قلت في إحدى مقالاتي قبل عام أن داعش العراق لن تهزم بل ستخلع ثيابها وتختفي بين الجموع.

يقاتل العراقيون داعش من سنة ونصف. تحررت جرف الصخر وآمرلي وتكريت وديالى. تحررت الرمادي اليوم أو ثلثاها. لكننا مع ذلك لم نر جثة داعشي واحد رغم أن الأخبار تقول بسقوط ١٠٠٠ داعشي في معركة الرمادي الأخيرة وحدها. لم نرَ أسراهم. كل ما نسمعه فرارهم من مدينة نحو أخرى.


ثمّة لغز ليس له إلّا تفسيران.


إما أنهم يخلعون ثيابهم بالفعل ويختفون بين الجموع أو أن مهرباً آمناً يوفره لهم "القدر" كلما حاصرهم الموت في مدينة ما.

أهناك تفسير ثالث؟

لست خبيراً عسكرياً ، ولا سياسياً يجيد لعبة الكلام. أنا كاتب أحاول فك عقدة هذا السؤال بغية الوصول الى ما بعده. وما بعده ليس منفصلاً عمّا جرى ويجري في العراق منذ التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣.

لقد أعطى الشرخ الطائفي في العراق سقفاً آمناً لداعش. جعلها تتحرك بأريحية في مناطق تواجدها ، فالناس في تلك المناطق صنفان. صنف يمقت داعش ويكرهها. يحاربها بالوسائل المتاحة. صنف آخر يكره "خلافتها" لكنه يعتاش على إنتقامها من المركز أو حتى ينضم لها من باب عدو عدوي صديقي. ربما هناك صنف ثالث ، يحبها ويتطابق معها فكراً وعقيدة ، لكني أعتقده صنفاً صغيراً وهزيلاً ليس له وزن يذكر.


إن كان الصنف الأول "لك" والثالث "عليك" ، فليس من الحكمة خسارة الصنف الثاني. الصنف الذي يجيد خلع الثياب ولبسها كلما إنهزمت داعش أو إنتصرت.


هذه مهمة سياسية ، تقع على بغداد وحدها مسؤولية إنضاجها. ومثلما أدارت بغداد معركة الأنبار العسكرية بنجاح ، عليها المبادرة في إبرام صفقة سياسية جريئة تعيد للمواطن السنّي شعور الإنتماء للوطن بدلاً من الطائفة. صفقة تنظر بملف المعتقلين السنّة وحسم قضاياهم القضائية المعلّقة. تقوية المؤسسة العسكرية على حساب التشكيلات المسلحة الأخرى. المضي في المصالحة الوطنية بوصفها الخيار الوحيد لعدم تكرار سيناريو الجنون الذي شهدناه منذ العاشر من حزيران ٢٠١٤.


بدون هكذا صفقة ، سنبقى نعيش دوامة الحروب وستظل الأصناف السنّية الثلاثة تعيد إنتاج نفسها كلما ظهر عندنا "خليفة".