-ו-;-׃-;- وأيضا النصُّ يشير إلى 10 الاف قدُّوسي وهذا العدد كما تعلمون يشير إلى عددِ الصَّحابة الذين كانوا مع النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام في فتح مكة من هذا نخلُصُ إلى القول بأنَّ النَّبيِّ محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام كان من أُمَّة أُميَّة وكان من العرب وكان لا يقرأُ ولا يكتُب ليس لأنَّه النَّبيُّ الأُميُّ إنَّما لقولهِ سبحانه وتعالى {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }العنكبوت48 وهذه الآية توضِّح أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام كان لا يقرأُ من أيِّ كتابٍ ولا يكتبُ أيَّ كتابٍ قبل بعثته (من قبل) وهو أمرٌ جديرٌ بالاهتمام والانتباه إليه في القادم من المقال يقولُ الحقُّ سبحانَه وتعالى عن تعليمِ النَّبيِّ محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام }وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }النساء113 ولنركِّز على قولِه تعالى (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) وبما أنَّ الله تعالى أقرَّ أنَّ النَّبيَّ لم يكن يعرِفُ القراءةِ والكتابةِ قبلَ نزولِ الكتابِ كما أورَد ذلك في سورةِ العنكبوتِ فإنَّ الله تعالى قد علَّم نبيَّه عليه الصَّلاة والسَّلام ما كان لا يعلِّمه وخصوصاً أنَّه نزَّل عليه الكتاب الحقَّ لذلك كانَ تعلُّمُ القراءةِ والكتابة ِ معَ أوَّلِ نزولِ الوحيِ على النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام عن عُبَيْدِ بِنِ عُمَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (أَتَانِي جِبْرِيلُ بِنَمَطٍ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ قَالَ اقْرَأْ . قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ قَوْلَهُ ( ألم ذَلِكَ الْكتاب لَا ريب فِيهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ حَيْثُ قَالَ لَهُ (اقْرَأْ) " انتهى من " فتح الباري " (8/ 718) ولنلاحِظ أمراً مهمَّاً وهو أنَّ جبريلَ عليهِ الصَّلاة والسَّلام أتى للنَّبيِّ بكتابٍ هو القرآنُ الكَريمُ ويأمرُ الَّنبيَّ بالقراءة منه هل كان هذا الأمرُ عبثيَّاً ؟ أيُكلِّف الله الإنسانَ ما لا يطيقُ أو يطلبُ منه القراءةَ لما لا يعرِف قراءته ؟ ولِماذا يأتِي له جبريل بكتابٍ وهو لا يستطيعُ أن يعرِف حتى ما بداخِلِه وهل المكتوبُ فيه عربيَّاً كان أم فارسيَّا ًأو أورديَّاً أم إنكليزيَّاً ؟؟؟ إنَّ هذا الحديث يُثبِت لنا أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام كان لا يقرأ ولا يكتب , ولكنَّه تعلَّم القراءة والكتابة مع نسائِم الوحي الأولى عليه , لذلك شجَّع جبريلُ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام فقرأ جبريلُ وقرأ هو خلفَهُ , كما يردِّد الطالب بعد المعلِّم ولعلَّ في تلك الكلِمات أوَّل الأسرار التي لو لم يكن النَّبي منتبِهاً وقارئاً لكلماتِها لما ظهَرت علينا الآن فقال ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }العلق1) ولنلاحِظ كيف كتبت (باسم) بالألف بينما تُكتَب في القرآن الكريم في آياتٍ أُخَر {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }النمل30 {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }هود41 فكيف كتبت باسم هنا وهناك تكتب بــ (بسم) وكيف أقرَّها النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام وهو كان لا يعرِفُ القراءة والكتابة ؟ يتَّضح مما تقدَّم أنَّ القراءة وأمرَ الله تعالى للنَّبيِّ بالقراءة هي القراءة من الكتابِ , والدَّليل هو قولُ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام (ما أنا بقارئ) لذلك كانت من مهامِّ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام الحفاظُ على الرَّسمِ القرآنيِّ لأنَّ فيه أسراراً عميقةً يمكنُ الرُّجوع إلى بعضِها في الجزء الثَّالث من مقالي المُعَنون ( حفظ القرآن بين الإعجاز والإنكار) لأنَّ موضوعَ إعجازِ الرَّسم القرآنيِّ موضوعٌ واسعٌ وشامِلٌ القرآنُ العظيمُ وهو الكتابُ وأكرِّر الكتابُ السماويُّ الوحيدُ الذي نزَلَ من الله تعالى معنَىً ونصَّا ًورسمَاً , فكيف يَعلَمُ النَّبيُّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام كيف كان يكتُب الصَّحابة رضوانُ الله تعالى عليهم القُرآن الكريمَ , وخاصَّةً أنَّ الرَّسم القرآنيَّ هو رسمٌ توقيفيٌّ لا توفيقيٌّ , أي لا يجوزُ مخالفته أبداً وهذا الرَّسم القرآنيِّ كان يختلفُ عن رسم الكلماتِ العربيَّةِ في ذلك الوقتِ كما سنبيِّن ذلك فيما بعد , إن كان النبيُّ (عليه الصَّلاة والسَّلام) لا يقرأ ولا يكتب ؟ لقد كان الرَّسم القرآنيِّ يُكتَب بإشرافِ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام لذلك كان للنَّبيِّ كتَّابا للوحيِ من الصَّحابة ممن كانوا يُجيدون الكتابة وقد ورَد في كتب الحديثِ ما نصه جاء عن معاوية : قال لي رسول الله (ص) (( ألقِ الدَّواة وحرِّف القلَم وانصُب الباء وفرِّق السِّين ، ولا تعوِّر المِيم ، وحسِّن الله ، ومدَّ الرَّحمن ، وجوِّد الرَّحيم، وضَع قلمَك على أذنِك اليُسرى فإنَّه أذكر لك )) وهذا الحديثُ يدلِّل على إشرافِ النَّبيِّ المباشَر على كتابة القرآن الكريم وحِرصِه حتى على كتابته بخطٍّ واضحٍ وجليٍّ , وهذا الأمرُ يردُ على من ادَّعى بأنَّ في القرآنِ أخطاءً إملائيَّة توارثَها المسلمون بسببِ تقديسِهم لما كان يفعله الصَّحابة ومنهم العلَّامة ( أبن خلدون) ومن الغريبِ أنَّ القائلين بأنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام كان لا يقرأ ولا يكتب , لا يتبِهون إلى أهمِّ شرطٍ وضَعَه سيِّدُنا الصِّديق (رضي الله عنه) للصَّحابي زيد بن ثابت عند جَمعِ القرآن وهو شرطُ وجودِ النَّصِّ في صدورِ الرِّجال وكتابتهِ , وأن يستَشهِد على هذا المكتوبِ من قبل صحابيَّين اثنين , فكان جمعُ القرآن الكريم هو جمعٌ للنُّصوص المرسُومة مُسبَقاً أيضاً . ومن مزايا الرَّسم العثماني المعروفَة لدى أهلِ العلم ( اتِّصال السَّند إلى رسول الله) ولو كان القرآنُ الكريمُ مكتوباً على النَّصِّ القياسيِّ لما احتاج النَّاس إلى إثبات سندِ الرَّسم العُثمانيِّ إلى رسولِ الله عليه الصَّلاة والسَّلام ( محمَّد شملول – إعجاز الرَّسم القرآني)
إنَّ ما هو معلومٌ ومثبَت أنَّ الكتابة بالرَّسم العُثماني مختلفةٌ اختلافاً كبيراً عن الكتابةِ بالطَّريقةِ القياسيَّة المألوفة , وهو ما يتَّضح لنا جليَّاً من خلال الاطِّلاع على رسائِل النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام التي كان يكتبُها لملوكِ العالَمِ يدعوهُم بها إلى الإسلامِ , والتي ما زالَ القسمُ منها محفوظاً في المتاحفِ العالميَّةِ والإسلاميَّةِ ونُسخَت البَعض منها في المخطوطاتِ القديمةِ , حيثُ كانت تُكتَب الكلماتُ المذكورةُ في القرآنِ بالطَّريقة القياسيَّة عندما تُذكَر برسائل النَّبيِّ كمفردٍ (يا أهل الكتاب) فكانت تُكتَب بالرَّسائل على الطَّريقة القياسيَّة بينما ترِدُ في المصاحِف مكتوبةً بالرَّسم العثمانيِّ في القرآنِ الحكيمِ (يأهل الكتاب) وغيرِها من الكلمَات , ومن المعلومِ أنَّ تلك الرَّسائل كان يكتُبُها كتَّابُ الوحي أنفُسُم من الطَّبقة المتعلِّمة من الصَّحابة , لو لاحظنا أيضاً كتابة أسماء السُّور ومن المعلوم أنَّ كتابة أسماء السُّور لم تكن في عهد النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام , لأنَّ القرآن كان ينزلُ عليه تِبَاعاً وليس جُملةً واحِدَة , والتَّرتيب قد أتى للسُّور لاحِقا فهو كان يُعلِّم الصَّحابة أن يضعوا هذه الآية خَلفَ تلك وأنَّ هذه الآية في السُّورة الفلانيَّة وتلك الآية في السُّورة الأخرى , لذلك بعد أن جمَع َ المُسلمون القرآن الكريمَ بين دفَّتي مصحفٍ واحدٍ كتَبُوا أسماءَ السُّور في بدايةِ كلِّ سورةٍ وبما أنَّها لم تكن مكتوبةً من عهدِ النَّبيِّ فقد كتبوها بالطريقة القياسية المعروفة لذلك كتبوا مثلا ( سورة العاديات ) لكن تلك الكلمة في الرسم القرآني تكتب هكذا (العديت) مما يبين أن القرآن الكريم كان يكتب برسم توفيقي وتحت إشراف النبي عليه الصلاة والسلام وليس على الطريقة القياسية المعروفة . ولنرجع القهقري قليلا ونعود لنقرأ الآية التي أثبتت أن النبي كان لا يعرف القراءة والكتابة قبل نزول الكتاب عليه وهي {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }العنكبوت48 ولكن الله تعالى قال عن النبي بعدها أي بعد البعثة أنه كان يتلو عليهم من صحف مطهرة فقال {رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً }البينة2 فلو كان النبي لا يقرأ ولا يعلم الكتابة فكيف كان يقرأ من أُم الكتاب من تلك الصحف المطهرة ! إذا فكان من العلم الالهي المعطى للنبي بنزول القرآن هو القراءة والكتابة وكانت تلك هي معجزاته وهو لم يكن يكتب بيديه أبدا لأن الوحي كان ينزل عليه بثقله الذي لا تطيقه الجبال فيقرأ ما يراه أمامه وكانت المعجزة هنا هو أنه لا ينسى ما قرأه ويبلغه للصحابة بعدها ولكتاب الوحي عندما كان يفرغ الوحي منه فيعيد عليهم ما ذكره ويعلمهم كتابته برسمه ويشرف على تلك الكتابة ان تكون واضحة وجلية ومفهومة . وكان فضل الله تعالى على نبي الرحمة عظيما بأن علمه ما لم يكن يعلم {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }النساء113
|