في ذي قار 1200 موقع أثري ولكن بدون زائرين

تحضرني قصة لا اعرف مدى صحتها من ان أحد الغربيين قد شاهد مجموعة من العراقيين من احدى المدن الزراعية وهم يقرأون الادعية وهم في طريقهم الى خارج المدينة. ولما سأل الغربي أحد مساعديه ماذا تروم هذه المجموعة فعله , اجابه انهم ذاهبون لأداء صلاة الاستسقاء عسى الله ان يرحمهم بالمطر . فأجابه الغربي لو كنت الله لما انزلت عليهم قطرة واحدة من المطر , هؤلاء يطالبون الله بالمطر ويملكون نهرين عظيمين.
ذي قار , لديها 1200 موقع اثري يطابق ذوق وهواية واختصاص جميع المهتمين بالتاريخ البشري , فعلى ارضها بنيت اعظم الحضارات وهي السومرية , الاكدية , البابلية, الاخمينية , الفرثية , الساسانية , والإسلامية. وفيها بنى نبي الله إبراهيم بيته , وفيها زقورة أور , والمقبرة الملكية , وقصر شويكي الذي يحتضن اقدم محكمة في التاريخ "دي لإل ماخ". وذي قار لديها الاهوار , المسطحات المائية والتي تعد جنة عدن على الأرض , وذي قار لديها الشباب الراغب والقادر على العمل ولكن مع كل الأسف يعاني نسبة كبيرة منهم من العطالة . وهناك الملايين من البشر من جميع العالم يرغبون بزيارة هذه الاثار. بكلام اخر , ذي قار عندها الخبز التفتوني ولكن لا تعرف من اين تأكله.

ولكن لا يمكن وضع اللوم على محافظة ذي قار وحدها بدون لوم الحكومة الفدرالية وممثلها وزارة الثقافة. وزارة السياحة قبل دمجها مع وزارة الثقافة وقعت قبل عامين مذكرة تفاهم مع الفاتيكان بموجبه يسمح لمسيحيي العالم زيارة المواقع الاثرية في ذي قار وقد توقع مسؤولي الوزارة ان العدد المتوقع من الزائرين سيكون بالملايين. ولكن هذا المشروع، حسب ما صرح به رئيس هيئة السياحة التابعة لوزارة الثقافة قد توقف نتيجة دمج وزارتي السياحة والثقافة! ما علاقة الدمج بتوقف المشروع؟ لا يمكن تفسير قرار توقف المشروع الا اذا كان هناك نوع من الزعل او تصفية حسابات , او كما يقول المثل العراقي " لو العب لو اخرب الملعب ". على ما يبدوا ان وزير الاثار خسر وظيفته بسبب الدمج فقرر وقف المشروع انتقاما , علما ان هذا المشروع قد يكون القائد في دعم التنمية الاقتصادية في محافظة ذي قار, تخفيف ازمة العطالة في البلاد , تخفيف حدة الازمة المالية للبلاد , والاهم هو تعريف العالم بما يزخر العراق من ارث حضاري عالمي وبالمجان .

التركيز على أهمية السياحة للاقتصاد العراقي اصبح معروفا حتى للذين لا يحملون الشهادة الابتدائية وكل ما نحتاجه ان نسأل عامل المطعم في النجف الاشرف عن أهمية الزائرين لهذه المدينة المقدسة , او سؤال سائقي سيارات الأجرة في كراج بغداد , او عامل الفندق في كربلاء المقدسة , او تجار المفرد في أي من المدن المقدسة . ولكن في الإعادة افادة. يجب علينا عدم الملل او الكلل من تذكير الحكومة بأهمية قطاع السياحة والذي يمكن ان يكون الانطلاقة الحقيقية للتقدم العمراني في العراق والقائد في التنمية الاقتصادية. لان انعاش القطاع السياحي في ذي قار , على سبيل المثل , سيتطلب انشاء الطرق العامة , الجسور , تشجير المدن , المطاعم والفنادق , مناطق استراحة , دور سكنية , وبقية البنى التحتية . وكذلك إنعاش السياحة الدينية يتطلب تهيئة البنى التحتية التي تستطيع استيعاب الزائرين.

ان بقاء المدن السياحية سواء كانت الدينية او الثقافية بدون بنى تحتية والتي تعاني من نقصها الان لا يمكن السكوت عليها , لان الأزمة المالية التي يعاني منها العراق الان يجب ان تكون درس بليغ للسادة في بغداد والمدن السياحية وهو ان لا يجوز على البلد الاعتماد على بيع سلعة واحدة أسعارها عرضة لتقلبات السوق , وانما يجب ان ترفد هذا القطاع بقطاع اخر اكثر استقرارا وهو قطاع السياحة . ومن اجل إنعاش قطاع السياحة فلابد من توجيه ميزانية الدولة وميزانية المحافظات ذات المراكز السياحية نحو تطوير وتحسين البنى التحتية لهذا القطاع. لا نريد ان نقوم بحملة إعلامية لتشجيع السياحة في العراق ولا يوجد فنادق مؤهلة لاستقبال السائح الأجنبي , او المطاعم , او الطرق الرئيسية , او مراكز مدن نظيفة جميلة وبعمارة عراقية تقليدية , او مناطق استراحة للزائرين بين المدن او مراكز ترفيهيه , خدمات بنوك متقدمة , وتامين .

محافظة ذي قار وان كانت غنية بالمواقع الاثرية ولكن ينقصها البنى التحتية لجذب الزائرين. كما ذكرت رئيسة لجنة السياحة والاثار في مجلس المحافظة بان المحافظة لا تملك بنى تحتية كافية لاستيعاب الوفود المليونية من الحجاج المسيحين والذين يرغبون بزيارة بيت النبي إبراهيم، وهكذا بقية المواقع الاثرية في هذه المحافظة خالية من الزائرين ويحوم حولها سراق الاثار وعبث العابثين. على قادة المحافظة عدم الانتظار لرحمة الحكومة الفيدرالية التي تحيط بها المشاكل من كل جانب , والتوجه بوضع الخطط الكفيلة بإنعاش هذا القطاع. ان انتعاش قطاع السياحة في محافظة ذي قار سوف لم يطور المحافظة اقتصاديا واجتماعيا و ثقافيا فحسب , وانما سيشمل خيرها المحافظات القريبة منها ونموذجا ناجحا يستخدم في بقية المحافظات خرى . البرج المائل في إيطاليا (موقع واحد) يحج له ما يقارب 20 مليون زائرا من جميع اقطار العالم كل عام , ويمنح فرص العمل للرومانيين ما يقارب النصف مليون فرصة عمل . بكل تأكيد 1200 موقع أثرى موزع على طول محافظة ذي قار سوف يخلق فرص عمل هائلة الى درجة لا يحتاج ابن الناصرية الرحيل الى بغداد للعمل في قطاع البناء او الوقوف في طابور طويل امام دوائر التجنيد , بل سيعود الى قيثارته لينشدنا لحن الخلود .