لست في محل تفسير الآية فأنا غير مؤهل لتفسيرها بقدر ما أنقل سبب نزولها كما دونتها كتب التأريخ والمفسرين ومدونات أهل البيت عليهم السلام وتناقلتها كتب الأجلاء من الصحابة الكرام ، أجمعت أقلامهم أن سورة النصر ومنها : ((… وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجا…. ً)) نزلت بعد فتح مكة حين هرعت جموع قريش والقبائل المحيطة بها بالدخول في دين الله أفواجآ وإعلان إسلامهم والتمسك برسالة السماء . ويذكر التأريخ أيضآ في الوقائع المعتبرة والأقوال المأثورة ماحدث أبان حكم الحجاج بن يوسف الثقفي في مضمون هذه السورة أيضآ حين إستدعى الحجاج الصحابي الجليل سعيد بن جبير (رض) بعد إلقاء القبض عليه وقد كان حافظا للقرآن الكريم وكان الحجاج يريد قتله فلما حضر عنده قال له: أسمعني ماحفظت من القرآن ياسعيد، فرد عليه قائلا ليس العبرة ان تحفظ دون ان تعمل بالقرآن وتعي آياته ، فسأله الحجاج ثانية وماذا وعيت اذن من القرآن ياسعيد؟ فقال سعيد وعيت التالي ((أذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يخرجون من دين الله افواجا...)) فتعجب الحجاج وظن ان سعيد لم يحفظ السورة جيدا فقال له..يدخلون وليس يخرجون ياسعيد..فقال سعيد ياحجاج يدخلون حينما كان محمد (ص)نبيهم ولكنهم خرجوا حينما رضوا بك واليآ على رقابهم وعبد الملك بن مروان خليفة عليهم ..
محل الشاهد هنا في حقبة السبعينات من القرن الماضي ومع بداية حكم البعث العفلقي الصدامي المقيت ومع إشتداد عقيرتهم وقبضتهم على زمام الأمور في العراق بزغت براعم للدعوة الى الله والتمسك بالعروة الوثقى لدى الشباب المؤمن من مختلف الشرائح في الوسط المجتمعي وأصبحت السمة السائدة وتنامت بين اوساط المجتمع وعكفت دور العبادة بالدرجة الاساس على إحتضان هذه البراعم لتنمو وتعلو باسقاتها لتنشر التعاليم الإسلامية بمفاهيمها العقائدية وترسيخ القيم الأخلاقية من حب الخير للآخرين والتعاون والإخلاص والتفاني والوفاء والأمانة والتكافل الإجتماعي ونكران الذات وغيرها من الخصال الحميدة التي دعا لها الدين الحنيف وضرورة التمسك بها ، فدخلت جموع الشباب في هذا التيار الرسالي أفواجآ أفواجا لا تهاب ولا تتراجع ولا تأخذها في الله لومة لائم حتى وصل بها الحال الى التحدي والصمود في وجه أعتى دكتاتورية للدفاع عن عقيدتها وملئت بهم السجون وتزاحمت بهم ساحات الإعتقال وتوالت رقابهم تعلو أعواد المشانق وتناثرت أشلاؤهم بين مئات المقابر الجماعية .
بعد عقود من الزمن الغابر سقطت الدكتاتورية وإنهارت دولة البعث المقيت وإنجلت الغبرة وبان بريق وسط الظلام كأنه ضوء الأمل المشرق بأيادي نفر ممن حمل راية الدعوة في السبعينات ( كما يدعي) فإستبشر الجميع خيرآ بل طارت بهم أفراح المستقبل المشرق نحو آمال لا حصر ولا نهاية لها وكأن الجنة فتحت أبوابها وقال خزنتها الدعاة الأوائل ( كما يسمون أنفسهم ) إدخلوها بما صبرتم في تلك الحقبة المظلمة من جور وطغيان والم ومعاناة وإضطهاد وتشريد وتهجير وسجن وتقتيل ومقابر لتنعموا بما رزقكم الله وحباكم من فضله ونعمته السابغة . لكن الصدمة أكبر من ان تخطها الكلمات وتعبر عنها الأحرف وتتصورها الأفكار وتتفقهها العقول فما حصل لم يكن في الحسبان ولم يخطر على بال أحد ، فهؤلاء لم يفتحوا باب من أبواب الجنة بقدر ماهو باب آخر من أبواب الجحيم تتحطم أمامه كل الأماني وتتسود خلاله كل الطموحات وتدفن بين أروقته أي عيشة هنيئة لينعم هؤلاء الدعويون وحدهم وعوائلهم وأتباعهم ومريديهم وأبواقهم بما تركه السلف الغابر للخلف الأغبر منه تاركين الشعب يلوذ بمرارة العيش ويتلوى من الأذى والحيف الذي لحق به وكأنهم تنصلوا من عقيدة الدعوة التي كانوا ينادون بها بالأمس القريب حين لمع بريق زخارف الحياة الدنيا وزينتها أمام ناظرهم وباعوا دماء الشهداء والضحايا بأبخس الأثمان ، وإذا كانت بقايا جيل السبعينات ينظرون بعين الأسى والإحباط والإنكسار من خيانة هؤلاء الدعاة للعقيدة والمبادئ التي ضحى من أجلها مئات الآلاف من شباب الأمس ، فإن إنعكاسات هذه الخيانة العظمى وتداعياتها على شباب اليوم وبمعية الوسائل الممنهجة ضد الدين الإسلامي الحنيف والعداء الواضح لمذهب أهل البيت عليهم السلام وإنحراف هؤلاء الدعاة بمسمياتهم جميعها أدت بنتيجتها الى أن يخرج أغلب جيل الشباب اليوم من دين الله أفواجآ أفواجا وينحرفوا عن جادة الصواب نحو طريق الإلحاد وهم ينظرون الى المتأسلمين من الدعاة حين جعلوا الدين مطية لهم ولنزعاتهم ورغباتهم الدنيوية ....
|