حدَثني الضابط المتقاعد المرحوم اسعد خليل السامرائي وهو من مواليد 1930 عن والدته قائلا: كانت والدتي رحمها الله (من اهل الله) تجيد فن الطب ولها باع طويل وخبرة في طب الاعشاب او ما يسمى طب العرب وكانوا ابناء الارياف وأبناء مدن العراق يتقاطرون عليها بسبب سمعتها التي لاحت في الافاق وعن خبرتها الطويلة والعميقة في معالجة اصعب الامراض المستعصية حيث لن ولم يأت لها مريض إلا وقد رجع الى اهله شافيا من مرضه معافى في جسده وكنا نسكن مدينة سامراء ولدينا قلعة كبيرة. حيث كانتْ هذه القلعة ثكنة تابعة للجيش العثماني سابقا وقام والدي رحمة الله باستئجارها من الدولة العراقية في ما بعد و قد خصصت لسكن الزوار الذين يتقاطرون على مدينة سامراء لزيارة العتبات المقدسة وكذلك خصص والدي قسما من هذه القلعة في صناعة الفرو من جلود الاغنام حيث كان والدي متعهدا في تجهيز قطعات الجيش العراقي المتواجدة في شمال البلاد بملابس الفرو وهي عبارة عن جلود الاغنام تدبغ وتصنع على شكل عباءة يلتف بها الجنود والرعاة والشخصيات تحاشيا من البرد القارص حيث كان يجلب عمالة من منطقة تلكيف والقوش في شمال الموصل و هؤلاء متفننين بهذه الصناعة. وكان هؤلاء الاعراب يتقاطرون على والدتي وينامون في هذه القلعة وكانت رحمها الله تقوم بهذه الخدمات لوجه الله تعالى ولا تقبل اي اجر او هدية من اي شخص كان يتداوى او يتعالج عندها. وكانت متخصصة في طب العيون ومرض الحكة الناتج من القمل والبراغيث والدمامل وكذلك وجع المفاصل ولديها اساليب متعددة لعلاج هذه الامراض. وفي اربعينات القرن المنصرم وذات صباح توقفت امام دارنا سيارة من نوع فورد جديدة الطراز وكانت في ذلك الوقت اعجوبة بسبب عدم امتلاك الناس السيارة الا بصورة قليلة وفي داخلها رجل ممدد ومطروح على المقعد الخلفي ونزل من السيارة رجل كان يقود السيارة وبعد السلام على اهلي ذكر قصة هذا الرجل فقال هو احد اولاد عائلة الشكرجي. حيث يمتلك الشخص المريض عدة مصانع للحلويات والعديد من المحلات في بغداد وهو شخصية مشهورة في حينها وقد اصيب بمرض الكنكرين (وهي موت الخلايا وتحلل أنسجة الجسم وذلك بسبب العدوى وانسداد الشرايين، وتحدث عادة في أطراف جسم الإنسان) وهو تقيح في ساقه اخذ يسري في لحم الساق وقدمه اصبحت متعفنة ورائحتها تزكم الانوف وقال ايضا ان المريض قد ذهبنا به الى ايران لمعالجته هناك لكن كما ذهبنا كما رجعنا دون جدوى بعدها قصدنا سوريا حيث وصفوا لنا ان طبيبا فرنسيا عالميا يقيم في دمشق ومتخصص بهذه الامراض ولكن دون جدوى ايضا فقد قال الطبيب الفرنسي لا يوجد علاج لهذه الحالات الا بقطع وبتر الساق حتى ينجو المريض من هذا المرض الخبيث.. وما زلنا على هذا الحال الذي لا نحسد عليه حتى ارشدونا اهل العلم والمعرفة الى زيارة لبنان لان الاطباء اللبنانيين هم الوحيدون في الشرق الاوسط متخصصون في مثل تلك الحالات المستعصية حتى توجهنا على الفور قاصدين مستشفيات لبنان المتطورة في ذلك الوقت ولكن دون جدوى الا بقطع وبتر الساق هذا ما اجمع علية جميع الاطباء اللبنانيين... وفي اللحظات الاخير في لبنان حيث قررنا ان نقطع ساقه لينجوا بحياته حتى اتصلوا بنا من بغداد وذكروا لنا بأنه توجد امرأة فاضلة في سامراء العراق تعالج هذه الامراض بكل كفاءة وتجيد معالجة مثل هذه الحالات فقررنا على الفور الرجوع من لبنان ونتجه لكم قاصدين امرأة الصلاح والخير والتقى فقالت والدتي ابشروا ابشروا.... فذهبت والدتي الى السيارة حيث الرجل المريض ممددا في داخلها ورأت ساقه التي اكلها الصديد وتعفن اللحم وأصبح ذا رائحة لا تطاق ومغطاة بطبقة بيضاء من القيح وقالت اذهبوا به فورا الى القلعة حتى اتمكن من صنع الدواء المناسب. فقامت والدتي على الفور بتهيئة شرائح رقيقة من اللحم البقري المخلوط بطبقة من الشحم ووضعت هذه الشرائح على خشبة وبالقرب من حب الماء وبعد ثلاثة ايام تعفنت هذه الشرائح وخرجت منها رائحة غير لطيفة بعدها قامت بوضع الخشبة في مكان خارج البيت حتى تجمع الذباب عليها بصورة كثيفة وافرغ بيضة وقد اصبحت قطعة بيضاء من كثرة بيض الذباب وفي اليوم التالي فقست هذه البيوض الى ديدان صغيرة بيضاء وقامت تلتهم اللحم الفاسد المتعفن حتى ارسلت من يبلغ المريض بضرورة المجيء الى دارنا و فعلا جاؤوا بالمريض وانزلوه من السيارة ووضعوه على فراش قرب الباب حتى جاءت والدتي وكشفت عن ساقه المصابة بداء الكنكرين وكان القيح والفساد قد غطى اكثر من نصف ساقه ثم جاءت بقطع اللحم المملوءة بديدان الذباب ووضعتها على الجروح ومكانات الاصابة ثم لفت ساقه بقطع من القماش النظيف وقالت لهم خذوه واجلبوه غدا مثل هذا الموعد حيث احتفظت والدتي بالنصف الاخر من اللحم المتعفن الذي تعلوه طبقة من ديدان الذباب البيضاء حتى جاء اليوم الثاني وجاؤوا بالمريض وكشفت والدتي عن ساقه فشاهدت ان القسم الاكبر من هذه الاجزاء المتعفنة قد التهمتها الديدان ثم وضعت ما تبقى عندها من شرائح اللحم المملوءة بالديدان على الجروح المتقيئة ثم عادة ولفت ساق الرجل المريض بقطعة قماش نظيفة وقالت ارجعوا به الى القلعة وليبقى على هذا الحال لمدة سبعة ايام. وفي اليوم الثامن جاؤوا بالرجل الى والدتي وقامت بفتح القماش الملفوف وكشفت عن ساقه المصابة فوجدت ان لا اثر للقيح او اللحم الفاسد في ساقه على الاطلاق بل ظهر اللحم الطري النظيف والجديد فحمدت الله كثيرا وقالت لقد نجا هذا الرجل بفضل الله ورعايته وتهللت اسارير الرجل وطار فرحا بعدما سمع كلام والدتي. فذهبت على فورها وجلبت ماء دافئ ووضعت كمية من مادة الشب ثم قامت بغسل ساقه جيدا وقامت بتنشيفها بقطعة من القماش النظيفة ثم هيأت مساحيق موضوعة في عبوات قد هيئتها لوقتها ثم اتت بكل جزء من هذه المساحيق ووضعتها في اناء وقامت بخلطها خلطا جيدا ثم جاءت بقطعة من العجين ((الفطير)) غير المختمر ثم اخذت ترش هذا المسحوق على ساق الرجل حتى غطت جميع الاماكن ثم قامت بلف العجينة بصورة فنية على ساق الرجل ثم لفت العجين بقطعة من القماش ثم امرتهم بإرسال الرجل الى القلعة ليستريح. وفي اليوم الثاني والكلام للمرحوم اسعد خليل السامرائي ابو نمر ان الرجل المصاب جاء الى دارنا صباحا وهو يمشي بدون مساعدة احد ويضحك ويبتسم بعد ان اصابته الكآبة من شدة الالم والمرض وقال لهم الحمد لله اني الان استطيع ان امشي وأتحرك بكل سهولة وقالت والدتي لا تفتح العجينة إلا بعد مرور يومين اذهب رعاك الله لان علاجك قد انتهى والحمد لله... وما كان من الرجل الا ان مد يده واخرج مبلغا محترما من المال فغضبت والدتي جدا وقالت نحن نعمل لوجه الله تعالى وأجرنا على الله... اذهب رعاك الله... فشكرها الرجل على صنيعها وقبلها من رأسها وقبلنا جميعا ودعا لنا ولها بالخير والصلاح.. هذا ما كان يحدث ايام زمان في الطب الشعبي اما في يومنا هذا فقد سيطر الجشع والطمع على عقول الناس و اصبح الطب تجاريا, فقد تخرج الاف الاطباء من كليات الطب المتعددة وكذلك تطور الطب الحديث وقفز قفزات كبيرة اما النوايا الان فقد اصبحت غير سليمة وغير حسنة اما ايام زمان فان الطب كان بدائيا والنوايا كانت حسنة وسليمة والقلوب كلها متجهة الى الله سبحانه وتعالى... هذا ما كان يحدث بالأمس وهذا ما يـــحدث اليوم..
|