انشغلت في الأيام الماضية، ولا أدري ما السبب، في قراءة الأناشيد الوطنية لدول العالم ومنها العربية طبعا، مع التمعن في أعلامها. خرجت بنتيجة سريعة وهي ان أغلبها يمجد الدم والحرب وبعضها لا يخلو من روح كاريكاتيرية: دولة بحجم رأس دبّوس يضخمها نشيدها الوطني لحد أنه يعيدك الى قصة البقرة والضفدعة التي شغلنا بها كتاب القراءة في الثاني الابتدائي. وبعضها فيها من الكذب الصارخ يجعلك وكأنك ترى مجديّا وخنجره بحزامه. تخيلت شكل الشعراء الذين كتبوها فوجدتهم بين عاضّ على لسانه وآخر على شفته وآخر يتطاير الشر من بين عينيه وكأنه يقول سأكتب نشيداً يرعب الأطفال ويهجج الطيور ويملأ القلوب خوفاً مستطيراً. ألم يتولّ علي الشلاه عندنا رئاسة حملة كتابة نشيد وطني عراقي جديد؟ ماذا تتوقعون بربكم؟ اترك لكم الجواب. لم يستوقفني نشيد وطني صادق مثل الياباني. حتى العلم الياباني صادق وبسيط جدا. لونان: احمر وابيض. الأحمر يرمز للدم الذي سال اثناء الحرب العالمية الثانية. أما الأبيض فهو لون الاستسلام الذي اعلنته اليابان بعد قنبلتي هيروشيما وناجازاكي. تصوروا انهم يعتزون باستسلامهم الذي لولاه لما وصلوا الى هذا الرُقي والتطور. أُمة لا ترى الاستسلام عاراً بل وتراه صاحب فضل عليها، قطعاً انها أمة عاقلة تستحق المجد والاحترام. وهنا على العاقل ان يفرزن بين فائدة التواضع وجحيم الغطرسة. ومن هنا أيضا تطورت اليابان لأنها اتخذت من التواضع سلماً للرقي. صدق من قال: ان التواضع صنع اليابان. لم يدمر العراق، كما دمر أمماً قبلنا، غير داء الغطرسة والشعور بالتفوق الكاذب على الآخرين. داء استمكن في عقل الحكام وتسلل الى كثير من عقول ناسنا بكافة طبقاتهم. مرض علينا اقتلاعه من جذور أنفسنا إن أردنا لهذا البلد ان ينهض من حفرة الظلام التي أوقعه فيها الأغبياء والمتغطرسون. مروا على علم اليابان وعلى علمنا واقرأوا بأنفسكم الفرق بين الصدق والكذب، وبين التكبر الفارغ والتواضع الصادق. قفوا عند نشيدهم الوطني القصير جدا الذي يطلب النماء لحجر صغير عسى ان يصبح صخرة يحتضنها العشب: ندعو لمجـدك أن يدوم ألف جيل .. ثمانية آلاف جيل الى ان يصبح الحصى صخرا .. مغطى بالنجيل وهنا يكمن الفرق بين صورة الديك الذي "يعوعي" وقدماه في حقل أخضر، وذلك الذي "يعوعي" ورجلاه بالذي تعرفون.
|