اسمحوا لي ان أعود بكم الى تخيّل عدد المحللين السياسيين الذين يتناوشون حال العراق والعراقيين. كبير جدا، أليس كذلك؟ نسأل: ما هو شغل المحلل السياسي؟ هل غير تحليل الأخبار السياسية؟ زين، هيّه وينها الاخبار السياسية أصلا؟ اين هو الفعل السياسي بالعراق؟ إن لم يكن هناك فعل سياسي فهل سيكون لدينا خبر سياسي؟ اذكركم بإسكافي "عفج" الذي قيّم لأنه انتهى الى مدينة لا أحد يلبس فيها حذاء ليرقعه. في الاخبار السياسية أرى العراق مثل "عفج" بالضبط وحال محللينا كما هي حال "اسكافيها". أغلب اخبارنا، ان لم تكن كلها، ميدانية. أخبار الحرب مع داعش. سافر فلان وصرح علاّن. واشتكت فلانه وهجمت فلتانه. آخر حدث سياسي مر علينا كان سقوط ابو "ما ننطيها" ومجيء حيدر العبادي. كنا نأمل من القادم الجديد أفعالا سياسية تنقذ البلد من مستنقع الفساد. لم نستعجله لأننا ندرك بانه ورث جبالا من الكوارث صبّها الذي قبله على رأس العراق والعراقيين: دولة منهوبة خزائنها ومحتلة أرضها بعد أن عمها الغباء وتحكم برقاب أهلها الجهلاء. للأمانة حقق العبادي منجزات عسكرية مهمة من خلال موقعه كقائد عسكري عام. لكنه يقول، ونحن نقول والواقع يقول أيضا، ان المنجزات العسكرية بالعراق مهما كبرت ستفقد قيمتها ما لم يرافقها فعل سياسي يكنس مخلفات ثماني سنوات من الغباء. رغم علمنا بأن ما من دولة على الكرة الأرضية حالها أسوأ من حال العراق، إلا ان هناك تقاربا بيننا وبين حال لبنان. عندهم وعندنا الطائفية حرقت وتحرق كل أخضر ويابس. ولديهم ولدينا من الأحزاب الطائفية لو انزلته على جبل لصار ساقية من رمل. لكن الفعل السياسي هناك لم يغب. لماذا؟ لأن العقل في لبنان لم يتعطل عن العمل تماما كما هو عندنا. قولوا شلون؟ ان ما أقدم عليه سمير جعجع بتنازله لخصمه العتيق ميشال عون، هو عين العقل. وهذا هو الفعل السياسي الذي فاجأ العالم وصار خبرا سياسيا من الطراز الاول. ولمثل هذا الخبر فليحلل المحللون. آن الأوان ان يتحرك العبادي سياسيا لينقذ العراق من رتابة الأخبار الميدانية. لقد مللناها حتى وصل غبار الملل لكتاباتنا. سأدله على فعلة سياسية اعتقد انه لو فعلها ستحرك مياهنا التي أسِنت من الركود. متى؟ غدا ان شاء الله.
|