الحماية القانونية للصحفيين وتجريم الاعتداء عليهم



مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

يمارس العمل الاعلامي والصحفي في العالم على نطاق واسع جداً وتوصف مهنة الصحافة بانها مهنة المخاطر، فالصحفي من يمارس العمل الاعلامي ويتخذ من الصحافة مهنة له، وهذا العمل مكفول بمقتضى القوانين الوطنية والدولية إذ عد الدستور العراقي لعام 2005 الصحافة إحدى تطبيقات التعبير عن الرأي والزم السلطات العامة في المادة (38) بان تتكفل بما لا يخل بالنظام العام والآداب وتضمن حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.
والأمر لا يختلف على المستوى الدولي إذ حرصت المواثيق والاعلانات الدولية المتعاقبة على تبني حرية الصحافة وعدها تطبيقاً لا يقبل الانفكاك عن حرية الرأي والتعبير ومنها على سبيل المثال ما ورد في المادة (19) من الاعلان العالمي لحقوق الأنسان والمادة ذاتها من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لما للصحافة من دور في نقل الافكار والآراء والانباء التي من شأنها ان تكون موضوعاً خصباً للحوار العام.
وفي الوقت الذي تتكفل النصوص القانونية المختلفة على الصعيد الداخلي والدولي بحماية الصحفي نجد ان الانتهاكات قائمة على قدم وساق بحق هذه الفئة من الأفراد بل لعلها الفئة الاكثر استهدافاً بالقياس مع عدد العاملين بها، لاسيما في اوقات الازمات والحروب ولنا ان نستعرض في الفقرات القادمة الحماية القانونية للصحفيين وصور الانتهاكات التي يتعرضون لها وفق الآتي:-
الفقرة الاولى// الحماية القانونية للصحفيين
وهي على مستويين هما:
المستوى الوطني:-
حيث صدر في العراق العديد من النصوص القانونية التي تكفل الحماية القانونية للصحفيين ومن أهمها.
1- ماورد في قانون حقوق الصحفيين رقم (21) لسنة 2011 والذي اعتبر أن هدف القانون تقرير حقوق الصحفيين لاسيما العراقيين وتوفير الحماية لهم، والزم المشرع دوائر الدولة والقطاع العام والجهات الأخرى التي لعمل الصحفي علاقة بها تمكينه من مزاولة مهنته وتقدم له التسهيلات التي تتطلبها واجبات عمله المهني لضمان كرامة العمل الصحفي، وحرص القانون المذكور على تمكين الصحفي من الحصول على المعلومة والانباء والبيانات والاحصائيات غير المحظورة من مصادرها وله الحق بنشرها، كما منح بالمادة (4) للصحفي الحق بالحفاظ على سرية مصدر معلوماته، ومنع المشرع التعرض لأدواته الا بحدود القانون ومنع مساءلة الصحفي عما يبديه من معلومات صحفية ولا ان تتخذ ذريعة للاعتداء عليه مادياً أو معنوياً، والاضافة الحقيقية التي جاء بها المشرع عام 2011 عندما ساوى بين الصحفي والموظف في حرمة الاعتداء في المادة (9) أي اعتبار الاعتداء ظرفاً مشدداً للعقوبة، وأكمل المشرع نطاق الحماية بإقراره حقوق الشهيد للصحفي الذي يلقي حتفه بسبب عمله بمنح عياله راتباً تقاعدياً والحقوق الاخرى المقررة بمقتضى القوانين ذات العلاقة.
2- ماورد في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 من نصوص تقرر الحماية للعمل الصحفي ومنها ماورد بالمادة (405) من أن جريمة القتل إن وقعت على إنسان فعقوبتها السجن المؤبد أو المؤقت أما إن وقعت على موظف ((والصحفي حسب قانون حقوق الصحفيين يعامل معاملة الموظف ان وقعت عليه جريمة)) فتكون العقوبة هي الاعدام وفق المادة (406) وكذلك الأمر في جرائم الضرب والجرح والايذاء المواد (412-416) وجرائم القبض على الأشخاص وخطفهم (421-427).
على المستوى الدولي:-
فقد تعددت مصادر الحماية وتدرجت من اتفاقيات ومعاهدات وقرارات مجلس الأمن الدولي الملزمة للجميع ونذكر منها الاتي:-
1- ماورد في اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين والاسرى وحتى المقاتلين ومن ضرورة التعامل الانساني مع الجميع لاسيما غير العسكريين، في النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي أو الداخلي، إذ تضمنت الاتفاقية الثالثة منها نص المادة (4الفقرة 4/التي صرحت باعتبار الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون ان يكونوا جزء منها كالمراسلون الحربيون يعدون اسرى حرب).
2- واعتبر البروتوكول الأول الملحق بالاتفاقية لعام 1977 الصحفي مدني لأغراض الحماية ومنع التعدي عليه باي شكل من الاشكال، حيث ورد في المادة (79/يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50، يجب حمايتهم بهذه الصفة شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين، وذلك دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة 4 (أ – 4) من الاتفاقية الثالثة. اي اعتبارهم اسرى حرب كما تقدم اعلاه.
3- اما البروتكول الاضافي الثاني المؤرخ في 8/حزيران 1977 فقد منع في المادة (4) الاعتداء باي صورة على المدنيين الذين لايشتركون في النزاع المسلح أو الذين كفوا ايديهم من الاشتراك بالنزاع وهو الامر الذي يشمل به حتماً الصحفي.
4- ان الجرائم الموجهة ضد الصحفيين تعد جرائم حرب لأنها تستهدف المدنيين ويخضع مرتكبيها لولاية المحكمة الجنائية الدولية المؤسسة بناءً على اتفاقية روما 1998.
5- اصدر مجلس الأمن القرار رقم (1738 في 23/12/2006) الذي الزم جميع الاطراف في النزاعات المسلحة حول العالم بتنفيذ التزاماتهم ازاء الصحفيين وفق القانون الدولي.
6- ومن جانبها أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم (68/163 في 18/12/2013) ضرورة توفير الحماية للصحفيين لتحقيق سلامتهم وتضمن القرار اعلان يوم 2/تشرين الثاني يوماً دولياً لأنهاء افلات المجرمين من العقاب عن جرائمهم المرتكبة ضد الصحفيين.
وفي الوقت الذي تحرص الدول والمنظمات العالمية على توفير الحماية للصحافة والصحفيون تتزايد المخاطر المهددة لحياتهم وعملهم فقد عرف العام 2015 مقتل ما يزيد على (110) من الصحفيين في العالم بحسب منظمة مراسلون بلا حدود، وهو الامر الذي يؤشر وجود منطقة مظلمة بين المظلة القانونية التي توفر الحماية للعاملين في هذا السلك وبين الواقع العملي إذ شهدنا هجمات ارهابية على مقرات بعض وسائل الاعلام كما في فرنسا وهجمات اخرى استهدفت الصحفيون العاملون في ميدان تغطية الاحداث الدموية في سوريا والعراق.
الفقرة الثانية// صور الاعتداء على الصحافة
وتتنوع الاعتداءات على الصحفيون وتتعدد إذ ارتكبت افظع الجرائم بحق هؤلاء الأفراد ومنها:-
1- جرائم القتل والتعذيب.
2- جرائم الاغتصاب وانتهاك العرض لاسيما ضد الصحفيات من الاناث.
3- الاختفاء القسري والخطف.
4- الاحتجاز التعسفي بلا اوامر قضائية.
5- الترهيب والتهديد والمضايقة.
6- مصادرة الآلات والادوات والوسائل التي تملكها وسائل الاعلام أو الصحفيون.
وهذا التنوع يعكس الواقع المؤلم الذي يعيشه ممتهني الصحافة، فقد استثمر الصحفيون التطور العلمي والتكنولوجي في عملهم وشهدت الصحافة ازدهاراً على الصعد كافة، وكان للمؤسسات الاعلامية صولة لاتنكر في تغيير واقع الكثير من الشعوب والأفراد مستعينة بمختلف وسائل الاتصال بالجمهور عبر ما ينشر في وسائل الاعلام المرئية أو المسموعة أو الاليكترونية، وهو الأمر الذي ساعد على تنامي العداء لهذه المؤسسات من قبل الحركات المتطرفة التي تحمل الفكر الضال والانظمة الدكتاتورية الحاكمة التي لا تتحمل سماع الرأي الاخر، ما رفع من سقف المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون.
وبما للصحافة من تأثير في الرأي العام فيما تقدمه من مادة اعلامية ومحاولة السيطرة عليها أو توجيهها باتجاه معين أمر واقع لا محالة من قبل الجماعات الارهابية التي تتحين الفرص للانقضاض على الابرياء من المدنيين ومنهم الصحفيين الذين لا يشاطرونهم افكارهم المريضة، والانظمة المتخلفة التي لا تؤمن بالمبدأ الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وكلا القوتين تحاولان اخضاع الصحافة لمشاريعهما وتوجيه الخطاب بما يتفق مع تطلعاتهما والتأثير بالرأي العام بشكل معين عبر الاعلام الموجه وهذا يتنافى مع رسالة الصحافة بوصفها مهنة انسانية غرضها الارتقاء بالتفكير والتعبير عن الآراء بطريقة حضارية ونقل الاحداث والوقائع للمتلقي بأمانة وحيادية بما يتفق مع النظام العام والآداب والذوق العام.
ولهذا حرصت تلك القوتان الظلاميتان على ملاحقة الصحفيين والتنكيل بهم بمختلف أنواع الجرائم التي تنطوي على اعتداء جسدي أو معنوي بل ان الانظمة الدكتاتورية تجاوزت ذلك بالاعتداء على الصحفيين كأفراد بتجريدهم من حقوقهم الطبيعية المحمية دستورياً ودولياً بانتهاك حقهم في الخصوصية ومراقبة مكالماتهم الهاتفية وتتبع اماكن تواجدهم ومصادر معلوماتهم ومصادرة نتاجاتهم الصحفية بحجج واهية، لهذا تنهض اليوم مسؤولية الجميع دولاً وافراد للدفاع عن حق الصحفي في ممارسة عمله المهني بعيداً عن المضايقة وضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم ضدهم أي كانت جنسيتهم أو مراكزهم في بعض الانظمة الحاكمة، وينبغي ان يقدموا إلى المحاكم لينالوا جزاءهم العادل لاسيما افراد الجماعات الارهابية التي تنشط في جغرافية المنطقة.
وفي الختام نتقدم بجملة من التوصيات علها تجد طريقها لأصحاب القرار لتتحول إلى قواعد قانونية دولية أو وطنية ملزمة.
1- معاملة الصحفيون وفق القانون، وعدم التعدي على حقوقهم الطبيعية في الحياة أو الحرية أو الخصوصية، ومعاقبة من يقوم بذلك بأشد العقوبات الرادعة.
2- محاسبة مروجي جرائم الاعتداء على الصحفيين وملاحقتهم قضائياً لاسيما اصحاب الفتاوى التكفيرية أو ممولي الارهاب الفكري.
3- ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الصحافة والصحفيون وانزال العقاب العادل بهم.
4- الافراج فوراً عن جميع الموقوفين أو المحتجزين أو المختطفين من الصحفيين.
5- تضافر جهود الجميع افراداً ومؤسسات لاسيما البرلمان والحكومة لخلق بيئة عمل أمنة للصحفيين.
6- على الجميع احترام رسالة الصحافة بوصفها رسالة انسانية نبيلة تعبر عن حرية الرأي والتفكير والضمير.
7- على القوات المسلحة في العراق والمنطقة التي تقاتل الجماعات الارهابية ادراك دور الصحافة الحقيقي المحايد المتمثل بنقل الحقيقة بلا رتوش.