في 24/1/2016 استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير السعودي لدى بغداد ثامر السبهان احتجاجا على تصريحات أدلى بها واعتبرته تدخلا في الشأن العراقي، والسفير السعودي كان قد اعتبر، في 23 /1/2016، في لقاء معه مع قناة السومرية، رفض الاكراد ومحافظة الانبار دخول قوات الحشد الشعبي الى مناطقهم يبين “عدم مقبوليته من قبل المجتمع العراقي”، و "إن المملكة العربية السعودية لا تؤمن إلا بالعمل المؤسساتي ولا تؤمن بأي سلاح خارج شرعية الدولة، سواء كان سنيا أم شيعيا، وإن بقاء هذه الدول مرهون بالسيطرة على السلاح فيها"، وأشار ايضا الى أن الجماعات التي تقف وراء أحداث المقدادية لا تختلف عن تنظيم «داعش»، الأمر الذي أثار موجة ردود فعل سياسية غاضبة.
ان تصريحات السفير السعودي لم تكن خروجا عن لياقات العرف الدبلوماسي وكان هناك غلو مفرط وفض من الخارجية العراقية في التصدي الى تصريح السفير السبهان، والوزير وصف حالة سئل عنها وأجاب بموجب المعطيات الشاخصة بالميدان الوطني والدولي، واخرها تقرير منظمة العفو الدولية الذي ادان انتهاكات صادرة عن المليشيات المنضوية تحت الحشد الشعبي، ووزارة الخارجية معنية بالسير وفق قانونها المرقم (36) لسنة 2013 وبالمادة-2-تهدف الوزارة الى ما يأتي:
(اولا- تعزيز وتطوير العلاقات مع الدول العربية والدول المجاورة ودول العالم على اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية) والعلاقات الدبلوماسية بين الدول تقاس بمعايير دافئة شفافة دبلوماسية، وعامل التهدئة والتفاهم هو القائم وليس اثارة معارك جديدة ونحن نعاني من مشاكل في بيتنا الداخلي وارهاب وواقع اقتصادي متدهور وتشظي سياسي.
ونعتقد ان تصريح رئيس الحكومة ولمرتين بصدد اعدام الشيخ نمر النمر كانت تدخل سافر بشؤون السعودية الداخلية وما تبعه من بيان للخارجية العراقية وتصريح رئيس الجمهورية وغيرها من تصريحات تكاد تتناغم بالمحتوى والعدد مع التي صدرت بصدد شجب تصريحات السفير السعودي، والتي لم تكن تصريحات وانما لقاء تلفزيوني وكانت هناك أسئلة واجوبة والسفير طرح وجهة نظره، ومن تحليل اللقاء بمجمله دون اجتزائه، نجده لم يحمل أي واجهة عدائية للعراق، وليس غايته التدخل في سياسة العراق الداخلية، ولو اردنا نقارن تصريحات القادة الإيرانيين ومع ما قاله السفير السعودي لنجد الفارق كبير جدا، واكبر منه حضور السفير الإيراني اجتماعات قيادة العمليات تحت حجة تامين حماية الزوار الإيرانيين، اليست هذه الوقائع المنظورة والحقائق الملموسة في الميدان السياسي تعد تدخل واستهانة وعلى حساب السيادة العراقية، اين كانت وزارة الخارجية عندما يصرح القادة الإيرانيين تصريحات (بحدود ثلاثون تصريح) ملؤها وعنوانها نفوذ واسع ومتغلغل في جميع مفاصل القرار العراقي السيادي، ألم يسمعوا ما صرح به مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي بأن “إيران أصبحت إمبراطورية کما کانت عبر التأريخ وعاصمتها بغداد حاليا”، وزيارة رحيمي للعراق حيث قال:" كل ما يشتهيه الإيرانيون في العراق"؟ أم أن هذه الأفعال والأقوال لا تعد مساسا بالسيادة العراقية أم أن خصائص السيادة من قوى سياسية في بلد ما تختلف عن الأخرى؟
فاين كانت الوزارة من تلك التصريحات والممارسات؟ هل كانت في العناية المركزة؟ سيما انها تعد الوزارة السيادية الأولى في البلاد، ولها طبيعة خاصة وأهمية كبيرة على مستوى علاقات العراق الخارجية.
ومن رصد التصريحات التي صدرت ردا على كلام السفير السعودي، سنقف أمام حقيقة واحدة بأن وزارة الخارجية وبعض القوى السياسية تتعامل مع مسألة السيادة العراقية وفق مبدأ افتقاد الوزارة لمعيارية التعامل مع الجميع، إذ تستحضر هذه السيادة والدفاع عنها بحماسة فائقة في وجه الدول العربية، وتستدعى سفرائها كاستدعاء السفير السعودي، ويغيب الحديث تماما عنها في وجه ممارسات النظام الإيراني في العراق.
وبادر السفير السعودي، وصرح في صحيفة الوطن السعودية، إن "تصريحاتي لإحدى الفضائيات العراقية بشأن الحشد الشعبي حوّرت"، مؤكداً أنه "عند سؤالي عن الحشد الشعبي، أجبت بأن المملكة لا تؤمن إلا بالدول والعمل المؤسساتي بها، ... وهذا ما قصدته ولم أقصد التدخل في الشأن الداخلي لأية دولة". قال السفير أيضا إن "أكثر شخص أحرص على مقابلته هو السيد السيستاني".
أن تصريحات السفير السعودي غير مناسبة في رأينا؛ في التوقيت فقط، وكانت تساؤلا وردا على سؤال جاء في المقابلة بشأن الميليشيات المنضوية تحت الحشد الشعبي، ورأيا اصطبغ بما يجري في الواقع في العراق وتكرارا لما تردد رسميا في الأوساط العراقية وصدى لما كان يتداوله الساسة العراقيون، ولم تخرج عن سياق اللياقة الدبلوماسية، والسفير السعودي وكما ايدته كتل سياسية، لم يفتئت أو ينتقص من السيادة العراقية، وكان واعي في استخدام مفرداته، ويدرك طبيعة عمله كدبلوماسي يمثل دولته مسؤول عن تصريحاته، التي عدها دبلوماسيين كثر انها لم تتجاوز الأصول الدبلوماسية وتضمنت معظم الحقائق التي يعرفها ويتابعها ويعيشها العراقيون وتتداولها وسائل الإعلام العراقية والعربية والإقليمية والدولية، ولم تداهن أو تخفي أو تتجاوز الحقائق الملموسة على الأرض، ومنها محافظة ديالى وما جرى بها، فهي بطبيعة الحال أسئلة ترد في ذهن كل المتابعين للشأن العراقي، منها هناك حقيقة، وهي رفض الحشد الشعبي المتكون من المليشيات وليس حشد المرجعية الرشيدة، فقد أكدت تصريحات متكررة للمرجعية الشيعية في خطابات عدة إضافة إلى تصريحات للسيد مقتدى الصدر أيضا حول خطورة تلك الميليشيا المنضوية تحت مسمى الحشد الشعبي للمرجعية، وهي حديث الدائر بين عدد من السياسيين والمسؤولين في السلطة العراقية، وهذه حقيقة اكدها حتى رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب وتقارير العفو الدولية والأمم المتحدة تشير بأدلة لتلك الجرائم التي تصدر من المليشيات المنضوية في الحشد الشعبي، والسفير السعودي قطعا وحتما، هذه الوقائع والتقارير ليس ببعيد عنها، ولا بد ان نفهم الصورة على حقيقتها والابتعاد قليلاً عن شاشات الفضائيات وصفحات الفيس بوك لندرس الوقائع والمعطيات التي يجب تفاديها حتى لا يؤثر ذلك على العلاقات بين البلدين، بخاصة، مازالت التصريحات تتوالى من قبل الاطراف السياسية، بين مؤيد ومعارض للتصريحات، وفقاً للانتماءات الضيقة ولا وجود لشيء اسمه الوطن، فلم يصرح أحد ولم يعط رأياً يتناسب ومصلحة الوطن العليا، لم يدرس احد تصريحات السفير ثم يصرح وفقا لأسس علمية وعملية، الكل صرح بناءً على مصلحة الطائفة والمذهب.
وليس بعيدا من ذلك عندما قام وزير الخارجية بإصدار بيان يعد نكسة مؤلمة وموجوعة بحق عنفوان السياسة الخارجية العراقية؛ عندما نشرت الخارجية العراقية بياناً على موقعها أن الجانبين بحثا "القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومنها تصريحات السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان لوسائل الإعلام، والتي مثـلت تدخلا واضحا في الشأن الداخلي العراقي، وخروجا عن لياقات التمثيل الدبلوماسي، إضافة إلى حديثه بمعلومات غير صحيحة"، وأوضح بعدها رئيس الإدارة الإعلامية بوزارة الخارجية السعودية أسامة نقلي في 27/1/2016: ان “ما نُقل على لسان الوزير عادل الجبير غير دقيق”، مشيراً إلى أن “الحديث مع وزير الخارجية العراقي تركز على بحث العلاقات الثنائية بين البلدين”.
ان وزارة الخارجية ببيانها هذا وتكذيب الخارجية السعودية لذلك يعد انتكاسة كبيرة، كيف لوزارة ان تنسب قولا لوزير دولة مجاورة ما لم يقله؟ ان ذلك يعد في الأعراف الدبلوماسية ومبادئ العلاقات بين الدول كذب مفضوح، وجاءا ارضاءا لكتل سياسية تعمل بأجندة معلومة، وكما فعلناه في قضية المعارضين، والخارجية السعودية تبنت تصريحات السفير السعودي، ولم تنجح الخارجية العراقية في ازالة الغبار الذي كان يلف الحقيبة الدبلوماسية بأكملها، وجعلت صوت العراق السياسي في كل المحافل يأتي مسانداً للسياسة الإيرانية ومخالفاً لكل التوجه العربي الذي يكاد يقاد من المملكة السعودية، وليس هناك نشاط يبعد العراق عن حلبة صراع الموازنات الإقليمية، وتعمل الوزارة على تنفيذ اجندات معروفة تتنافي مع المصالح العليا للعراق فضلا عن اتباع سياسة المعايير المزدوجة اتجاه الدول العربية والاقليمية وبالأخص الدول المجاورة، وتجيير موقف العراق لصالح دولة إقليمية، وابقاء العراق تحت رحمة قيادات الاحزاب والمليشيات المدعومة إقليميا.
ان تصريحات السبهان وما لحقها من بيان لوزارة الخارجية السعودية، مجرد سلوك دبلوماسي في سياق العلاقات الدولية وهو لا يحمل في طياته أي مؤشر على تحوّل أو تغيّر في السياسة الخارجية السعودية، واغلب دول الخليج مواقفهم متشابهة وتعيش حالة الاستقرار في السياسة الخارجية، وينظرون للواقع العراقي بعين الريبة وعدم الثقة، ودول الخليج العربي انتقلت من سياسة “الحد من الضرر” إلى “إيقاف الضرر” ومنعه من الوصول إليها وإلى أماكن نفوذها.
ان هذه المواقف تؤدي الى الاضرار بالمصلحة الوطنية، ان الآلية التي يخرج عنها اي خطاب او تصريح او موقف من وزارة الخارجية العراقية وكما اكدناها في مقالات سابقة؛ يجب ان يكون مدروس والموضوع ليس نزهة بل كل كلمة يتضمنها اي خطاب او تصريح خاصة اذا كان بصدد علاقات دولية وبالأخص اذا كان مطروح في الامم المتحدة، لان ذلك يعني التزام دولي على العراق ويثبت في محاضر جلسات الأمم المتحدة وغيرها ويعتبر وثيقة رسمية، وهناك بعض التصريحات ممكن ان توجه فيها لراعي السياسة الخارجية تهمة الخيانة العظمى خاصة عندما يتعامل بازدواجية تجاه تصريحات وممارسات تؤكد بشكل قاطع بان هناك تدخل سافر ومخيف من ايران وهذا ما تؤكده مئات التصريحات واخرها بيان الجامعة العربية وبيان مجلس التعاون الخليجي وعشرات التصريحات الامريكية وسياسيين عراقيين وغيرهم والامر لا يحتاج الى بحث وتقصي بل الأدلة مادية ومباشرة ويقينية على هذا التدخل والوزير ومعه الحكومة تحاول تسويف ذلك في الغرف المظلمة.
أن ما يحدث في العراق هو اختلاف سياسي وأجندات سياسية قد تكون خارجية وأريد استغلال العامل الطائفي في تزكيتها أو إعطائها روحا أخرى وبعدا آخر، وهؤلاء المغرضين لا ينظرون الا بعين واحدة ويسعون الى ربط مصالح العراق وامنه بالتوجهات الخارجية.