تخطيط بالحزن لوطن يحتضر

عواصف الحزن تَسرق البسمة من شفاه الحائرين, والدنيا إعصار يسحب إعصاراً, والوطن المبتلى بنا يجّر أذيال هزيمته ولا زلنا نتغذى من جراحه لنصبح رجالاً أشداء نصرخ في ساحات الوغى: (نموت ويحيا الوطن)، وتزهق أرواح الفقراء، وتراق دماء المساكين، وتزداد قوافل الحزن، ويموت الوطن ساحباً معه كل الأيتام، ويعيش الرجال البواسل يتنعمون بـإرث الوطن المسجّى على فراش الزمن الزنيم، ولا بارقة في الأفق غير باقات الزهور المزيفة توضع على ضريح الجندي المجهول، يا سيدي الهمام، يا منْ صنعت لنا الملاحم الكبيرة، ضعْ زهوركَ على أضرحتنا، فنحن خرجْنا من رحم المجهول، وأرقنا دمنا من أجله، ونثرنا العمر على أوهامه، وكلنا فداء للمجهول ما دامت زهوركم تعطر ضريح المجهول، وترسم يومكم المعلوم، لكي تتنعموا بثروات الوطن المحتضر.
 

لا زال الحزن يتناسل أنهاراً من قيح أسود، ولا زال السيد الخرافي الخارج من دهاليز المعتقدات الوثنية يسرد علينا حكايات الاستقلال الوطني، ويضع الخطوط الحمر على جبين الوطن المفدى، ونحن يبتلعنا الحزن، فمنذ انطلاق العاصفة الهوجاء، والمزادات العلنية والسرية الرخيصة شرّعت أبوابها لبيع الوطن المقدس، بالجملة تارة وبالمفرد أخرى، بالدفع العاجل والآجل، بيع بالتفكيك وبالتركيب، ولا زالت المقدسات التي تتحدث عن الوطن محشورة في حقائبنا خوفاً من تعرضها للفساد، وكل مقدساتنا الوطنية فسدت في رؤوسنا منذ اللحظة الذي أخذنا النفاق فيها إلى المجهول، ومنذ أن ارتدى سدنة الوطن الجريح ثوب التقوى والنزاهة، وهم يأمرونا بالصبر، وان الله يمهل ولا يهمل، منذ الساعة التي وضعت الغربان تاج الهدهد على رؤوسها، والوطن يتمزق، ينزف، يشهق، يتلوى، يستجدي من أبنائه حرفاً فيه عزاء، قولاً فيه رثاء، لمسة عطف صادقة، والكل مشغول بلعبة القفز بين الخنادق والبنادق، بين الركض وراء أصحاب العروش والكروش، وعندما أطلق الوطن صرخة الاستغاثة الأخيرة، خرج الكبار من أصحاب الحكمة الوطنية، ورجال القصائد الرنانة والخطب البليغة والبيانات المثيرة، وفرسان المواعظ المحتشمة، ودعاة الفكر الملتزم، من جحورهم وكل فريق يمسك ذيله خوفا من قبح عورته، ويصرخ بأعلى صوته: نموت ويحيا الوطن، ويموت الوطن، وتبقى مومياوات الأفكار المتفسخة، ويعيش زنادقة العهر الوطني، والفئران التي تورمت جلودها بفعل سرقة خيرات الوطن، هب الجميع بالدعاء الواحد الأحد أن يمنح بلدهم مزيداً من العافية والازدهار، والجميع امتدت سكاكينه إلى رقبة الوطن الجريح، طمعاً في تقطيعه وبيعه على أصحاب المطاعم السياسية.
 

في لعبة الذبح لا يستثنى أحد ما دام النفاق سيد اللعبة، وأهل النفاق أبطالها، وما استقام النفاق يوما على سكة الوطنية، هنيئا لكل المنافقين الذين دفعوا بوطنهم إلى المجهول.