في الوقت الذي انشغلت فيه دكاكين الكيانات العراقية بمهاترات السيرك السياسي، وفي الوقت الذي صامت فيه كبريات الفضائيات العربية عن فضح الممارسات الإجرامية، التي انفردت بها التنظيمات المدعومة من الأقطار البترولية المتآمرة على العرب، وفي الوقت الذي انحازت فيه الصحافة الصفراء لأصحاب المواقف السوداء، وفي الوقت الذي امتنع فيه بعض علماء الأزهر الشريف عن الدفاع عن شرف العربيات المسيحيات والأيزيديات والقبطيات والعلويات اللواتي تعرضن للسبي والاغتصاب على يد التنظيمات الظلامية المنحرفة، دلالة ذلك إنهم لم يُكفِّروا الدواعش، ولم يخرجونهم من الملة، ولم ينتقدوا أفعالهم الخسيسة. ظهرت العراقية (نادية مراد) من رماد التفجيرات التكفيرية المعلنة ضد الشعوب والأمم، لتفضح غلاة المجرمين، وتبصق بوجه عصابات القتل والتشريد.
ترددت أصداء نداءات النادية في أروقة الأزهر لتكشف لهم عن بشاعة المجازر العرقية والطائفية، فكانت صدمة لأصحاب الجباه المكوية، من الذين آثروا الصمت المطبق أمام المشاهد التكفيرية الدامية. تحدثت مع الرئيس (السيسي) في مكتبه، وتحدثت مع البابا في صومعته، ورفعت عقيرتها بالعويل والصراخ في القاعات الدراسية لأرقى الجامعات العربية والأجنبية، والتقت العديد من الرؤساء والأمراء والزعماء، لتبين لهم مآسي المسيحيين والأيزيديين في شمال العراق، وتشرح لهم تفاصيل رحلة السبي الداعشي بين الجبال الشاهقة والوديان الوعرة، ثم أطلقت صرختها المدوية تحت قبة مجلس الأمن لتهزم التحالفات الدولية الملتفة حول دوائر السوء، فحزنت لحزنها الفضائيات الغربية، وبكتها المنظمات الإنسانية العالمية. لكننا لم نسمع بردود أفعال المنظمات العراقية، ولم نشاهدها على الفضائيات العراقية.
وقفت نادية تنادي وحدها فاعتكفت حكومتنا في وادي الذئاب، وكأنها لا علم لها بما ارتكبه الزناة في (كوجو)، ولا تريد التركيز على فاجعة (سبايكر)، وربما لا ترغب بتذكيرنا بفواجع السبي الداعشي التكفيري.
ما يلفت النظر، ويثير الانتباه إن مؤسساتنا الرسمية لم تكن أبداً بمستوى الحدث، ولم ترتق إلى المستوى الذي ارتقت إليه (نادية) بنداءاتها الإنسانية ، التي ترددت أصداءها في أرجاء الكون كله.
طالبتهم (نادية) بالتمسك بدين الرحمة. دين الإنسانية، دين التعايش السلمي بين الشعوب والأمم، على اختلاف مذاهبها وطوائفها، فخجل منها الذين يخجلون من أصحاب النفوس الخيرة، ولم يعبأ بها الغارقون في ممارسة الرذيلة، من الضالعين في توسيع صناعة الموت والدمار. ولم يكترث لها المنشغلون بتعميق بؤر الكراهية في المدن العربية القلقة. ولله در (عمر بن معد يكرب الزبيدي) عندما قال:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرمادِ
|