أذهلني عدد المحتفلين في بغداد بأعياد رأس السنة حتى كدت لا اصدّقه. العدد بحسب أمانة العاصمة وصل قرابة 4 ملايين محتفل. اظنها أكبر مظاهرة تلقائية للفرح في تاريخ العراق كله. وحتى على صعيد العالم كلّه لا أظن ان شعباً احتفل بهذا العدد الكبير رغم مآسيه وأحزانه وجروحه. أربعة ملايين يتحدّون الخوف والموت والفقر لكي يحتفلوا قطعا يستحقون جائزة نوبل للفرح. أن يصوت للفرح 4 ملايين عراقي وفي بغداد لوحدها، فتلك رسالة للذين زوروا نتائج الانتخابات ليفوز بها دعاة الهم والنكد والكدر. من يختار الفرح قطعا يريد العيش في دولة مدنية لا مكان فيها للظلاميين وأغبياء العصر الذين يظنون ان العراقي خلق فقط ليبكي وليكون مشروعا للموت بذريعة قيم الاستشهاد وما شابهها. عندما يطرق العراقيون باب الفرح في زمن الحزن بهذه الأعداد المليونية فتلك لا يفعلها الا الشعب الحي. وهذه هي الرسالة العراقية الجديدة: صفعة على رأس من ظنّ انه قد نجح في اللعب على العراقيين وضحك عليهم لثماني سنوات سود ليسرق أموالهم وآمالهم باسم المذهب وثارات الحسين. وانها رسالة للمتظاهرين كي يهزموا الفساد والمفسدين بالفرح. لكن عليهم ان يدركوا انه ليس كل فرح فرحا. ففرح المسروقين والمنهوبين والمقتولين والذين بيعت ثلث اراضي بلدهم للإرهاب له لون وطعم مختلفين. انه احتجاج الوعي على التخلف، والنور على الظلام، والصدق على الكذب، والنزاهة على الفساد. في اول صور وصلتني من بغداد لشباب وصبايا يرقصون ويغنون للعام الجديد كانت تلوح لي تحت اقدامهم الفرحة رؤوس تسحق. كان أحدهم يقفز كما الطير في الهواء فتخيلته يبني جسرا تحت قدميه ليعبر به على همومه التي ابتلاها به حاكم أرعن وآخر جاهل أهوج. وقد تكون المشاركة في أغلب المناسبات الدينية وغير الدينية عرضة للنفاق والمتاجرة، لكن الفرح لا مجال للرياء فيه. والدليل؟ أنك ما دامت تفرح فلم ولن تجد وجها من تلك الوجوه التي سلطها عليك الزمن الغبي ستشاركك الفرحة او تحاول سرقة مظاهراتك. تسلحوا بالفرح لتنتصروا على الإرهاب وعلى الذي جاء لكم به.
|