الطريق الى الوجود العسكري الأجنبي الدائم يسيطر عليه رادع استراتيجي معقد

عاش العراق بفترات حروب دامت لسنوات واعتاد القائمون على المشهد السياسي في العراق على  اللجوء الى دول خارجية تارة للدعم في الحرب ولفتح جبهات سياسية مضادة مع الدولة المتحاربة تارة أخرى ، لكن في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي اختلف المشهد وبات ضبابيا اكثر من سابقته، بين ليلة وضحاها تشكل التحالف الستيني للقضاء على الإرهاب في العراق وسوريا وتشكلت معه سلسة أزمات وانشقاقات لا في العراق وحده بل في المنطقة الإقليمية ككل ،الأزمة الأخيرة بين بغداد وأنقرة، على خلفية الوجود العسكري التركي في قاعدة التدريب الأمامية في ناحية بعشيقة الواقعة في شمال العراق، قد سلطت الضوء على قضية تعود إلى عام 1992ويكمن إرجاع الدافع الاستراتيجي لهذا الانتشار الأمامي التركي إلى نقلة نوعية كانت قد سُجلت في التسعينيات، عندما تبنت القوات المسلحة التركية استراتيجية صراع منخفض الحدة رداً على تهديدات امنية  صادرة عن حزب العمال الكردستاني ويشكل الانتشار الحالي امتداداً لردة فعل أنقرة السياسية على الحروب الصغيرة على طول حدودها الجنوبية ومن غير المرجح أن تنسحب القوات المسلحة التركية من شمال العراق في المستقبل القريب إلى المتوسط

الامريكون أيضا كان لهم دور سلبي كالعادة في خرق السيادة القضية الحساسة لاي بلد ، فالقوات الامريكية انتشرت في عدة قواعد عراقية منها قاعدة بلد في صلاح الدين وقاعدة عين الأسد في الانبار واليعربية بين الحدود العراقية السورية فضلاً عن عدد من الامريكين  الموجودين كمستشارين في السفارة الامريكية في بغداد ومثلهم في أربيل عاصمة إقليم كردستان ، محاولات أمريكية لإعادة جيشها الى العراق لكن لا بحرب ضد العراقيين كتلك التي زهقت أرواح الأبرياء لكن هذه المرة  بحجة مقاتلة تنظيم نشئ وتربى بأحضان ورعاية أمريكية كما يقولون الامريكيون نفسهم

ملء لفراغات الستراتجية لحكومة بغداد التي أمام مشهد الاحتلال المطوّل على يد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة اذ أجّلت الحكومة مؤخّراً مسألة وجود جنود أمريكيين وأتراك على الأرض، بسبب  مخاوف متعلقة بالسيادة التي خرقت منذ شهور ولكن في كلتا الحالتَين انّ وجود مثل هذه القوات ليس بالأمر المستجد لكن الجدل القائم حول هذا الموضوع يدل بصورة أكثر على التسييس الداخلي بين  صفوف الأحزاب العراقية  ومدى اهتمامها وداعميها الأجانب بتوازن القوى المحلية أكثر من اهتمامهم بهزيمة داعش  لكن الصدام حول عودة القوات الأمريكية كان سيحصل عاجلاً أم آجلاً فلعبة السياسية من خلال نشر قوات أمريكية على اراض عراقية انكشفت بنود اتفاقاتها وخيوط أسرارها المتشابكة بلمح البصر ما ان فك طلسم الوجود الأمريكي المؤلف من ثلاثة ألف وخمسمائة في قواعد مختلفة على الأراضي العراقية  كما تدعي أمريكا لكن يشي الميدان في العراق بأرقام تفوق ما ذكر ربما الى ضعف ذلك العدد ويبقى وجودهم مهدد إذا تخطّى الأمريكيون  الخطوط الحمراء ومنها إنشاء قواعد أمريكية فقط او تسليحهم لجماعات مناطقية دون دراية بغداد،،،الامر الذي يرجحه الخبراء ومتوقعين  زيادة عديد القوات الأجنبية على الأرض الى أكثر من عشرة ألاف عنصر في الأشهر القادمة كزيادة عديدة فقط غير مؤثرة على مجريات المعارك ضد التنظيم على الميدان الذي يشي بنصر عراقي خالص تحقق في الانبار وصلاح الدين بعيدا عن اجندة خاصة  تسعى أمريكا لتنفيذها من خلال نشر قواتها وزيادة عديدهم او تبديل مقارهم بين فترة وأخرى،،،،

 

في خضم التحدي العنيف بين الحفاظ على السيادة وزوالها  يمكن تقييم الانتشارات الحالية  للقوات الأجنبية في الأراضي العراقية كالتالي

تركياً : في الوقت الحاضر لدى تركيا ما يقرب 3000 جندي في العراق وعلى الرغم من أن هذه القوات لا يمكنها بذل القوة اللازمة لاستعادة الموصل أو حماية منطقة إقليم كردستان بأكملها من خطر داعش ، إلا أنها تؤدي بعض المهام الرئيسية التي قد تخدم المصالح الأمريكية من خلال نشر دبابات وكتيبة مغاوير قوية بالقرب من المواقع الخاضعة لسيطرة التنظيم في الموصل، سلطت أنقرة الضوء على موقعها السياسي و العسكري في شمال العراق من خلال نقل جنودها بدلاً عن سحبهم بالكامل، أشارت أنقرة بأنها مستعدة لاستخدام أدوات القوة الصارمة في العراق عبر العمل مع حكومة إقليم كردستان مستعرضة بذلك نفوذها ضد حزب العمال الكردستاني عدوها اللدود  وتنظيم داعش ومن  منظور عسكري محض إن الانتشار الأمامي قد يمهد الطريق أمام توغل أوسع في إطار المتابعة إذا ما دعت الحاجة فتركيا تقصف مخيمات تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق منذ عام 2007 وتحصل على مساعدة الولايات المتحدة في الاستيلاء على الأهداف وإذا شعرت يوماً بالحاجة إلى شن عملية برية أيضاً ،،،فقد يكون انتشار 3000 جندي وعشرات دبابات القتال الرئيسية عبر الحدود أشبه بامتلاك قوة كافية للسيطرة على الموصل  واعادتها الى الإمبراطورية العثمانية كما كانت محتلة في السابق  ومساعدة اطراف سياسية ساعية لادارة حكمها المحلي تحت وصاية اجنبية

أمريكياً: تنتشر قوات القوات الأميركية في قواعد عسكرية عراقية بقوة قوامها 4500جندي كما معلن وكما منتظر وصول قوات إضافية من الفرقة مائة وواحد قوامها يصل الى 1800 جندي وقوة خاصة تنفذ انزالات في الحويجة والشرقاط كما تدعي هيئة اركان الجيش الأمريكي عن عمليات حين واخر وهي نفسها العمليات التي تنفيها حكومة بغداد أيضا، تريد الإدارة الامريكية من خلال قواتها المتمركزة على الأرض اكمال مشروع بايدن التقسيمي وبدأ مرحلة جديدة من خارطة رسم حدود الاشرق الأوسط الجديد التي خطها شمعون بيريز كبير ساسة إسرائيل ورئيس وزرائها الأسبق، كل تلك المخططات تريد ان تقسم العراق الى ثلاثة  أقاليم ومن ثم ثلاث دويلات بعد صعوبة ربط الأقاليم بالمركز المجتزء من احدهما أولهما شيعية وثاينهما سنية والثالثة هي قائمة كأمر واقع (كردية)،اذا مساع أمريكا واضحة وضوح الشمس وجلية للعيان للسياسي والمراقب والمتابع وربما حتى للطفل الرضيع لكن لم يسدل الستار عن تلك المساعي لدى حكومة بغداد والقائمين عليها