تكملة لمقالاتنا السابقة في نفس العنوان نتناول المحور السادس في الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهو:
المحامي المنتدب:
هل يجوز ان يكون رجال القضاء الواقف تحت الطلب والحاجة؟
هناك مجموعة من المحامين المنتدبين ينتهكون أصول وقواعد مهنة المحاماة من خلال الإجهاز والانقضاض على حقوق موكليهم والإخلال بالتزامهم بمعايير السلوك المهني حيث يقومون بتوقيع إفادات لمتهمين بدون حضور الاستجواب، وهذه الافادات تأخذ شكليتها القانونية من خلال هذه التواقيع.
ان الكثير من المحامين المنتدبين، لا يمتلكون أصلا في الميدان الجزائي الخبرة القانونية والقدرة على مناقشة الدليل وتفنيد الوقائع المطروحة بالدعوى وإنما واجبه فقط متابعة الدعوى وتحريكها بدون خبرة قانونية تؤهله لتدقيق وتمحيص أسانيد وحجج كل مرحلة لحين الوصول لإحالتها إلى محكمة الموضوع، وبانتفاء هذه الخبرة تكون الدعوى التي يوقعون إفادات المتهمين فيها بدون حضور استجواب المتهم، قد ساهموا مساهمة منتجة في تهيئة وترتيب أوراق الدعوى بموجب إرادة ضباط ومحققين السلطة التنفيذية أو القضائية واسهموا في غلق أي منفذ حقوقي أو مخرج قانوني قد يقوي من مركز المتهم وغلقوا سبل تحقيق البراءة له وعقدوا العزم لأدانته.
أكثر المحامين المنتدبين في المحاكم الجزائية يكون دوره شكلياً ويتمثل فقط في:
1- التوقيع على افادة المعتقل دون المناقشة أو قراءة الدعوى وتدقيقها وتمحيصها ويصبح شغله الشاغل تدوين المعلومات عن المعتقل (اسمه، المادة القانونية، جهة الاعتقال) لجهة صرف أجور الانتداب وإضافة رقم إلى عدد انتداباته، أما المحامين المنتدبين على محاكم الجنايات يتمثل دورهم بمعرفة اسم المتهم والتهمة المسندة إليه وجزء بسيط من حيثيات الدعوى ومن على منصة الدفاع فقط، وهم لا يفكرون بقراءة أوراق الدعوى قبل الترافع فيها ولا يعرفون ما فيها من وقائع وشهادات، وتكون نتيجة ذلك لائحة هزيلة روتينية شكلية مآلها إضفاء الشرعية على المرافعة فقط أما حقوق المتهم فهي ضحية لهذه الآلية 0
2- غالبية المحامين المنتدبين يتنصل عن موضوع تميز الأحكام لموكله ويتناسى ما أوجبته عليه المهنة من استنفاذ طرق الطعن تحت عنوان انه(محامي منتدب) وليس محامي وكيل أصيل، وهّذه مغالطة كبيرة وفهم معوج للقانون؛ حيث أن واجب المحامي المنتدب لا يختلف عن المحامي الأصيل، والموضوع الأكثر إيلاما ً أن أهل المعتقل؛ بسبب تنصل المحامي المنتدب عن ممارسة تمييز الحكم، يقومون بمراجعة محامي أخر لغرض كتابة لائحة تمييزية بعد إصدار الحكم بحق معتقلهم، ولدى قيام المحامي المطلوب توكله بكتابة لائحته التمييزية ومروره على المحامي المنتدب لغرض التوقيع عليها كون تنظيم وكالة له أمر فيه صعوبات(خاصة إذا كان موقوفا لدى الأجهزة الامنية)، وهناك فترة للطعن خوفاً من ضياعها، فيصبح المحامي المطلوب توكيله ضحية لمساومات عنوانها مبلغ من المال يطلبه المحامي المنتدب، وقد حدثت مشاكل عديدة في هذا المجال عندما كنت رئيس غرفة المحامين في المحكمة الجنائية المركزية، وتم إطفاء كثير منها وتحديدها، حفاظاً على هيبة المحكمة وكرامة المهنة0
3- بعض المحامين المنتدبين يقومون باستغلال انتدابهم في بعض الدعاوى الإرهابية الخطرة باعتبار التحقيق غالبا ما يكون سري وبسبب اطلاعهم على بعض الأوراق التحقيقية وما نتج عن استجواب المتهم؛ يقومون ببيع المعلومات عن الوقائع والأدلة المبسوطة في الدعوى إلى المحامي الذي يروم التوكل عنهم، وهذه الظاهرة تنافي أصول المهنة والأخلاق والقانون 0
4- بعض المحامين يقومون بممارسة عملهم بالانتداب باقتناص الفرص لغرض الدخول إلى الانتداب متجاوزين فيه وبتعمد على حق لزميل أو زميلة، ومنهم من يقوم بالتجمهر إمام باب غرف القضاة وقد وصل الأمر في احدى المرات إلى إنزال المحامي المنتدب من على منصة الدفاع وإمام الهيئة الجنائية ومن محامي منتدب أخر تحت ذريعة دوره وليس دور المحامي الصاعد على المنصة؛ مما حدا برئيس المحكمة الإرسال بطلبي وأبلغني بأن (الألم يعتصره من هكذا تصرفات تصدر من محامين كبار).
5- هناك بعض المحامين المنتدبين يتواجدون لدى بعض الأجهزة الأمنية يمارسون عملهم بالانتداب حتى ليلا وكأنهم مقاولين، وكثير منهم يوقع على إفادات لمتهمين تم اخذ افاداتهم بدون حضور أي محامي في مقرات بعض الأجهزة الأمنية وأكثر هؤلاء المتهمين قد اخذت اعترافاتهم بالإكراه، وبعضهم يتم انتدابه لأكثر من عشرة متهمين وهذا مخالف للقانون.
6- يمر المحامي المنتدب بعدة صعوبات ومعوقات لغرض الاستحصال على أتعابه من الانتداب في محاكم التحقيق والجنايات فهو مطالب بمعرفة مصير الدعوى التي لا يعلم من أين يحصل عليها وذلك لمرور الدعوى بمراحل عديدة وقد يتم نقلها لجهة تحقيقية او محكمة أخرى.
وبحدود ما سبق وصفه، ولأجل تنظيم عمل المحامي المنتدب، الذي اصبح في ظل تلك الممارسات صفحة سوداء في تاريخ وهيبة ووقار مهنة المحاماة، لذا من الموجبات ادراج نص في مشروع قانون المحاماة الجديد ينظم عمل المحامي المنتدب يتم فيه مراعاة ما يلي:
الف-التأكيد على ان المحامي المنتدب عليه واجبات كما هي واجبات المحامي الأصيل، بان يدافع عن موكله بكل نزاهة وشرف وامانة.
باء-التأكيد على المحامي المنتدب بأن حق الدفاع مقدس ويجب تفعيل ذلك بحضوره استجواب المتهم ومراعاة حقوقه ورعاية شؤونه القانونية من خلال قراءة الأوراق وتقديم الطلبات وسلامة المتهم من أي اكراه، ورفض الانتداب الشكلي لما يسببه من سحق لحقوق المتهم وقراءة الفاتحة على حق الدفاع والمهنة.
جيم-التأكيد على المحامي المنتدب باستنفاذ طرق الطعن وعدم المساومة على مبالغ من المال لأجل التوقيع على اللوائح التمييزية التي تقدم من المحامي المطلوب توكيله، ولا يجوز له اخذ مبالغ تزيد على ما قررته له الدولة وإعلاء التعامل المهني الإنساني على التعامل المادي غير قانوني 0
دال-التأكيد على المحامي المنتدب بممارسة الانتداب بصورة قانونية، وإفهامه بأن استعمال الحق لا يصطبغ بصفة التعدي وخرق قواعد السلوك المهني، وبدون أحاطته بالتجاوز على حق محامي آخر والالتزام بتوجيهات منتدب الغرفة لعكس صورة صافية وحقيقية للقضاء الواقف.
هاء-إضافة نص يلزم مجلس القضاء الأعلى بتسديد اتعاب الانتداب بمجرد حضور المحامي المنتدب وانتهاء دوره سواء في التحقيق او المحاكمة، وبدون انتظار ظهور نتيجة التمييز، والتي قد تستغرق سنة والمحامي في الانتظار مع كثرة المراجعة، يرافق هذه الإشكال انه قد تعاد المحاكمة بالدعوى (نقض) وينتدب محامي أخر فتضيع أتعاب المحامي المنتدب الأول وهذا تحصيل حاصل، هذه المعوقات جعلت من استحصال المحامي على أجور الانتداب صعبة، مما يجعل الانتداب من بعض المحامين لأعداد كثيرة وسيلة للتعويض عن فقدان اتعاب انتدابات قديمة.
واو-التأكيد على نص المادة 123 من قانون الأصول الجزائية النافذ في مشروع قانون المحاماة الجديد، بصدد عدم جواز أجراء التحقيق مع أي متهم إلا بحضور المحامي.
أن بقاء المحامي في إطار الحق واستهداف تحقيق العدالة دون مغالطة أو طمس للحقائق، يفسح المجال لتضمين تقاليد المهنة والتزاماتها الأخلاقية في القواعد التي تحكم تلك المهنة والتي استقرت في ضميرها
وأعلى هذه الأعمال والأفعال إخلاص النية والجد والاجتهاد في إصابة الصواب، ونأنس من أنفسنا قدرة النقابة على مراعاة ما ذكرناه من اضاءات وإيجاد منافذ حقوقية فعالة لها في مشروع قانون المحاماة الجديد، ونرى انها مأطرة بضوابط القانون.