لقد شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى عندما خلق الخلق جعل لهم أو سخر لهم من يحميهم من التهديدات التي يتعرضون لها في مسيرة حياتهم وعيشهم حتى يستمروا بالحياة ، وهكذا الشرائع السماوية عندما أرسلها الى الخلق عبر الأنبياء والرسل جعل عليها من يحميها ويصونها من التهديدات الوجودية أو التشويهات في أحكامها بالإضافة الى توضيحها عندما يلتبس شيء من أحكامها وتعاليمها أمام الخلق ، فكان الأنبياء والرسل والأوصياء (صلوات الله عليهم) حماة الشرائع السماوية التي يبلغون بإيصالها للناس ، وبغياب النبي أو الرسول او الوصي عن هذه الشريعة يتم التحريف والتشويه في التعاليم والأحكام بل وصل حتى الى أساس كل الشرائع وهو التوحيد وهذا ما حدث في جميع الديانات وما اليهودية والنصرانية إلا أبسط مثال نعيشه في حياتنا اليومية ، ولكن تبقى هذه الديانات لفترة محددة ولم تحمل الخاتمية والكمال والإستمراية الى نهاية الحياة الدنيا أي بعبارة أخرى كانت التحريفات والتشويهات التي تعترض الشرائع يأتي من يصلحها ويحذف الدخيل عليها من الأنبياء والرسل الذين يبعثون لهذه المهمة وهكذا كانت مهمة موسى أو عيسى صلوات الله على نبينا وآله وعليهم أجمعين ، ولكن المهمة الأصعب هي حماية الشريعة أو الدين من التهديد المادي والمعنوي وجعلها مستمرة الى الأبد مع عدم التفكير بوجود نبي أو رسول سيبعث لتصحيح الانحرافات أو حذف التشويهات التي قد تطرأ عليها ، فكانت الشريعة هي الإسلام والمهمة الأصعب في الحماية والنصرة هي التي تحملها أبو طالب وأبنائه سلام الله عليهم أجمعين في حماية الإسلام إن كان في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعد زمانه الى قيام الساعة ، فقد حاما أبو طالب عليه السلام الإسلام من لحظة انطلاقته فكان كالغيمة التي تضلل الدين وصاحبه صلوات الله عليه وعلى آله من اي تهديد أو تحدي حتى وافته المنية وهو يحمل أعباء الحماية والنصرة ، ولأهمية الدور الذي قام به أبو طالب عليه السلام وخطورته فان الله سبحانه وتعالى قرن بقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة بوجود أبو طالب عليه السلام وعندما توفى أبو طالب عليه السلام أتى النداء منه سبحانه وتعالى عن طريق جبرائيل عليه السلام ( أخرج منها (من مكة) فقد مات ناصرك ).... (1) فما أعظمها من شهادة يعلقها الله سبحانه وتعالى في عنق أبي طالب عليه السلام عندما يعطيه صفة النصرة والحماية لمن ؟؟ لسيد الخلق وأفضلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال رسول الله (ص) ( ما نالت مني قريش حتى مات أبو طالب ) ........(2 ) وقال رسول الله (ص) بحق أبو طالب حين موته ( يا عم ربيت صغيرا وكفلت يتيما ونصرت كبيرا فجزاك الله عني خيرا)......(3 ) ، ونتيجةً لشدة مضايقة مشرك قريش للمسلمين فقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بالهجرة الى الحبشة وبعث عليهم جعفر بن ابي طالب عليه السلام فكان قائدهم وعالمهم الذي يعلمهم تعاليم دينهم ولسانهم الذي يذب عنهم الإشكالات والتساؤلات وقد حاما عن الإسلام والمسلمين في الحبشة وأرجع وفد قريش المحمل بالجواهر والحلي المغلفة بالمكر والدهاء ، ولكن حنكة وعلم وسريعة بديهة وإيمان جعفر عليه السلام هي التي جعلت جواهر قريش ونفائسها كالتراب الذي ليس له قيمة بنظر ملك الحبشة والمحيطين به بل جعل النجاشي ينجذب الى الإسلام ومع من رافقه من قساوسة وندماء...... (4) ، فلم يترك جعفر بن أبي طالب عليه السلام أرض الحبشة إلا وأنبت فيها بذرة الإسلام وهذه هي اليوم نراها شجرة باسقة وكبيرة تضلل بضلالها أكثر الدول الأفريقية جميعها ببركة وجود جعفر أبن أبي طالب عليه السلام في أرض الحبشة ، فلم يترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) الإسلام والمسلمين منفردين بدون حامي في الحبشة بل كان حاميهم وراعيهم وعالمهم والمدافع عنهم هو جعفر بن أبي طالب (عليه السلام).
وفي مكة بعد وفاة ابي طالب عليه السلام والمدينة بعد الهجرة كان الحامي والناصر علي بن أبي طالب عليه السلام فكان السبّاق الى حماية ونصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان النوم بالفراش وقتاله بمعركة بدر وجهاده في معركة أحد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضربته يوم الخندق وقتله لمرحب وفتح خيبر وتكسير الأصنام يوم فتح مكة وانتصاره في غزوة ذات السلاسل وخلافته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة في غزوة تبوك وتبليغ سورة براءة ولم يترك الدنيا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ونَّصب على الأمة علي بن أبي طالب عليه السلام إماماً وقائداً وخليفةً في يوم الغدير ،وقال الحسن البصري فيه (أستوى الإسلام بسيف علي (عليه السلام) ......(5 ) فكان الحامي والناصر للإسلام والمسلمين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرغم من جفاء الأمة له والانقلاب عليه واغتصاب حقه في الخلافة والقيادة واغتصاب حق زوجته سيدة نساء أهل الجنة عليها السلام ، ولكن بقى الأب الرحيم والحامي اليقظ لكل ما يدور حول الأمة من مخططات شيطانية لإبعادها عن دين الله القويم ، فكان المسلمون قاطبة تحتاج إليه في مسائل دينها ودنياها ، حتى قال فيه عمر بن الخطاب أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا ابا الحسن ......(6) وقال لولا علي لهلك عمر..... (7) ، وقد استلم من بعده حماية الدين ابنائه الحسن والحسين عليهم السلام ومن بعدهم الأئمة التسعة من ولد الحسين عليه السلام وهذا تطبيق واضح وجلي لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) عن جابر بن سمرة في صحيح البخاري ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يكون إثنا عشر أميرا فقال كلمة لم اسمعها فقال أبي إنه قال كلهم من قريش)......( 8) روي عن جابر بن سمرة في صحيح مسلم (دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة قال ثم تكلم بكلام خفي علي قال فقلت لأبي ما قال قال كلهم من قريش )......(9) وقال رسول الله (ص) (الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها).......(10) ، فقد كان أئمة أهل البيت عليهم السلام حماة الإسلام والمسلمين الى قيام الساعة كما ثبت في هذه الأحاديث وغيرها كثير قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الأخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )..... ( 11) ، والمشهور عنهم سلام الله عليهم (لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها )....... (12) وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بالإسلام كدين وجعل له وللإسلام حماة ومدافعين ومرشدين وهادين إليه من لحظة انطلاقته الى قيام الساعة هم أبو طالب وأبناءه سلام الله عليهم أجمعين فقد كانوا بحق حماة الإسلام .
(1) ينابيع المودة لذوي القربى- للقندوزي ج1 ص455 ، بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج 35ص158 ،مستدرك سفينة ألبحار الشيخ علي النمازي الشاهرودي ص 560 ، شرح نهج البلاغة – أبن أبي الحديد المعتزلي ج 14ص70(2) (2) تاريخ ابن الأثير ج2ص 21،تاريخ الطبري ج2ص 344 بإضافة ما أكرهه (3) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 35(4) ابن حجر العسقلاني – الاصابة في تمييز الصحابة ج2ص86(5) كشف الغمة-أبن أبي الفتح الأربلي ج 1 ص 322 ،كشف اليقين – العلامة الحلي ص 367 ، خصائص الوحي المبين – الحافظ ابن البطريق ص 240(6) (ذخائر العقبى – احمد بن عبد الله الطبري ص82 ،من حياة الخليفة عمر بن الخطاب – عبد الرحمن احمد البكري ص324(7) الإستيعاب – أبن عبد البر ج3ص1103،شرح نهج البلاغة – ابن ابي الحديد ج1ص18،نظم درر السمطين – الزرندي الحنفي ص130(8) صحيح البخاري الحديث رقم 6796(9) صحيح مسلم الحديث رقم 1821(10) الأمالي- الشيخ الصدوق ص173 ،الإمامة والتبصرة – أبن بابويه القمي ص1 ، روضة الواعظين – الفتال النيسابوري ص102(11) فضائل الصحابة – النسائي ص15، المصنف – أبن أبي شيبة الكوفي ج7ص418،منتخب مسند عبد بن حميد بن نصر الكسبي ص108، ماروى في الحوض والكوثر-ابن مخلد القرطبي ص137(12) مستدرك سفينة البحار – السيخ علي النمازي الشاهرودي ص278 ، كتاب في علم الرجال – الشيخ السبحاني ص421
|