كيف أصبح طبق الرزّ الأحمر اليهودي اسبانيًا




من المعروف أن الصين وبلدان جنوبي شرقي آسيا هي الدول أو الأرض الأم لنبات الرز وزراعته، منذ قرون عديدة قبل الميلاد تمت هجرة الرزّ الى دول آسيا الأخرى تدريجيًا، ومنذ القرون الأولى للميلاد حلّ مادة غذائية في مناطق غرب آسيا ومنها إلى شمال أفريقيا عن طريق التجارة، ثم تمّت زراعته في بعض دولها، وتمّ انتقاله تدريجيًا إلى دول بحر الروم، دول البحر المتوسط الأوربية. 
إن يهود اسبانيا يطلقون "آروز"على مادة "الرزّ" بلغتهم أو لهجتهم المعروفة بالـ "لادينو" وهي العبرية باللكنة الاسبانية إن صحّ التعبير. 
ومنذ دخول اليهود إلى شبه جزيرة ايبريا (اسبانيا) كمهاجرين من بلادهم بلاد اسرائيل (قبل الاسلام)، ثم مع العرب القادمين إليها من شمال أفريقيا ودول شرق البحر المتوسط ، قاموا بتعريف سكانها على "الرزّ" بدءً من القرنين السابع والثامن الميلادي، وسرعان ما أصبحَ طبقًا في المطبخ الأسباني (الأندلسي) تمامًا مثلما في المطبخ اليهودي السفرديم. 
لكن بعدَ أن تمّت المضايقات والاضطهادات على اليهود من قبل الاسبان وتم طردهم من اسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر، فاتّجَه العديد منهم الى اليونان وتركيا وجزيرة رودوس ـ أي إلى الدولة العثمانية ليستوطنوا فيها مهاجرين. 
تزامن طرد اليهود من اسبانيا مع إكتشاف العالم الجديد ـ أميريكا ـ وكان من أوائل من شارك في اكتشاف العالم الجديد ومن أوائل من استوطنوا فيه كما هو معروف، ولا يخفى على أحدٍ هُم جماعات من اليهود، والمعروف عن اليهود مزاولتهم مهنة التجارة، وعن طريق التجارة تمّ تعريف العالم القديم بمنتوجات وبمحاصيل العالم الجديد وبالتحديد أميريكا الجنوبية. ومن بين هذه المواد الجديدة هو منتوج الطماطة. 
يعود الفضل الى الوافدين اليهود الجُدد إلى اليونان والدولة العثمانية في نقلِ مادة الطماطة (الطماطم ـ البندورة) التي لم تكن معروفة لغاية تلك الفترة في المنطقة، حيث دَخَلت الطماطة في تلك الفترة إلى المنطقة عن طريق التجار اليهود الذين بدأوا بالتجارة بين العالم الجديد المكتشف (أميريكا) الموطن الأصلي للطماطة ومنطقة البحر المتوسط. فدخلت الطماطة الى قائمة مواد المائدة والمطبخ اليهودي السفردي في اليونان وجزرها وإلى تركيا العثمانية فيما بعد، وبدأوا بإضافة الطماطة إلى طبق الآروز، مثلما ابتدأوا في زراعتها على نطاقٍ أوليّ ضيّق. 
فبينما كان في "عصرِ ما قبل الطماطة" يتمّ اعداد الآروز بلونه الخام الطبيعي الأبيض Arozo blanco أو باضافة الزعفران إليه الذي يغير لون الآروز الأبيض الى الأصفر، وكان يسمّى بطبق (الآروز على الزعفران) أو آروز السبت، نسبة الى السبت المقدس لدى اليهود ـ حيث كان طبَقًا مهمًا في مائدة السبت والأعياد والمناسبات اليهودية الأخرى. 
بدأ عصر الآروز الأحمر، بواسطة الأمهات اليهوديات ربّات البيوت، اللواتي عُرِفَ عنهنّ حبّهنّ وولعهنّ في فنّ الطبخ وإعداد المأكولات لعائلاتهنّ، وبالخصوص لوجبات يوم السبت اللذيذة، فلم يكتفوا بأكلِ الطماطة بتقديمها طازجة، بل لاحظوا بأنّ لها عصيرًا أحمر يلوّن الأرز حين خلطها معه، فبدأوا بإضافة الطماطة للرز عند طبخه، أوإضافة عصيرها الأحمر إليه، وأصبح طبقًا في وجبات الأيام العادية على مائدة الطعام وفي المناسبات الدينية أيضًا مثل روش هشنا ـ رأس السنة اليهودية وعيد الفصح اليهودي إضافة الى السبت المقدس، مثلما دخل الآروز الأحمر إلى قائمة أطعمة المطبخ اليوناني والتركي بطريقة بطيئة جدًا وتدريجية بواسطة الاحتكاك والاختلاط بين الجماعات ذات الثقافات والتقاليد المختلفة في المجتمع والحيِّ الواحد، مع استمرار الآروز الأبيض أيضًا بشكلٍ كبير لأن كلفة الطماطة كانت عالية في بداياتها، خاصةً أن زراعتها كمادة جديدة اقتصرت على بعض المناطق القليلة في اليونان وايطاليا في باديء الأمر. ولم يتم دخولها إلى قائمة المواد الغذائية والزراعية بشكلٍ واسع في دول منطقة الشرق الأوسط لغاية أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعد الدخول البريطاني الى منطقة الشرق الأوسط كالعراق مثلاً.
وتمّ الاقبال على استيراد عصير (أو معجون) الطماطة المعلّب في صفائح معدنية، وفيما بعد بدأت وانتشرت عملية زراعتها وتمّت ممارسة صناعة عصيرها منزليًا شيئًا فشيئًا لدى شعوب دول البحر المتوسط والعراق وايران.
ومن الطريف ذكره، أنّ من بين اليهود السفرديم الذين تمّ طردهم من اسبانيا وهاجروا إلى أميريكا فيما بعد، منذ اوائل القرن السادس عشر ومابعده، قاموا بنقل طريقة إعداد طبق الآروز الأحمر بعصيرِ الطماطة معهم، لكنّ الغريب في الأمر أنه تمّت تسميته في أميريكا بالرز الاسباني، في حين أنه في الحقيقة، الآروز الأحمر اليهودي السفردي الذي لم يكن معروفًا في قائمة المطبخ الاسباني وقتئذٍ. 
ويعود سببُ تسميته بالأروز ـ الأحمر ـ الاسباني لأن اليهود السفرديم في أميريكا كانوا يسموّن طبق الرز الأحمر بلغتهم المحكيّة اللادينو (العبرية باللكنة الاسبانية) فتمّ الظنّ من قبل الآخرين في أميريكا على أنه طبقًا اسبانيًا فأخذ اسم الرز الاسباني. هذا إنْ لم يكن بسببِ عدم رغبتهم بتسميته بالآروزالأحمر اليهودي أو السفردي لشدة محبتهم لليهود !!! 
ويُذكر بأن اليهود السفرديم تفنّنوا في إعداد الآروز الأحمر بحيث لم يقتصروا فقط على إضافة عصير الطماطة إليه، بل أضافوا إلى الرز في طبخِه القليل من البصل ومن الفلفل الأحمر الحار، وكذلك تفنّنوا في إضافة بعض الخضراوات اليه التي تمنحه نكهة مختلفة ولونًا مختلفًا أيضًا.