السنٌة والشيعة ... إشكالية المفهوم والدلالة

هذا البحث حيادي بإمتياز ، ولا دخل له بما هو سائد من تدافع في سوق
السياسة من مفاهيم ومصطلحات ، والتي يقف عندها جماعة المسلمين يتنازعون
ويتقاتلون ، بل هو بحث موضوعي في مادة - اللفظ والمعنى - ، آملين أن
يتناول هذا البحث بالدرس والتحليل المفهوم اللساني والدلالي للفظي -
السُنة والشيعة - ، وهنا لا بد من القول : بأننا سنسير في بحثنا هذا حسب
نصوص الكتاب المجيد ، محاولين قدر المُستطاع التعرف على البنية المعرفية
للنص من جهة اللفظ ومن جهة المعنى ، وسنحاول في هذا الشأن توخي الحيطة
والحذر لكي لا نحيد عن الحقيقة المعرفية في هذا الشأن وكذلك لكي لا
نستعجل في الحكم ، ودالتنا في ذلك كما هو معلوم كتاب الله المجيد ولغة
العرب ، وما يحكم به العقل الصريح وما يستنبطه من معاني ودلالات من
الكتاب ومن الأدلة الفرعية ، ولأن عنوان البحث يُراد منه تفكيك للجدلية
الشائكة في - اللفظ والمعنى - ، كان لا بد لنا من مراعاة للسياقات
اللفظية والدلالية كما وردت في الكتاب المجيد ، وكما تستخدم في لغة العرب
ولسانهم ، وللتذكير بموقفنا الدائم من قضيتي اللفظ والمعنى .
نقول : إننا نرفض فكرة - الترادف - ومقولتها الرائجة في الشعر والأدب
، وترويج ذلك عنوة في المباحث الأصولية والفقهية من عهد الإمام الشافعي
ومن تبعه في ذلك ، ورفضنا لفكرة - الترادف - هو رفض للكيفية التي وضعت
فيها المعاني وتبعثرت ، والشعراء يقولون : الألفاظ هي معاني مركونة في -
قلب الشاعر - وذلك حين يجيبون عن المعنى المُراد ، لكن هذا القول : ممنوع
في كتاب الله ، لأن كتاب الله لا تتبعثر فيه المعاني وتضيع ، بل تكون
واضحة ومنسجمة مع طبيعة اللفظ وشكله ورسمه وما يُشار إليه بشكل جلي ،
وهذا هو إعتقادنا بكلمات الله ففيها الحقيقة واحدة غير مجزئة أو مضمرة أو
مُبهمة أو قلقة ، ولذلك جاء فيها قوله تعالى : - أفلا يتدبرون القرآن - ،
وصيغة التدبر هذه مقصودة ومُعينة و ليست رجراجة أو سائبة أو متروكة
للأفهام ، ولذلك لا يصح فيها - أن تقول ويقولون - كما لا يصح فيها - إن
القرآن حمال أوجه - ، هذا القول الباهت الغير مفهوم ، ونسبته لعلي بن أبي
طالب نسبة غير صحيحة تماماً ، وذلك لأن القرآن له وجه واحد وليس وجوهاً
عدة ، ولهذا دعانا لتدبره والتمسك به ، ومن هنا نحن نرفض دعوى الشافعي
وقوله بالترادف ، ونرفض جميع المقولات التي تحاول ليَّ المعاني تبعاً
لتلك المقولة - .

ومن يقرأ كتاب الله المجيد و يتدبر آياته يجد البون شاسعاً ، بين ما
قال به أولئك البعض وبين ما أستخدمه الله في كتابه المجيد من إلفاظ
ومعاني ، ومن هذه الألفاظ والمعاني التي اَضطرب توظيفها وأستخدامها
ودلالتها بين العامة ، هو مصطلح لفظ - السُنة والشيعة - ، والذي تقاتل
بسببه الناس وأُريقت من أجله الدماء وأُنتهكت الأعراض ، ولكي نوضح هذا
الإلتباس سنحاول تقريب المعنى إلى ذهن القارئ العزيز .

ونقول إن : السُنة في لغة العرب تعني اللفظ الدال على الطريق وعلى
المنهاج وعلى القانون ، وهي في الإصطلاح الديني تدل على - الشريعة - ،
ويعني ذلك إنها ليست لفظاً دالاً على الأفراد أو الجماعات على النحو
الخاص مطلقاً ، ويعني هذا إنها : كمفهوم وكدلالة تعني الطريقة التي
يتبعها أو يسير عليها جماعة من الناس ، و سواء أكانت هذه الطريقة صحيحة
أو خاطئة ، وبحسب هذا المعنى لا يصح إطلاق لفظ السُنة على الأفراد
والجماعات و الأتباع لا وصفاً ولا توصيفاً - فلا تكون هي جماعة أو مجموعة
أفراد - ويكون معنى - أهل السُنة والجماعة - من هذه الجنبة لا معنى له
مطلقاً بل ولا يصح ، وقد أعتبرها الأصولي دالة على :
- قول المعصوم وفعله وتقريره - ، وهذ ا الإعتبار بالضبط هو إضافة
فيها الكثير من الوهن بلحاظ الصحة والتوثيق والدقة وجهة الصدور ، ولهذا
فهي عندنا محل نظر ، وقد ناقشناها هناك وبتفصيل ما في مباحثنا الأصولية ،
ولمن أراد مزيد بيان نُحيله إلى هناك إلى موقعنا .

وأما السُنة في كتاب الله المجيد : - فقد وردت بمعنا واحد ألاَّ وهو
- القانون أو النظام - : نقرأ ذلك في سورة الأحزاب : - سُنة الله في
الذين خلوا من قبل ولن تجد لسُنة الله تبديلا - ، و
نقرأه كذلك في سورة الإسراء : - سُنة من قد أرسلنا قبلك من رُسلنا
ولا تجد لسُنتنا تحويلا - 77 ، فقد
ورد اللفظ دالاً على القانون الإلهي الثابت الممتنع على التغيير
والتبديل ، ومن هذا اللفظ ومعناه نفهم : إن سُنة الله ليست أشخاصاً
تابعين ، بل هي نظاماً من القوانين يجب مراعاته والعمل بموجبه ، هذا
النظام يعمل به الأفراد بعد الإيمان به ، والوصف هنا في شأنية العمل وصف
بالتبعية للقانون ، ولا يكون الأشخاص جزءاً منه مهما بلغوا .
وسُنة الله : - هي ليست سُنة النبي أو المعصوم ، ولذلك لا يجوز أن
يشترك في صناعتها و تكوينها ، بدليل إن المطلوب من الجميع بما فيهم
الأنبياء إتباع هذه السُنة والسير وفق متطلباتها ، ويعني هذا : إن سُنة
الله : دالة على قانونه وشريعته وعلى طريقته ونهجه في الحياة ، وقد دلت
النصوص على ثبوت هذه السُنة وعدم التبديل فيها أو التحويل من قبل الإنسان
، وبما إنها أرتبطت بالله لذلك أستحال تبدلها وتغيرها ، والكلام عن -
الثابت والمتغير - كلاماً يصح فقط فيما يُنسب إلى الإنسان من قوانين
وأنظمة يصوغها ، وهذه الجدلية ترتبط بموضوعة الإيمان نفسه ، والذي هو
يقين يستقر في القلب والعقل ، ولا يصح الإيمان من غير وعي ودراية وفهم ،
وذلك لأن الإيمان المرتبط به الثواب والعقاب لا يكون إلآَّ بالعمل .
وفي جانب أخر نقرأ في الكتاب المجيد قوله تعالى : - للذين كفروا إن
ينتهوا يغفر لهُم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سُنة الأولين - الأنفال
38 ، و
النص كما هو واضح يركز هنا على القانون ، ولا شأنية للأفراد فيه ،
بدليل إن معنى اللفظ في - سُنة الأولين - في السياق حكاية عن قانون
الأولين أو نهجهم أو طريقهم ، ولم يركز النص على الأولين من حيث بشريتهم
، بل ركز على طريقتهم وعلى نهجهم ، وذلك واضح في التركيز والإشارة على
سنتهم وفعلهم دون شخوصهم ، ولا يخفى ما بين ذلك من تفاوت بين لفظ - سُنة
الأولين - و- الأولين - ، فالأول مقصود والثاني متروك بحسب سياق النص
والدلالة .
وللتدليل على ذلك أستخدم النص لفظ - سُنة الأولين - في مجال الإيمان
كما في قوله تعالى : - لا يؤمنون به وقد خلت سُنة الأولين - الحج 13 ،
كما أستخدمها هناك في ساحة الكفر ، وفي كليهما دلالة اللفظ واحدة أو قل
معناهما واحد ، ولكنه في سورة الكهف يُبين إن المعرفة في صيغة الإيمان
والمعرفة في صيغة الإستغفار مرتبطة بما تقدمه المعرفة المسبقة من خلال
قانون الأولين أو - سُنة الأولين - ، قال تعالى : - وما مَنَعَ النَّاسَ
أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ
إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ
العَذَابُ قُبُلًا - الكهف: 55 ، ولم نرى فيما مضى من اللفظ ودلالته على
أن - سُنة الأولين - هم الرجال الأولين أو الناس الأولين بل إن اللفظ دال
على القانون الذي سار عليه الأولين أو جرى عليهم ، و
في سورة الأحزاب وفي سورة غافر تحدث النص عن القانون في صيغة - سُنة
الله - ، التي سادت وجرت على الناس من قبل كما في قوله تعالى : - ما كان
على النبي من حرج فيما فرض الله له سُنة الله في الذين خلوا من قبل - ،
ولو تأملنا النص فلا يخرج الكلام فيه عن القانون وعن النظام الذي جرى على
النبي مثله في ذلك مثل بقية الخلق هي سُنة الله في الذين خلوا من قبل
، - فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا
سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ
الكَافِرُونَ - غافر: 85
ا، وأكاد
أجزم أن ليس في الكتاب المجيد ولا نص واحد يدل أو يشير إلى إن
المُراد أو المعني من كلمة - سُنة - هم فئة من الناس أو جماعة من الناس ،
بل الكلام في الكتاب المجيد في هذا اللفظ وبمختلف السياقات التي جاء بها
، يتكلم عن القانون سواء في صيغته الإلهية أو القانون الذي ساد بين البشر
، ومعلوم بالضرورة إن القانون شيء والناس شيء أخر ، وفي ذلك يتبين عدم
صحة إطلاق وصف القانون أو السُنة على جماعة من الناس ، ومن تسموا بذلك من
باب التسامح فهي تسمية مغلوطة لا تنسجم مع طبيعة اللفظ ودلالته وأنساقه .
وهنا نقول : أن تصف جماعة من الناس بأنها هي : - السُنة - ، على نحو
من الإستخدام والتوظيف والتسمية والإطلاق ، فهو شيء خاطئ ومجافي للمُراد
من المعنى والتركيب في الكتاب المجيد ، وكما قلنا فالتسامح اللفظي هنا
يمنعه المعنى المُراد منه ، إذ لا ينسجم ذلك مع مُراد النص في الكتاب ولا
ينسجم مع ما جاء من معنا صحيح في لغة العرب التي تمنع ذلك ، ولا تجعل من
القانون تابعاً ومتبوعاً في نفس الوقت ، فنقول هذه الجماعة هي السُنة -
أي هي القانون - وبنفس الدرجة هي تتبع السُنة بمعنى تتبع ا
لقانون - هي القانون وهي تتبع القانون - وكما ترون طبيعة هذا التركيب
وضحالته ، وتعالوا نتلوا بعض ما ورد في كتاب الله وكيف استخدم هذا اللفظ
ووظفه ، قال تعالى : - قد خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي
الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ - آل عمران:
137 ، وقال تعالى : - إستكباراً

فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ
إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّت الأَوَّلِينَ فَلَنْ
تَجِدَ لِسُنَّت اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت اللهِ
تَحْوِيلًا - فاطر: 43
2 6قال تعالى : -
يًريدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - النسا ء

والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان ألاَّ وهو: إن لم يصح إطلاق -
السُنة - على الأفراد والتابعين ، فمن أين جاء القول بمصطلح - أهل السُنة
والجماعة - ؟ .
والجواب : إن إطلاق لفظ السنة على الأفراد غير صحيح لغةً وهو غير
صحيح بحسب ما ورد من نصوص في الكتاب المجيد ، وهذا الذي بيناه ولكن إضافة
لفظ - أهل .... والجماعة - إلى السُنة ، ليست ذات معنا مفيد ، ثم إنها
إضافة تاريخية تحكي عن ذلك الصراع الذي كان بين أهل العقل وبين أهل
الحديث ، فتسموا أهل الحديث بأنهم أهل السُنة ، والمُراد بهذه التسمية في
حينها أي التابعين للسُنة وليس هم السُنة ، ثم تفنن اللاحقين لأولئك بجعل
هذه التسمية في مقابل الرافضين لهم من أهل الفرق الأخرى ، فهي عندهم ضد
الشيعة وضد الأباضية وضد المعتزلة والماتريدية والظاهرية ، وجعلوا من هذا
التشكيل كفرقة معينة على خلاف باقي الفرق ، بل تطرف البعض منهم ليدعي إنه
الفرقة الناجية وصيغة في هذا الإتجاه جملة من الأخبار المنسوبة كذباً إلى
رسول الله - ص - ، وهذا التطرف هو من أسس لاحقاً هذا التطرف الذي يعيشه
العالم ، وهو من أنتج لنا هذه المنظمات التي تخرب نظام الحياة وتكتم على
المسلمين أنفاسهم تحت بند قولهم : - إنهم أهل السنة والجماعة ، ذلك
المصطلح الذي وظفته السياسة في عصر المتوكل العباسي ليكون أسماً لمسمى
فرقةً من المسلمين ، وعنها وفي سبيلها قالوا : إنها الفرقة الناجية أو
الفرقة المنصورة ، وقد حاول المُنتجين لهذا المصطلح أو اللاحقين بهم قد
جعلوا هذا المصطلح في مقابل مصطلح الشيعة أو التشيع ، وهذه مُغالطة
إصطلاحية ولغوية ومبنائية ، وقد حمل البعض هذا المنتج من الأقوال ما لا
يحتمل ، وقد زاد البعض في الإمعان من خلال نسبة ذلك القول منهم لعبدالله
بن عباس ، مع ظننا القوي إن هذه النسبة غير صحيحة ، كما إن دفع الألفاظ
لتصب في غير محلها أو تحميلها ما لا تحتمل دفع غير محمود ، وهذا التحميل
الزائد قال به أبن كثير في تفسيره لقوله تعالى : - يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه - آل عمران 106 ، مع إن دلالة النص تتحدث عن خواتيم عمل الناس في
المطلق وعن مطلق الفعل ، وذلك في إشارة لمن يفعل الخير ومن يفعل الشر ،
وهذا هو ظاهر الكلام وأما معناه فمعلوم ، وهو يندك في مضمون قوله - فمن
يعمل مثقال ذرة شر يره ومن يعمل مثقال ذرة خير يره - ، ولو طبقنا مقياس
الألباني في ذلك وغيره من شيوخ الحديث ، لأصبح عندنا معنى جماعة أهل
الحديث أو التابعين لهم مطلقاً ليسوا هم أهل - السثنة - لا صفة ولا
موصوفاً ، بدليل إن السُنة شيء والتابع لها شيء أخر ، والتابعين أو
الأتباع من جهة التركيب هو لفظ دال على معنى الشيعة أو التشيع ، ودليلنا
إلى ذلك كتاب الله المجيد وأستعمالاته ولغة العرب وأستخدامات ألفاظها ،
ثم إن تلبيس لفظ ما معناً أخر مغاير له هو من البدع المنهي عنها حسب
ماورد في صحيح الخبر .


وأما الشيعة : فهي لفظ عام ودلالته تكون على جماعة المسلمين وعامتهم
، فهم التابعين أو الأتباع بالفعل لدين الله وسُنة نبيه ، والإتباع
المقصود : هنا هو ذلك الذي يكون على النحو العام بالإعتبار والتبعية ، و
على هذا تكون - الشيعة - ليست فرقة من الناس بالمفهوم المتعارف في مقابل
الفرق الأخرى ، و هذا ما يدُل عليه اللسان العربي حين يُعرفها بقوله إنها
: أسم جامع يصح أطلاقه على الواحد و على الاثنين وعلى الجمع و المذكر و
المؤنث وبلفظ واحد و معنى واحد ، و هي في الإصطلاح : ذلك الأسم الذي غلب
أستعماله على جماعة من الناس ، توالي علياً وتتبع وتعتقد بآراءه وأفكاره
!! ، وتغليب هذا الأستعمال على الأصل إنما جاء بفعل تأثير العامل السياسي
، ولكن الأصل في اللفظ وفي معناه تكون دلالته دالة على العموم وعلى كل من
أتبع النبي ورسالته ، وقد دل الكتاب المجيد على ذلك ، بقوله تعالى: - وإن
من شيعته لإبراهيم - الصافات 83 ، أي إن من التابعين والموالين له -
إبراهيم - ، أي إن النص يتحدث عن تابعيته لنوح فيما دعا له وفيما سار
عليه ، وإبراهيم هنا هو الفرد الواحد التابع لسنة وطريقة نوح في عبادته
وفي سلوكه في الحياة ، والواحد من الأتباع يصح إطلاق لفظ الشيعة عليه
إعتباراً ، والشيعة في الأصل تعني الوحدة في الولاء للدين والوحدة في
الإعتقاد ، وأما التعدد فيها فهو تعدد في الولاء وفي التابعية وقد أعتبره
الله تفريقاً وعَّده ممنوعاً ، كما يظهر بقوله تعالى : - إن الذين فرقوا
دينهم وكانوا شيعاً لست منهم .. - الأنعام 159 ، والخطاب في النص واضح في
تضمنه لمفهوم الوحدة ، ولكن وبما الأتباع هم بشر يجري عليه القانون العام
في معنى قوله - وكذلك جعلهم - ، أي جعل فيهم قابلية الإختلاف وهذه
القابلية في المطلق ممكنة بل هي ظاهرة وجودية تتعلق بالطباع والأمزجة
والعقول وحتى في التكوين ، وكذلك تكون في الدين نفسه حينما يحوله الأتباع
إلى مذاهب كما هو ظاهر النص في سورة الأنعام ، ويكون من جهة الملة
والقومية كما نقرأ ذلك في قصة موسى قال تعالى : - فوجد فيها رجلين
يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ... - القصص 15 .
وخلاصة القول : فكل من تابع أحد أو وآلاه فهو من شيعته ، وعلى هذا
الإعتبار فكل من تابع أو أخذ من سيرة الشيخين فهو شيعي وتابع لهم وهكذا ،
وأما من يدعي بإن الشيعة هي بدعة !! ، فهذا قول مردود والشيعة ليست رفضاً
، كما لا يصح إعتبار الرافضين لخلافة أبي بكر هم الشيعة ، لأن ذلك
التصنيف سياسي بإمتياز وهو قول ركيك ولا يستند إلى منطق علمي غير التنابز
والتنازع الممنوعين ، وفي المطلق لا يجوز إخراج لفظ الشيعة مما وضع له في
الأساس ، وبأنهم الأتباع مطلق الأتباع ، ولهذا تكون دلالته على من تبع
النبي محمد - ص - وسار على نهجه فهو الشيعي - دلالة ومفهوم - .
إن تفكيك الإشكالية المُصطنعة لمفهوم - السُنة والشيعة - يكون من
الأولويات خاصة في ظل هذا التهريج والإدعاء والتقاتل ، أعني إنه ليس
ترفاً أدبياً إنما هو حرص عقلي وأمانة علمية تهدف لترتيب الأوراق و تسمية
الأشياء بمسمياته ، وتلك غاية بحد ذاتها ، وكلامنا هذا نمارسه هنا لنتعلم
كيف يجب ان نبدأ ؟ ، وكما قلنا في المقدمة إن هذا البحث حيادي وموضوعي ،
ونسعى فيه لتوجيه أنظار الشُعب المسلمة لتدارك أخطائها وخطاباتها في
الأسماء والمسميات ، كما نطلب من القراء الأعزاء : أن ينظروا لهذا البحث
بعيداً عن المطبات السياسية والمنعرجات التاريخية والتراثية ، ويجعلوه في
محله الذي كُتب من أجله ، وأُهيب بالمشتغلين الإبتعاد ما أمكن عن السائد
من خطابات التنابز والتكفير والتفسيق التي يكون الفاعل فيها والمُريد
سياسي دائماً وبإمتياز .
وخاتمة الكلام : إن الشيعة هم الأتباع وهم الناس ، وأما السُنة فهي
الطريق وهي النظام وهي القانون ، وبين التابع والطريق جدُ فارق لا يخفى
على المُتتبع في كتاب الله ولغة العرب ، وعليه يكون كل المسلمين شيعة وإن
لم يتسموا ، وأما إطلاق لفظ - السُنة - على جماعة من البشر فهذه من البدع
المنهي عنها ، والعكس صحيح ...