البطالة ومستقبل الشباب

 

تعد ظاهرة البطالة بين الشباب العراقيين اخطر ما يمكن أن يواجهه المجتمع العراقي من تداعيات اخرى حيث أن تعطيل هذه الفئة، الأكثر نشاطا من الفئات العمرية الأخرى عن المساهمة بعملية البناء. كما ان بقاء هذه الفئة عاطلة عن العمل قد يدفع بها إلى القيام بأعمال مخالفة للقانون .ولاسيما في ظل ظروف مثل العراق الذي عانى من الأعمال المسلحة طيلة السنوات الماضية ، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى ان البطالة لفئة الشباب ضمن الفئة العمرية (15-24) سنة قد شكلت العام 2006 نسبة كبيرة بلغت نحو 50.5 بالمئة من إجمالي العاطلين عن العمل . أي أن أكثر من نصف العاطلين هم من فئة الشباب الذين يمثلون نحو 28-30 بالمئة من إجمالي نسبة العمل ، لذلك تعد ظاهرة البطالة من اخطر المشكلات التي تهدد المجتمعات المعاصرة عموما وتشكل احدى أهم التحديات الراهنة والمستقبلية التي نواجهها، وقد ازدادت نسبة البطالة بصورة مدهشة في العراق ولم تنفع كل المساعي للحد من هذه الظاهرة وتأثيراتها المدمرة لفئات واسعة من أبناء المجتمع وعلى الأخص الشباب منهم مما أدى إلى استشرائها إلى حد لم يعد بالإمكان تحمله أو السكوت عليه.

 

بمعنى اخر إن ظاهرة البطالة تعني العجز عن إيجاد فرص عمل مناسبة للحصول على مستوى معيشي لائق ، فلكل شخص الحق في العمل وحرية اختياره كما إن له حق الحماية من البطالة، فالعمل ليس لغرض زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته فقط بل هو حق من حقوق الإنسان و تلبية لحاجة من حاجاته الأساسية ، وفي ضوء التحولات والتغييرات الجديدة في العراق والتي تستدعي جهودا استثنائية للعمل من اجل الرقي الاقتصادي والاجتماعي، فمن خلال انعكاسات حوادث الماضي والرؤيةالمستقبلية للظاهرة فالبطالة هي سياسة إفقار، إذ لم يعد خافيا على احد أضرار هذه الآفة وعلى امتداد السنوات الماضية كثيرا ما تحدثت الجهات الرسمية والمنظمات عن هذه المعضلة وحاول العدد من الباحثين والمختصين في تشخيص وتفسير البطالة بهدف التحكم أو السيطرة عليها وما زال الامر قائماً دون حلول تذكر !!

 

فشيوع البطالة وشح فرص العمل مقارنة بنسبة الراغبين بالعمل، وتفاقم البطالة يوماً بعديوم، سيكون لها آثار وانعكاسات اجتماعية واقتصادية وسياسية سلبية، ودون أدنى شك تشكل هذه الآثار خطرا على المجتمع عند ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل وتركهم دون مصدر رزق وما يترتب على هذه الآثار من انعكاسات اجتماعية وأخلاقية واقتصادية وسياسية، فاجتماعيا تؤدي إلى سوء العلاقات الاجتماعية، أخلاقياً الانحراف والجريمة والعنف، واقتصاديا الفقر وما يترتب عليه من سوء الرعاية الصحيةوانخفاض المستوى التعليمي وبالتالي انخفاض مستوى الإنتاجية، وسياسيا ما يترتب عليها من تهديدات وتوترات على النظام السياسي القائم، وهذه الأبعاد متفاعلة فيما بينها فالبطالة تؤدي إلى الفقر وهو بدوره يؤدي إلى الصراعات الاجتماعية وارتفاع نسب الجريمة والعنف وبالتالي فان هذه الأبعاد تؤدي إلى عدم استقرار الدولة. فمن تداعيات الاحتلال وغياب القانون ودخول البلد في حالة من الفوضى وانعدام الأمن وتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة، وكثرة الجرائم، إذ غالبا ما ترتفع نسبة البطالة أوقات الحروب والأزمات مما تشكل خطرا على المجتمع لان ذلك يمكن أن يؤدي ببعض العاطلين إلى الانحراف ومزاولة أعمال غير شرعية وفي هذه الحالة يجب أن توضع الحلول والمعالجات المناسبة لها ،وانعدم وجود معالجة حقيقة وملموسة لتشغيل العاطلين وإنقاذهم من ضنك العيش وخلق مصدر مستقر للرزق لهم،  إلا إن ذلك لم يأت بمعالجات سريعة وملموسة في تطويق البطالة، حتى وصل الحال إلى أزمة بطالة تخيم على المجتمع العراقي بأسره، والسؤال الذي تمليه هذه الظاهرة يتعلق بالأسباب الحقيقية والانعكاسات الكامنة وراءها والى ماستؤديه هذه الظاهرة !!  ومن خلال ما تم عرضه لحركة التشغيل في الاقتصاد العراقي أثناء سنوات السبعينيات والثمانينيات، يتضح بان الاقتصاد العراقي لم يكن يعاني من بطالة حقيقية، حيث لم تتعد نسبة البطالة عن 3.7 بالمئة من إجمالي نسبة العمل 15 فأكثر ، إلا أن بسبب ظروف الحصار وتداعياته على مجمل النشاط الاقتصادي  فقد ارتفعت نسبة البطالة إلى 13.5 بالمئة في العام 1997.وكانت النسبة الاكبر بين الذكور التي وصلت الى 15 بالمئة  في حين لم تتعد بين الإناث عن 6 بالمئة خلال السنة المذكورة.

 

إلا أن الوضع تفاقم بعد العام 2003  لتزيد تداعيات التغيير من مشكلة البطالة لتصبح ظاهرة خطرة تهدد المجتمع العراقي في معظم شرائحه العمرية والطبقية والمهنية. حيث طالت البطالة ليس فقط الفئات ذات التعليم المحدود وإنما شريحة واسعة شملت خريجي الجامعات والدراسات العليا ، ويعود السبب في ذلك الى شل حركة النشاط الاقتصادي الوطني نتيجة لما دمرته الحرب للبنى التحتية ، وما تبعها من أعمال تخريب ونهب لجميع الممتلكات العامة الأمر الذي أدى إلى تدهور في القطاعات الاقتصادية ، وفي مقدمتها قطاعي النفط والصناعة ، حيث توقفت معظم المشروعات الصناعية التي تمتلكها الدولة والبالغة نحو 192 شركة عامة كبيرة واكثر .وانخفاض كبير في القدرات الإنتاجية النفطية نتيجة لتهالك المنشآت النفطية وحاجتها إلى التطوير والإصلاح. إضافة إلى ما تتعرض له من عمليات تخريبية كبيرة ومستمرة الأمر الذي جعل من مواصلة النشاط الاقتصادي يواجه صعوبات كبيرة لا سيما النشاط الإنتاجي منه.

 

فهذه الفوضى الاقتصادية العارمة وغياب التخطيط الحقيقي والعشوائية كلها اسباب عمقت الخلل في هيكلية الاقتصاد العراقي شلت نشاطه ، حيث لم يستطع أن يحافظ على القوى العاملة فيه ، فكيف يمكنه خلق فرص عمل أضافية للشرائح الجديدة الداخلة إلى العمل ومما زاد من تفاقم ظاهرة البطالة وحلت عدد كبير من المؤسسات العامة التي كانت مصدر رزق لعدد كبير من افراد المجتمع العراقي واخص بالذكر الشاب العراقي الذي لايستطيع رسم مستقبله ابدا في ظل هذه الاوضاع السيئة والتي لايمكن ان تتحسن مالم تكن هنالك نهضة على مستوى المؤسسة الحكومية من حيث رفع الواقع وتحسين التخطيط.