هذا البحث حيادي بإمتياز ، ولا دخل له بما هو سائد من تدافع في سوق السياسة من مفاهيم ومصطلحات ، والتي يقف عندها جماعة المسلمين يتنازعون ويتقاتلون ، بل هو بحث موضوعي في مادة - اللفظ والمعنى - ، آملين أن يتناول هذا البحث بالدرس والتحليل المفهوم اللساني والدلالي للفظي - السُنة والشيعة - ، وهنا لا بد من القول : بأننا سنسير في بحثنا هذا حسب نصوص الكتاب المجيد ، محاولين قدر المُستطاع التعرف على البنية المعرفية للنص من جهة اللفظ ومن جهة المعنى ، وسنحاول في هذا الشأن توخي الحيطة والحذر لكي لا نحيد عن الحقيقة المعرفية في هذا الشأن وكذلك لكي لا نستعجل في الحكم ، ودالتنا في ذلك كما هو معلوم كتاب الله المجيد ولغة العرب ، وما يحكم به العقل الصريح وما يستنبطه من معاني ودلالات من الكتاب ومن الأدلة الفرعية ، ولأن عنوان البحث يُراد منه تفكيك للجدلية الشائكة في - اللفظ والمعنى - ، كان لا بد لنا من مراعاة للسياقات اللفظية والدلالية كما وردت في الكتاب المجيد ، وكما تستخدم في لغة العرب ولسانهم ، وللتذكير بموقفنا الدائم من قضيتي اللفظ والمعنى . نقول : إننا نرفض فكرة - الترادف - ومقولتها الرائجة في الشعر والأدب ، وترويج ذلك عنوة في المباحث الأصولية والفقهية من عهد الإمام الشافعي ومن تبعه في ذلك ، ورفضنا لفكرة - الترادف - هو رفض للكيفية التي وضعت فيها المعاني وتبعثرت ، والشعراء يقولون : الألفاظ هي معاني مركونة في - قلب الشاعر - وذلك حين يجيبون عن المعنى المُراد ، لكن هذا القول : ممنوع في كتاب الله ، لأن كتاب الله لا تتبعثر فيه المعاني وتضيع ، بل تكون واضحة ومنسجمة مع طبيعة اللفظ وشكله ورسمه وما يُشار إليه بشكل جلي ، وهذا هو إعتقادنا بكلمات الله ففيها الحقيقة واحدة غير مجزئة أو مضمرة أو مُبهمة أو قلقة ، ولذلك جاء فيها قوله تعالى : - أفلا يتدبرون القرآن - ، وصيغة التدبر هذه مقصودة ومُعينة و ليست رجراجة أو سائبة أو متروكة للأفهام ، ولذلك لا يصح فيها - أن تقول ويقولون - كما لا يصح فيها - إن القرآن حمال أوجه - ، هذا القول الباهت الغير مفهوم ، ونسبته لعلي بن أبي طالب نسبة غير صحيحة تماماً ، وذلك لأن القرآن له وجه واحد وليس وجوهاً عدة ، ولهذا دعانا لتدبره والتمسك به ، ومن هنا نحن نرفض دعوى الشافعي وقوله بالترادف ، ونرفض جميع المقولات التي تحاول ليَّ المعاني تبعاً لتلك المقولة - .
ومن يقرأ كتاب الله المجيد و يتدبر آياته يجد البون شاسعاً ، بين ما قال به أولئك البعض وبين ما أستخدمه الله في كتابه المجيد من إلفاظ ومعاني ، ومن هذه الألفاظ والمعاني التي اَضطرب توظيفها وأستخدامها ودلالتها بين العامة ، هو مصطلح لفظ - السُنة والشيعة - ، والذي تقاتل بسببه الناس وأُريقت من أجله الدماء وأُنتهكت الأعراض ، ولكي نوضح هذا الإلتباس سنحاول تقريب المعنى إلى ذهن القارئ العزيز .
ونقول إن : السُنة في لغة العرب تعني اللفظ الدال على الطريق وعلى المنهاج وعلى القانون ، وهي في الإصطلاح الديني تدل على - الشريعة - ، ويعني ذلك إنها ليست لفظاً دالاً على الأفراد أو الجماعات على النحو الخاص مطلقاً ، ويعني هذا إنها : كمفهوم وكدلالة تعني الطريقة التي يتبعها أو يسير عليها جماعة من الناس ، و سواء أكانت هذه الطريقة صحيحة أو خاطئة ، وبحسب هذا المعنى لا يصح إطلاق لفظ السُنة على الأفراد والجماعات و الأتباع لا وصفاً ولا توصيفاً - فلا تكون هي جماعة أو مجموعة أفراد - ويكون معنى - أهل السُنة والجماعة - من هذه الجنبة لا معنى له مطلقاً بل ولا يصح ، وقد أعتبرها الأصولي دالة على : - قول المعصوم وفعله وتقريره - ، وهذ ا الإعتبار بالضبط هو إضافة فيها الكثير من الوهن بلحاظ الصحة والتوثيق والدقة وجهة الصدور ، ولهذا فهي عندنا محل نظر ، وقد ناقشناها هناك وبتفصيل ما في مباحثنا الأصولية ، ولمن أراد مزيد بيان نُحيله إلى هناك إلى موقعنا .
وأما السُنة في كتاب الله المجيد : - فقد وردت بمعنا واحد ألاَّ وهو - القانون أو النظام - : نقرأ ذلك في سورة الأحزاب : - سُنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسُنة الله تبديلا - ، و نقرأه كذلك في سورة الإسراء : - سُنة من قد أرسلنا قبلك من رُسلنا ولا تجد لسُنتنا تحويلا - 77 ، فقد ورد اللفظ دالاً على القانون الإلهي الثابت الممتنع على التغيير والتبديل ، ومن هذا اللفظ ومعناه نفهم : إن سُنة الله ليست أشخاصاً تابعين ، بل هي نظاماً من القوانين يجب مراعاته والعمل بموجبه ، هذا النظام يعمل به الأفراد بعد الإيمان به ، والوصف هنا في شأنية العمل وصف بالتبعية للقانون ، ولا يكون الأشخاص جزءاً منه مهما بلغوا . وسُنة الله : - هي ليست سُنة النبي أو المعصوم ، ولذلك لا يجوز أن يشترك في صناعتها و تكوينها ، بدليل إن المطلوب من الجميع بما فيهم الأنبياء إتباع هذه السُنة والسير وفق متطلباتها ، ويعني هذا : إن سُنة الله : دالة على قانونه وشريعته وعلى طريقته ونهجه في الحياة ، وقد دلت النصوص على ثبوت هذه السُنة وعدم التبديل فيها أو التحويل من قبل الإنسان ، وبما إنها أرتبطت بالله لذلك أستحال تبدلها وتغيرها ، والكلام عن - الثابت والمتغير - كلاماً يصح فقط فيما يُنسب إلى الإنسان من قوانين وأنظمة يصوغها ، وهذه الجدلية ترتبط بموضوعة الإيمان نفسه ، والذي هو يقين يستقر في القلب والعقل ، ولا يصح الإيمان من غير وعي ودراية وفهم ، وذلك لأن الإيمان المرتبط به الثواب والعقاب لا يكون إلآَّ بالعمل . وفي جانب أخر نقرأ في الكتاب المجيد قوله تعالى : - للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهُم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سُنة الأولين - الأنفال 38 ، و النص كما هو واضح يركز هنا على القانون ، ولا شأنية للأفراد فيه ، بدليل إن معنى اللفظ في - سُنة الأولين - في السياق حكاية عن قانون الأولين أو نهجهم أو طريقهم ، ولم يركز النص على الأولين من حيث بشريتهم ، بل ركز على طريقتهم وعلى نهجهم ، وذلك واضح في التركيز والإشارة على سنتهم وفعلهم دون شخوصهم ، ولا يخفى ما بين ذلك من تفاوت بين لفظ - سُنة الأولين - و- الأولين - ، فالأول مقصود والثاني متروك بحسب سياق النص والدلالة . وللتدليل على ذلك أستخدم النص لفظ - سُنة الأولين - في مجال الإيمان كما في قوله تعالى : - لا يؤمنون به وقد خلت سُنة الأولين - الحج 13 ، كما أستخدمها هناك في ساحة الكفر ، وفي كليهما دلالة اللفظ واحدة أو قل معناهما واحد ، ولكنه في سورة الكهف يُبين إن المعرفة في صيغة الإيمان والمعرفة في صيغة الإستغفار مرتبطة بما تقدمه المعرفة المسبقة من خلال قانون الأولين أو - سُنة الأولين - ، قال تعالى : - وما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ قُبُلًا - الكهف: 55 ، ولم نرى فيما مضى من اللفظ ودلالته على أن - سُنة الأولين - هم الرجال الأولين أو الناس الأولين بل إن اللفظ دال على القانون الذي سار عليه الأولين أو جرى عليهم ، و في سورة الأحزاب وفي سورة غافر تحدث النص عن القانون في صيغة - سُنة الله - ، التي سادت وجرت على الناس من قبل كما في قوله تعالى : - ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سُنة الله في الذين خلوا من قبل - ، ولو تأملنا النص فلا يخرج الكلام فيه عن القانون وعن النظام الذي جرى على النبي مثله في ذلك مثل بقية الخلق هي سُنة الله في الذين خلوا من قبل ، - فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ - غافر: 85 ا، وأكاد أجزم أن ليس في الكتاب المجيد ولا نص واحد يدل أو يشير إلى إن المُراد أو المعني من كلمة - سُنة - هم فئة من الناس أو جماعة من الناس ، بل الكلام في الكتاب المجيد في هذا اللفظ وبمختلف السياقات التي جاء بها ، يتكلم عن القانون سواء في صيغته الإلهية أو القانون الذي ساد بين البشر ، ومعلوم بالضرورة إن القانون شيء والناس شيء أخر ، وفي ذلك يتبين عدم صحة إطلاق وصف القانون أو السُنة على جماعة من الناس ، ومن تسموا بذلك من باب التسامح فهي تسمية مغلوطة لا تنسجم مع طبيعة اللفظ ودلالته وأنساقه . وهنا نقول : أن تصف جماعة من الناس بأنها هي : - السُنة - ، على نحو من الإستخدام والتوظيف والتسمية والإطلاق ، فهو شيء خاطئ ومجافي للمُراد من المعنى والتركيب في الكتاب المجيد ، وكما قلنا فالتسامح اللفظي هنا يمنعه المعنى المُراد منه ، إذ لا ينسجم ذلك مع مُراد النص في الكتاب ولا ينسجم مع ما جاء من معنا صحيح في لغة العرب التي تمنع ذلك ، ولا تجعل من القانون تابعاً ومتبوعاً في نفس الوقت ، فنقول هذه الجماعة هي السُنة - أي هي القانون - وبنفس الدرجة هي تتبع السُنة بمعنى تتبع ا لقانون - هي القانون وهي تتبع القانون - وكما ترون طبيعة هذا التركيب وضحالته ، وتعالوا نتلوا بعض ما ورد في كتاب الله وكيف استخدم هذا اللفظ ووظفه ، قال تعالى : - قد خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ - آل عمران: 137 ، وقال تعالى : - إستكباراً
فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّت الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت اللهِ تَحْوِيلًا - فاطر: 43 2 6قال تعالى : - يًريدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - النسا ء
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان ألاَّ وهو: إن لم يصح إطلاق - السُنة - على الأفراد والتابعين ، فمن أين جاء القول بمصطلح - أهل السُنة والجماعة - ؟ . والجواب : إن إطلاق لفظ السنة على الأفراد غير صحيح لغةً وهو غير صحيح بحسب ما ورد من نصوص في الكتاب المجيد ، وهذا الذي بيناه ولكن إضافة لفظ - أهل .... والجماعة - إلى السُنة ، ليست ذات معنا مفيد ، ثم إنها إضافة تاريخية تحكي عن ذلك الصراع الذي كان بين أهل العقل وبين أهل الحديث ، فتسموا أهل الحديث بأنهم أهل السُنة ، والمُراد بهذه التسمية في حينها أي التابعين للسُنة وليس هم السُنة ، ثم تفنن اللاحقين لأولئك بجعل هذه التسمية في مقابل الرافضين لهم من أهل الفرق الأخرى ، فهي عندهم ضد الشيعة وضد الأباضية وضد المعتزلة والماتريدية والظاهرية ، وجعلوا من هذا التشكيل كفرقة معينة على خلاف باقي الفرق ، بل تطرف البعض منهم ليدعي إنه الفرقة الناجية وصيغة في هذا الإتجاه جملة من الأخبار المنسوبة كذباً إلى رسول الله - ص - ، وهذا التطرف هو من أسس لاحقاً هذا التطرف الذي يعيشه العالم ، وهو من أنتج لنا هذه المنظمات التي تخرب نظام الحياة وتكتم على المسلمين أنفاسهم تحت بند قولهم : - إنهم أهل السنة والجماعة ، ذلك المصطلح الذي وظفته السياسة في عصر المتوكل العباسي ليكون أسماً لمسمى فرقةً من المسلمين ، وعنها وفي سبيلها قالوا : إنها الفرقة الناجية أو الفرقة المنصورة ، وقد حاول المُنتجين لهذا المصطلح أو اللاحقين بهم قد جعلوا هذا المصطلح في مقابل مصطلح الشيعة أو التشيع ، وهذه مُغالطة إصطلاحية ولغوية ومبنائية ، وقد حمل البعض هذا المنتج من الأقوال ما لا يحتمل ، وقد زاد البعض في الإمعان من خلال نسبة ذلك القول منهم لعبدالله بن عباس ، مع ظننا القوي إن هذه النسبة غير صحيحة ، كما إن دفع الألفاظ لتصب في غير محلها أو تحميلها ما لا تحتمل دفع غير محمود ، وهذا التحميل الزائد قال به أبن كثير في تفسيره لقوله تعالى : - يوم تبيض وجوه وتسود وجوه - آل عمران 106 ، مع إن دلالة النص تتحدث عن خواتيم عمل الناس في المطلق وعن مطلق الفعل ، وذلك في إشارة لمن يفعل الخير ومن يفعل الشر ، وهذا هو ظاهر الكلام وأما معناه فمعلوم ، وهو يندك في مضمون قوله - فمن يعمل مثقال ذرة شر يره ومن يعمل مثقال ذرة خير يره - ، ولو طبقنا مقياس الألباني في ذلك وغيره من شيوخ الحديث ، لأصبح عندنا معنى جماعة أهل الحديث أو التابعين لهم مطلقاً ليسوا هم أهل - السثنة - لا صفة ولا موصوفاً ، بدليل إن السُنة شيء والتابع لها شيء أخر ، والتابعين أو الأتباع من جهة التركيب هو لفظ دال على معنى الشيعة أو التشيع ، ودليلنا إلى ذلك كتاب الله المجيد وأستعمالاته ولغة العرب وأستخدامات ألفاظها ، ثم إن تلبيس لفظ ما معناً أخر مغاير له هو من البدع المنهي عنها حسب ماورد في صحيح الخبر .
وأما الشيعة : فهي لفظ عام ودلالته تكون على جماعة المسلمين وعامتهم ، فهم التابعين أو الأتباع بالفعل لدين الله وسُنة نبيه ، والإتباع المقصود : هنا هو ذلك الذي يكون على النحو العام بالإعتبار والتبعية ، و على هذا تكون - الشيعة - ليست فرقة من الناس بالمفهوم المتعارف في مقابل الفرق الأخرى ، و هذا ما يدُل عليه اللسان العربي حين يُعرفها بقوله إنها : أسم جامع يصح أطلاقه على الواحد و على الاثنين وعلى الجمع و المذكر و المؤنث وبلفظ واحد و معنى واحد ، و هي في الإصطلاح : ذلك الأسم الذي غلب أستعماله على جماعة من الناس ، توالي علياً وتتبع وتعتقد بآراءه وأفكاره !! ، وتغليب هذا الأستعمال على الأصل إنما جاء بفعل تأثير العامل السياسي ، ولكن الأصل في اللفظ وفي معناه تكون دلالته دالة على العموم وعلى كل من أتبع النبي ورسالته ، وقد دل الكتاب المجيد على ذلك ، بقوله تعالى: - وإن من شيعته لإبراهيم - الصافات 83 ، أي إن من التابعين والموالين له - إبراهيم - ، أي إن النص يتحدث عن تابعيته لنوح فيما دعا له وفيما سار عليه ، وإبراهيم هنا هو الفرد الواحد التابع لسنة وطريقة نوح في عبادته وفي سلوكه في الحياة ، والواحد من الأتباع يصح إطلاق لفظ الشيعة عليه إعتباراً ، والشيعة في الأصل تعني الوحدة في الولاء للدين والوحدة في الإعتقاد ، وأما التعدد فيها فهو تعدد في الولاء وفي التابعية وقد أعتبره الله تفريقاً وعَّده ممنوعاً ، كما يظهر بقوله تعالى : - إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم .. - الأنعام 159 ، والخطاب في النص واضح في تضمنه لمفهوم الوحدة ، ولكن وبما الأتباع هم بشر يجري عليه القانون العام في معنى قوله - وكذلك جعلهم - ، أي جعل فيهم قابلية الإختلاف وهذه القابلية في المطلق ممكنة بل هي ظاهرة وجودية تتعلق بالطباع والأمزجة والعقول وحتى في التكوين ، وكذلك تكون في الدين نفسه حينما يحوله الأتباع إلى مذاهب كما هو ظاهر النص في سورة الأنعام ، ويكون من جهة الملة والقومية كما نقرأ ذلك في قصة موسى قال تعالى : - فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ... - القصص 15 . وخلاصة القول : فكل من تابع أحد أو وآلاه فهو من شيعته ، وعلى هذا الإعتبار فكل من تابع أو أخذ من سيرة الشيخين فهو شيعي وتابع لهم وهكذا ، وأما من يدعي بإن الشيعة هي بدعة !! ، فهذا قول مردود والشيعة ليست رفضاً ، كما لا يصح إعتبار الرافضين لخلافة أبي بكر هم الشيعة ، لأن ذلك التصنيف سياسي بإمتياز وهو قول ركيك ولا يستند إلى منطق علمي غير التنابز والتنازع الممنوعين ، وفي المطلق لا يجوز إخراج لفظ الشيعة مما وضع له في الأساس ، وبأنهم الأتباع مطلق الأتباع ، ولهذا تكون دلالته على من تبع النبي محمد - ص - وسار على نهجه فهو الشيعي - دلالة ومفهوم - . إن تفكيك الإشكالية المُصطنعة لمفهوم - السُنة والشيعة - يكون من الأولويات خاصة في ظل هذا التهريج والإدعاء والتقاتل ، أعني إنه ليس ترفاً أدبياً إنما هو حرص عقلي وأمانة علمية تهدف لترتيب الأوراق و تسمية الأشياء بمسمياته ، وتلك غاية بحد ذاتها ، وكلامنا هذا نمارسه هنا لنتعلم كيف يجب ان نبدأ ؟ ، وكما قلنا في المقدمة إن هذا البحث حيادي وموضوعي ، ونسعى فيه لتوجيه أنظار الشُعب المسلمة لتدارك أخطائها وخطاباتها في الأسماء والمسميات ، كما نطلب من القراء الأعزاء : أن ينظروا لهذا البحث بعيداً عن المطبات السياسية والمنعرجات التاريخية والتراثية ، ويجعلوه في محله الذي كُتب من أجله ، وأُهيب بالمشتغلين الإبتعاد ما أمكن عن السائد من خطابات التنابز والتكفير والتفسيق التي يكون الفاعل فيها والمُريد سياسي دائماً وبإمتياز . وخاتمة الكلام : إن الشيعة هم الأتباع وهم الناس ، وأما السُنة فهي الطريق وهي النظام وهي القانون ، وبين التابع والطريق جدُ فارق لا يخفى على المُتتبع في كتاب الله ولغة العرب ، وعليه يكون كل المسلمين شيعة وإن لم يتسموا ، وأما إطلاق لفظ - السُنة - على جماعة من البشر فهذه من البدع المنهي عنها ، والعكس صحيح ...
|