عذرا امي .. كنت حقيرا ذلك الصباح .. ازهر جرجيس

يعتصر قلبي كلما تذكرت وجه أمي ذلك الصباح الذي كانت تبحث فيه عن جَوربي المفقود. كانت أمي كل يوم تلبسني ثيابي وتمشط شعري وترشّ خدَّي بالعطر ثم تنزل عند قدمَي لتلبسني الجوارب وتشد رباط حذائي. كانت تضع لي في الحقيبة سندويتشين، أحدهما بجبنة المثلثات وآخر فيه بيضتان مسلوقتان ومملّحتان، ثم تودّعني عند الباب بقبلة وشمّة. دلّلتني كثيراً تلك المرأة الطيّبة. وفي ذلك الصباح وبينما كانت تقوم بتهيئتي للمدرسة، لم تجد الجورب في مكانه، فصارت تبحث عنه في الخزانة والدواليب على عجل، لكنها لم تجده. خرجت الى باحة الدار علّها نسته منشوراً على الحبل، لم تجده. في غرفة الضيوف، لم تجده. في الصالة، تحت الأريكة، لم تجده. عادت الى الحجرة، مدّت جسدها النحيف تحت السرير، أيضاً لم تجده. كنت جالساً فوق السرير أراقب حيرتها. كانت خائفة من الوقت أن يمرّ وتفوتني الحصّة الأولى، فاضطرت أن تلبسني جورب أبي الواسع ريثما أعود وأحظى بجورب جديد تشتريه من السوق. ودّعتني عند الباب أمّي. قبّلتني وشمّت عنقي وقالت اعتنِ بنفسك لأجلي، بينما وجهها لم يزل تعتريه علامات الخوف والقلق بسبب جوربٍ حقير ضاع في وقت حرج.
في الواقع لم يكن الجورب هو الحقير بل صاحبه. نعم نعم.. محدّثكم من أخفاه عمداً. لقد ملأته بالدعابل التي ربحتها أمس في المحلّة ودفنته أسفل السلّم. لقد كنت أضحك في سرّي وأنا أراقب أمي تبحث تحت السرير عن الجورب المفقود.. عذراً أمي، كنتُ حقيراً ذلك الصباح.