عندما يكون التعصب الطائفي خصم عنيد ضد مصلحة الدولة (اعدام نمر النمر نموذجا لذلك)

بداية أنى ضد اعدام او اعتقال أي عالم ديني اسلامي، سواء كان شيعيا او سنيا، واني فقط اتناول الموضوع من ناحية قانونية ماطرة بإطار دبلوماسي، ولا اريد ان نضيع بين ولي أمر المسلمين الإيراني وخادم الحرمين السعودي ويضيع معنا شعبنا بسنتهم وشيعتهم، وأقول:
تصريحات الدولة العراقية بصدد اعدام نمر النمر، هل تتسق مع الدستور والأعراف الدبلوماسية؟
 إن العراق جزء من العالم الإسلامي والعربي ومبدأ حسن الجوار بين الدول، وإقامة العلاقات الدولية على أساس المصالح المشتركة والحفاظ على مبادئ الأمن والسلم الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مبادئ اقرها الدستور العراقي النافذ.
كانت موجة التصريحات عالية لإعدام عالم الدين السعودي نمر النمر، التي تنوعت بين استنكار وشجب واسف، منها ما كان حكومية ومنها برلمانية وأخرى سياسية ودينية، ، وتحولت من طقس احتجاجي في محافظة الى طقس اجرامي في محافظات أخرى (تفجيرات لجوامع واعمال قتل لأبرياء) وكأن المرحوم الشيخ النمر عراقي وليس سعوديا ومن أعدمه عراقيين.
لا تجعلوا من دولة العراق دولة مليشيات ومحاور:
من ملاحظة التصريحات والبيانات التي أطلقتها قيادات حكومية ودينية وبرلمانية وسياسية ونقابية وحقوقية، والتي بلغت حوالي خمسين تصريح، وما رافقها من منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي، وما كتب من مقالات عديدة بصدد اعدام نمر النمر، نجد بعضها تندرج تحت نصوص قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 النافذ لأنها تحرض وتؤجج الكراهية وتدفع الى خلق أجواء للعنف والفتنة، وقسم منها قد يكون فيها مُطلق التصريحات شريك فعلي بالجريمة، وكانت غالبيتها، بعيدة عن معالجة الموضوع ضمن الاطر الموضوعية المهنية وقريبة من التحزب الطائفي، بل كثير منها،  كانت كما لو أنها حقائق منزلة لا يطالها الشك أو وقائع دامغة لا ترقى إليها الريبة، ولم اقرا تصريح او منشور او مقال يستنبط او يستنتج او يبحث في اوليات القضية ومضامين الاتهامات والأدلة المتحصلة والوقائع المبسوطة، منها الاعترافات وجلسات المحاكمة، وهل هناك ثغرات قانونية او هناك انتفاء لأركان المحاكمة العادلة ؟
 ان الإعدام ليس هناك شك بان فيه مادي ملموس والآخر مخفي محسوس.
ان الشيخ المرحوم نمر النمر قطعا مواطن سعودي، وما تم الاطلاع عليه من بنود الاتهامات الموجهة اليه وما اطلعنا عليه من مقاطع فديوية يجعلنا نصل قريبا الى ما وصل اليه المرجع اليعقوبي حينما قال (ان نمر النمر يعلم بانه شهيد)، فهو كان يواجه الدولة ويعمل على اسقاط السلطة الحاكمة ونظام الحكم جهارا نهارا، وهذه خطوط حمراء من تجاوزها يتعرض الى الاغتيال سواء بالقانون او خارج القانون، خصوصا في بلداننا، وهو مواطن يحمل الجنسية السعودية ويعرف ذلك جيدا، واي دولة من الدول العربية والإسلامية تتصرف نفس التصرف الذي تصرفته السعودية مع أي معارض؛ لان الكرسي مغري والمحافظة عليه بكل الطرق غير المشروعة يعتبره سياسي هذه الدول حق مشروع، والشواهد بخاصة في العراق عديدة ومعروفة.
ومن تدقيق تصريح السيد رئيس الوزراء بصدد حادثة الإعدام، قال(تلقينا بأسف بالغ وصدمة شديدة نبأ تنفيذ حكم الاعدام بالشيخ نمر النمر من قبل السلطات السعودية، إن التعبير عن الرأي والمعارضة السلمية هما حقان أساسيان من حقوق الإنسان تكفلهما الشرائع السماوية والقوانين الدولية وان انتهاكهما يؤدي الى تداعيات على الأمن والاستقرار والنسيج الاجتماعي لشعوب المنطقة.. )، نجده، قد جانب الصواب الدبلوماسي وتم تجميله بتغيير العناوين، لكنه لم يستطيع ان يجابه إعصار الحقيقة ولم ينجيه من الصبغة الطائفية، وكان التصريح قد تعيب بالقصور الموجب، كونه رئيس وزراء العراق، والذي جرى ويجري في العراق خلاف ما قاله رئيس الوزراء وليس ببعيد، ما جرى من ضرب المتظاهرين في الحويجة والفلوجة والبصرة والموصل وبابل والناصرية والنجف بالرصاص الحي، فاين كانت هذه الحقوق يا سيادة رئيس الوزراء حتى نقوم باستخدامها مع معارض سعودي لا علاقة له بالعراق، ونعرض علاقاتنا بدولة جارة بسبب ذلك؛ أليس من الصواب أن تحرص الدولة على مواطنيها قبل غيرهم ؟ هل العراقيين الذين عبروا عن معاضتهم لحكم الإعدام؛ أحرص على حياة الشيخ نمر النمر من السعودية؟ وما هو سبب هذا الحرص غير المنتج والإصرار على إعطاء الموضوع صبغة طائفية؟ والاسؤ من هذا التصريح، بيان من وزارة الخارجية العراقية المؤسف والمخالف للدستور العراقي النافذ ولا ينسجم والأعراف الدبلوماسية ويحمل منطويات طائفية واضحة، حيث صرح المتحدث الرسمي باسم الوزارة احمد جمال في 03/01/2016، ان "الخارجية العراقية تعرب عن استنكارها وشجبها لتنفيذ حكم الاعدام الجائر بحق العالم الشيخ نمر باقر النمر ... ونستنكر هذا الفعل نؤكد ان تهمة الارهاب التي أعدم بسببها كان لا بد ان توجه للعناصر الارهابية المجرمة من عصابات داعش وغيرها، لا إلى المعارضين بالرأي والكلمة .. والقيام بإعدام رجل دين معارض ومسالم وغض الطرف عن العديد من رجال الدين الذين يصدرون العشرات من فتاوى التكفير والقتل والموت ... هو تمييز طائفي واضح..."
ومن يسمع تصريحات الشيخ النمر، نجدها بعيدة عن وصف المسالم نهائيا، وهو يعلم قطعا انه بسببها سوف يتعرض للملاحقات القانونية، وهل تسمح السلطة في العراق للسعودية أن تندد بإصدار احكام قضائية بحق شيوخ او علماء دين عراقيين؟ عندها، تعتبر الخارجية العراقية ذلك، تدخلا في شؤون العراق الداخلية وانتهاكا للسيادة، وإساءة لعلاقات حسن الجوار، وكما حدث مع سياسيين اعتلوا مناصب سيادية.
الا يعتبر هذا التصريح وغيره مخالفة للدستور في نص المادة 8 من الدستور النافذ والتي نصت على(يرعى العراق مبادئ حسن الجوار .. ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل ويحترم التزاماته الدولية) فهذه التصريحات والبيانات لا اساس دستوري يؤيدها ولا قاعدة قانونية تعاضدها، ولا يجعلنا وسيط مؤهل للوساطة بين ايران والسعودية كما صرح السيد وزير الخارجية الجعفري خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الايراني في طهران في 6/1/2016، (إن حكومة بلاده قررت التحرك لحل الازمة الحالية بين السعودية وايران لما تتمتع به بعلاقات جيدة مع الطرفين، وانها لا يمكن ان تقف دون حراك لإنهاء هذا التوتر الذي يمكن ان يجر المنطقة الى كوارث....واشاد الجعفري بما اسماها الحكمة العالية التي تمتع بها المسؤولون الايرانيون في التعامل مع الازمة الحالية.) وتصريح السيد وزير الخارجية لا ينسجم وبيان وزارته السابق جملة وتفصيلا، ويعارضه نهائيا، واية حكمة هذه التي يتحلى بها القادة في ايران من جراء سياسة تدخليه في شؤون الدول واولها العراق؟ واية سياسة هذه التي تسمح بها ايران لبعض الخارجين عن القانون بحرق سفارات لدول اجنبية في سابقة تعد في القانون الدولي جريمة كبرى؟ مما جعل مجلس الامن يدين حادثة الاعتداء على سفارة السعودية حتى بدون الإشارة الى اعدام الشيخ النمر، واية سياسة هذه التي تجعل المرشد الأعلى بنفسه يتدخل صراحة في اعدام مواطن سعودي وهو رمز للشعب الإيراني؟ ويتسبب ذلك بقطع علاقات دولته بثلاث دول ويلحقها قطع التبادل التجاري وحركة الطائرات؟ هل هذه تدلل على سياسة حكيمة يا معالي وزير الخارجية؟ واية وساطة يريد العراق ان يقوم بها وهو أساسا طرف غير حيادي ويعمل تحت عناوين المغالبة بالالتفاف على الحقائق والمداهنة في التعبير عن المواقف، ونحن أصلا متهمين بإيواء مجاميع مسلحة ومليشيات تعمل على تهديد امن الدول المجاورة؟ أي وساطة هذه التي نريد ان نقوم بها ونحن محسوبين على محور ايران وهو أساسا خصم عنيد للسعودية ؟ واية وساطة نقوم بها ونحن تدخلنا في شؤونهم الداخلية وفي عصب حساس(السلطة القضائية) واتهمناهم بانهم يمارسون التمييز الطائفي؟ اية وساطة التي نقوم بها ونحن لحد الان لم نشجب ونستنكر حادثة حرق السفارة والقنصلية السعودية، بل ونزيد الطين بله، ونطالب وعلى لسان قيادات حكومية عليا بإعدام مواطنين سعوديين وغلق السفارة السعودية بعد 24 عاماً من إغلاقها ومباشرة سفيرها، وكان موقف العراق سابقا بصدد الحكم على المعارض البحريني(علي سلمان) قد سخن الأجواء مع الدول الخليجية برمتها حتى وصلت الى تسليم العراق مذكرة احتجاجية من مجلس التعاون الخليجي في 22/6/2015، وصرح في حينها وزير الخارجية البحريني في 21/6/2015 ((...على العراق ان يضع حلول واقعية لازمته المزمنة، وذلك بتجنب الطائفية وبإدماج جميع مكونات شعبه في العملية السياسية وإعطاؤهم حقوقهم كاملة)).
فأية وساطة تلك التي يريد ان يمارسها العراق في تلك المعطيات والمظاهر؟  
ان علاقاتنا مع الدول العربية وتركيا في اسؤا حالاتها وإذا استمرت نفس السياسات سنكون في وضع اسؤا مما كنا في عهد حكومة السيد المالكي؛ وسير علاقاتنا وتحالفاتنا يعطي مؤشرات سلبية للدول العربية؛ باننا محسوبين على جهة ما برحت تقلق الدول العربية، وتوسع مساحات عدم الثقة بيننا وبينهم وبطريقة تضعف دولة العراق، ان تلك المواقف ليست ببعيدة عن ما حصل مع الشيخ المصري حسن شحاتة والنيجيري يعقوب الزكزكي والمعارض البحريني علي سلمان، حيث أبدت وزارة الخارجية العراقية في حينها في20 /حزيران/2015 قلقها إزاء الحكم الصادر بسجن المعارض البحريني علي سلمان.
 اننا لسنا بصدد الدفاع عن أحد ولا الطعن بالأحكام من حيث نيلها الأطر الصحيحة للمحاكمة العادلة؛ لان لكل بلد قوانينه وعقوباته، والذي اريد ان أقوله ما لنا وما مواطنين من دول أخرى لهم حقوق وعليهم التزامات واجبات فان أخل باي من هذه الالتزامات تكون القوانين العقابية في بلدانهم بانتظارهم، وإذا كان هناك تعاطف معه من واجهة دينية او طائفية تستوجب الوقوف معه؛ فان القنوات الدينية او المخفية هي أولى بالتعبير عن ذلك؛ لا القنوات الرسمية، ما علاقة إيران بمواطن سعودي الجنسية حاكمته السلطة القضائية في بلده وحكمت عليه بالإعدام؟ لماذا تقوم إيران بتسمية شارع بقرب السفارة السعودية باسم الشيخ نمر النمر؟ لماذا تقوم إيران بالتواطؤ مع جماهيرها الغاضبة بحرق السفارة والقنصلية السعودية؟ الم تكن التصريحات الإيرانية ومن أقطاب النظام الإيراني، قادة دينيين وحكوميين ومن اعلى المستويات فيها نوع من إعطاء دليل إثبات على أن النمر كان مواطن إيراني قبل ان يكون سعودي؟؟ لماذا لا تستنكر إيران والعراق والاخرين اعدام أكثر من 44 شخص اخر كما فعل المرجع الكبير السيد السيستاني عندما اعتبر جميع المعدومين شهداء ومن إخوانه، بما فيهم المعدومين من تنظيم القاعدة وداعش، بقوله" تلقينا ببالغ الأسى الأسف نبأ استشهاد جمع من اخواننا المؤمنين، أريقت دماؤهم الزكية ظلماً وعدواناً، ومنهم العالم المرحوم الشيخ نمر النمر، طاب ثراه".
 اننا كمن يمدحون الذئب وهو خطر عليهم، ويحتقرون الكلب وهو حارس لهم.
ان بيان الخارجية العراقية سياتي بمردودات ومضاعفات سلبية كثيرة، كما حدث سابقا في حادثة المعارض البحريني (علي سلمان)، حيث ما زال صدى الاتهامات يتناقل بين افواه قيادات حكومية خليجية ونحتاج لدفع هذه الاتهامات عن العراق؛ بانه يأوي عناصر إرهابية مسلحة قامت بأعمال تخريبية في البحرين؛ فكان الأولى والأفضل والاحسن بالخارجية العراقية دحض هذه الاتهامات والبحث عن بدائل لإعادة تلطيف الأجواء مع الدول الخليجية؛ لا البحث عن كل ما يوتر الأجواء ويجعلنا ندور في فلك دول لا تريد الا تحقيق مصالحها حتى ولو على حساب العراق، ان بيان الخارجية وغيرها؛ جعل فرص تعزيز الاتهامات بحق العراق مواتية اكثر من السابق، والسياسة الدبلوماسية الخارجية العراقية بتلك البيانات والممارسات تجعل من القطيعة مع المحيط العربي مستمرة.
ان الدولة العراقية بتلك التصريحات قد اضاعت بوصلتها وتشوشت الرؤيا لديها ولم تبدو الصورة واضحة في اسلوب معالجة هذه الازمة، كان الأفضل من الحكومة شجب وإدانة من قام بحرق السفارة السعودية فورا، انسجاما واتساقا مع الموقف العربي، وعلينا ان فاتنا ذلك، ان نتخذ في اجتماع الجامعة العربية المزمع عقده قريبا، موقفا نلتزم به بحدود الدستور والقانون ومصلحة المجتمع العراقي والعربي الجوهرية، لاسيما ان منطقة الخليج العربي تعدّ من أبرز مناطق الشرق الأوسط والعالم والدول الخليجية مدركة بضرورة البحث عن إطار خليجي أمنى لها، وتعتبر العراق صمام أمان للمنظومة الخليجية.