العصابات المُنظـَّمة وسوء الإدارة للمصارف وراء معوقات الادخار


قلق يومي يرواد أم سيف بسبب وجود مبلغ نقدي يتجاوز 50 مليون دينار عراقي في بيتها وهو حصتها من الإرث الذي حصلت عليه من خلال بيع دار والدها في منطقة المنصور. أم سيف طلبت من ولدها سيف أن يُودع هذا المبلغ في احد المصارف تحسباً من العصابات الإجرامية أو حملة تفتيش لبعض الجهات الأمنية وربما أن يكون السؤال عن أصول هذا المبلغ والدخول في دوامة لا نهاية لها وهذا مُقلق لها ولعائلته. سيف يرفض فكرة الوالدة كون التعامل مع المصارف أصبح أمراً مُقلقاً أيضا. أما يختفي المبلغ ويُعلن المصرف إفلاسه أو عدم وجود سيولة نقدية في وقت الحاجة للمبلغ او يتعرض الشخص الى عملية تسليب من قبل عصابات لها مصادر عديدة في المصرف او ضمن كادر الحماية!

مجالس إدارة متعثرة
الخبير المصرفي عبد العزيز حسون يقول لـ(المدى) إن أحد الأسباب المهمة في عزوف المواطنين عن إيداع المبالغ العائدة لهم هو بسبب سوء أداء بعض المصارف الأمر الذي أدى الى إعلان بعض تلك المصارف عن الإفلاس مما أثـّر بشكل كبير على ودائع المواطنين، مضيفاً: قد حصل هذا بالفعل جراء الإساءة الى القطاع المصرفي بشكل كبير.
وأضاف حسون: الإشكال الآخر هو أداء بعض مجالس الإدارة المتعثرة وغير الكفوءة إذ تسببت بهذه الكوارث في عدد من المصارف العاملة والتي لا تزال تعمل حتى الآن وبالصلاحيات السابقة نفسها في تلك المصارف، مستدركاً: بالرغم من الأزمة المالية التي حصلت لسيولة المودعين.

تخفيض نسبة الودائع
وأشار الخبير المصرفي: أن البنك المركزي يتحمّل جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية اذ كانت هناك تعليمات تلزم إيداع (25%) من الوادع كضمان في البنك المركزي لكن خفضت النسبة الى (10%) وهذه مشكلة كبيرة. موضحاً: أن البنك لم يبادر بمحاسبة المصارف المسؤولة عن هذه الاخفاقات التي تسيء لسمعة القطاع المصرفي العراقي. وتابع حسون: إن ضعف استخدام الصراف الآلي والخلل في الثقافة المصرفية بحيث ان (20%) من الجمهور تحتفظ بفوائضها النقدية في البنوك والباقي يحتفظون فيها في البيوت، لافتاً: الى ضعف ثقافة الادخار لدى عامة الناس، مبيناً: أن ثقة أي مواطن في المصرف تأتي من خلال عمل المصرف نفسه وتعاملاته التجارية وغيرها من الامور المتعلقة بسمعة المصرف لكن الحال الآن مُبهم في مستقبل القطاع المصرفي العراقي بالرغم من محاولات المتخصصين النهوض بهذا الواقع.

الوضع الأمني والأموال الكبيرة
ابراهيم عبد الكريم 34 عاماً يقول لـ( المدى) إن أسباب عزوف المواطن عن الادخار المصرفي بوجه عام هو بسبب التأثيرات الناجمة عن تدهور الوضع الأمني منذ سنوات. مضيفا: ما أثـّر بشكل كبير على عدم وجود رغبة لدى المواطن العراقي للايداع والادخار في المصارف خشية تعرضها الى حوادث السلب والنهب او الاعتداء على حياته!
واسترسل عبد الكريم: لكي لا تعلم عصابات الجريمة بتحركات وموارد الكثير من المواطنين عندما يرتادون المصارف لغرض السحب او الإيداع، مستدركا: بالرغم من ان اضطراب الوضع الأمني يفترض ان يشجع على الادخار المصرفي واستثمار الأموال إلا أن واقع الحال غير ذلك. مبيناً: ان بقاء الأموال الكبيرة داخل البيوت ربما تكون فرصة سهلة لعصابات الجريمة لمداهمتها واستغلال أية مظاهر تدل على وجود كميات كبيرة لدى أية عائلة عراقية، وما يحدث الآن من أعمال سرقات واعتداء على اموال عامة الشعب وحالات تسليب كثيرة اتسع نطاقها هذه الايام يوضح بعض أبعاد تلك الظاهرة الخطيرة!

التسليب في وضح النهـار
في حين يتحدث البعض عن الوضع الأمني الذي يشكل سبباً في عزوف المواطنين تظهر حالة اخرى وهي قيام العديد من العصابات المنظـَّمة بعملية تسليب الزبائن الذين يقومون بعملية سحب الودائع الخاصة بهم.
المواطن محمود لطيف صاحب مكتب البطاقة الذكية يوضح لـ(المدى) أنه تعرّض في الأسبوع الماضي الى عملية تسليب اثناء خروجه من مصرف الاعظمية بعد ان قام بسحب مبالغ تتجاوز الأربعين مليون دينار تعود للمكتب. موضحاً: يبدو لي أن سيارة تابعتني بعد خروجي من المصرف وتمت عملية التسليب قرب نقطة تفتيش عائدة للقوات الأمنية فى المنطقة وفي وضح النهار وأثناء الدوام الرسمي.

تعامل غير حضاري
الخبير المصرفي محمد صالح الشماع بيَّن لـ( المدى ) أن هناك اسباباً كثيرة وعديدة تكون عائقاً امام الادخار للمواطنين ورجال الأعمال منها ضرورة تحسين البيئة المصرفية بالاضافة الى الجرائم التى ترتكب بحق الزبائن اثناء خروجهم من المصارف. مشدداً: هناك عامل آخر مهم وهو الأسلوب غير الحضاري الذي تتعامل به الكوادر المصرفية خصوصاً في القطاع الحكومي من خلال غلق ابواب المصرف امام الزبائن وعملية الانتظار المبكر من قبل المواطنين امام أبواب المصرف وتجمهرهم حتى يأذن المعني بالمصرف بفتح باب المصرف والتي تمتد أحياناً الى اكثر من الساعة الثامنة او التاسعة صباحا هذا الأمر أسهم في هروب الناس من التعامل مع المصارف.

دور البنك المركزي
واشار الشماع الى أن الوضع العام في المصارف العراقية هو الآخر يحتاج الى وقفة جادة من قبل المعنيين والمختصين، داعيا: الى ضرورة تحسين ادارات بعض المصارف بسبب السلبيات التي رافقت عمل العديد من تلك المصارف مما أساء الى سمعة القطاع المصرفي العراقي. لافتاً: الى أهمية أن يلعب البنك المركزي دوراً مهماً وبارزاً في إعادة الثقة للجمهور والتعامل مع المصارف الحكومية والخاصة وهذا ايضاً يأتي ضمن خطوات العمل الجـاد للمصارف الأهلية أيضاً.

تسليب البطاقة الذكية
الحوادث المتكررة لعمليات التسليب لمكاتب البطاقة الذكية ومكاتب الصيرفة التي أصبحت شبه يومية في بغداد والمحافظات واثناء كتابة التحقيق اعلنت وزارة الداخلية عن عملية تسليب احد مكاتب الصيرفة في منطقة الصليخ بعد ان تم سرقة (110) ملايين دينار بالإضافة الى (20) الف دولار، كما سجلت منطقة الكرادة عملية مشابهة!
صاحب مكتب لتقديم خدمات البطاقة الذكية في منطقة الكرادة رفض الكشف عن اسمه اوضح لـ(المدى) أن مكاتب الصيرفة والمكاتب الأخرى المتعاملة في تقديم البطاقة الذكية اصبحت هدفاً للعصابات. مشيرا: الى عملية اتفاق واخبار تتم بين العصابة وبعض الجهات العاملة في المصارف بشأن احد الأشخاص ممن قام بسحب مبلغ مالي كبير. منوِّهاً: ان عملية التسليب تتم في النهار وقرب مفارز او سيطرات أمنية. متسائلا: اذ كانت وزارة الداخلية قد شخّّصت هذه الحالة أم لا ؟ دعيا: المعنيين في وزارة الداخلية الى ضرورة الاهتمام بهذه القضية المهمة.

تورط بعض المنتسبين
نائب رئيس لجنة الأمن في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي يوضح: ان ظاهرة سرقة الرواتب انتشرت مؤخراً في اغلب مناطق شرق القناة وان بعض اجهزة الشرطة متورطون مع الجناة في عمليات السرقة. مشيراً: إلى ان اكثر من (11) الف موظف في دوائر تربية الرصافة في القاطع الشرقي من بغداد ذهبوا ضحية هذه العصابات. داعيا: عمليات بغداد واجهزة مكافحة الاجرام للكشف عن الجناة عبر كاميرات المراقبة.

كاميرات المراقبة
عضو اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة سعد المطلبي قال: ان تزايد حالات السرقة في العاصمة بغداد يعود الى ان اصحاب تلك المكاتب غير قادرين على ادارة اعمالهم من خلال وضع مبالغ طائلة داخل مكاتبهم. مبينا ان عدم وضع الكاميرات بشكل صحيح والآليات لحماية مكاتب الصيرفة أدى إلى سهولة قيام عصابات الجريمة المنظـَّمة بسرقة تلك المبالغ الطائلة.
وشدد المطلبي على ضرورة وضع المبالغ المالية التي تكون بحوزة مكاتب الصيرفة داخل المصارف لعدم تعرضها لعمليات سرقة اخرى. مشيرا الى ان تلك المكاتب تكون بعيدة عن السيطرات الامنية مما يؤدي الى سرقتها بسهولة.
وتابع عضو اللجنة الامنية: من السهولة على عصابات الجريمة المنظمة الاختفاء بين المواطنين ما يؤدي الى عدم تمكن القوات الامنية من القاء القبض عليهم. مؤكدا: ان الاجهزة الامنية والاستخبارية ستتجه بعملية التحقيق في عملية السرقة وفي حال التأكد من عمل الكاميرات سيتم خلال ايام قليلة القاء القبض على العصابة.

القبض على عصابات منظمة
وزارة الداخلية اعلنت، عن اعتقال أبرز المسؤولين عن عصابات السرقة في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد. وقال المتحدث باسم الوزارة العميد سعد معن في بيان إن اللواء الثالث بالشرطة اﻻتحادية وبعد مراقبة مستمرة ومعلومات استخبارية ألقى القبض على احد ابرز المسؤولين عن عصابات السرقة في الكرادة وسط بغداد، كما تم القبض على عصابة قامت بسرقة رواتب موظفي دائرة صحة نينوى في العاصمة بغداد.
وزارة الداخلية تعلن بين الحين والآخر عن القاء القبض على بعض العصابات والجناة منهم عصابة سرقة مبلغ (33) مليون دينار من إحدى المحال التجارية. مشيرة: الى أن مكتب مكافحة المنصور قام بالقبض على احد المطلوبين لقيامه بتزوير وثيقة .

البصرة أكثـر المحافظات
رئاسة محكمة استئناف البصرة اعلنت القبض على عصابة خطيرة للسرقة في المحافظة، لافتة إلى أن المتهمين أقرّوا بسرقتهم رواتب موظفي احدى الشركات الامنية نهاية الشهر الماضي.
وقال رئيس الاستئناف القاضي عادل عبد الرزاق في بيان صحافي صادر عن السلطة القضائية اطلعت عليه (المدى) إن خلية الصقور التابعة لوزارة الداخلية تمكنت بالتنسيق مع محكمة تحقيق البصرة الثالثة من إلقاء القبض على ثمانية متهمين يشكلون إحدى العصابات السرقة المنظمة في المحافظة.
وتابع عبد الرزاق أن المتهمين اعترفوا بسرقة رواتب احدى الشركات الامنية نهاية الشهر الماضي البالغة 940 الف دولار. مؤكدا: ضبط 500 الف دولار بحوزة المتهمين، كما أفاد أن المحكمة أصدرت أوامر قبض بحق 4 آخرين لا يزالون هاربين.