المواطنة والضريبة وأداء الدولة

مطالعة تاريخ شعوب الديمقراطيات الغربية والنمور الآسيوية وهونغ كونغ تؤكد ان المواطن مطالب بدفع ضرائب عديدة لتغطية نفقات أداء الدولة لخدماتها، حتى ان بعض العاملين في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يقولون بان زيادة مرتباتهم عن حد معين تعني ذهابها للدولة ضرائب.
وبحكم الطموح في ان نسترجع دولة الخدمات والأمن والاستقرار، فان الدعوة إلى استجابة لدفع المواطن للضرائب مهمة ينبغي علينا الانصياع بـ"ترحاب" كبير لها. ومن الملامح المهم لتطور الدولة ان الديمقراطيات في بدايتها كانت تقتصر حق الانتخاب على من يدفع ضريبة، وهم إما ملاك ارض أو ملاك ورشة عمل أو موظف أو اجير. وكان للبعض اكثر من صوت: صوت لمالك الأرض، ويمكن ان يكون له صوت شهادة دراسية، وصوت لمالك العقار، وقد تكون هذه الأصوات كلها لشخص واحد.
والمواطن الذي يدفع الضرائب صالح وحريص على مساءلة الدولة عن مجالات انفاق اموالها، واي انفاق يحسب بالأفلاس وليس بالدنانير، سواء اكان ايام كان الدينار عزيزاً او بعدما سحقته اعباء الحروب العدمية للشمولية. لكننا نفاجأ بفرض انواع من الضرائب، او بالأصح جبايات، منها جباية قادة المناطق لرسم ملصق تعريف المركبات، الذي انتقدته في حينها واصطف معي محافظ بغداد في انتقاد فرض رسوم على المواطنين بغير تشريع قانوني.
هذه الأيام تقف نخبة من الشباب المهذب في تقاطعات حساسة ويلزمون اصحاب المركبات بالترجل لدفع رسم قدره 15 الف دينار لباج تعريف وضعته قيادة عمليات بغداد بالتعاون مع المحافظة. وبقدر ما اقدر الدافع الأمني لمثل هذا الأجراء، فملاحظاتي هي ان المبلغ كبير جداً، خصوصاً بالنسبة لذوي الدخل المحدود، وبالأخص الموظفين، الذين تخضع رواتبهم لإستقطاعات جديدة، ثانياً إن جباية مثل هذا المبلغ الكبير لا ينبغي ان تكون قراراً لقيادة عسكرية او حتى مجلس المحافظة، مع كامل الاحترام لكليهما، فالدستور ينص على "ان لا جباية لإية اموال إلا بقانون"، والمقصود هنا قانون اتحادي، بالأخص عندما يكون المبلغ كبيراً.
نعم لجباية الرسوم والضرائب لكن ينبغي ان يؤخذ بالحسبان عدم القائها حزمة ثقيلة دفعة واحدة على كاهل المواطن، وقد اعجبني اجراء وزارة النفط حين رفعت سعر وقود السيارات، لكنها تركت منفذا لمن لا يريد المحسن.
نعم لدولة المواطن الواعي الذي يدفع الضرائب، لكن من الضروري الالتفات لمعالجة مجموعة ظواهر مؤلمة، ابسط معالمها حشود المتسولين في تقاطعات المرور والشوارع، فيما تتراكم النفايات في الأحياء، ويتجرأ المتعهدون في مجمع السلام في البياع مثلاً، على القول انهم لن يرفعوا القمامة إلا مرة واحدة كل 20 يوماً.
الأعباء على كاهل الدولة كثيرة في ظل محاربة الإرهاب، لكن من الضروري ان نحرص على تجفيف منابع التذمر وإثقال كاهل المواطن، فهل هناك خطط حقيقية تنفذ للإرتقاء بالخدمات واسترجاع الأمن ومعالجة فقر البطالة والتشرد والنظافة، ام مجرد استسهال جباية الأموال؟ .