هل هذا معقول ؟

 

لا توجد لدينا أزمة مالية ولا توجد لدينا مشكلة اقتصادية، كما لا توجد لدينا إدارة مالية ولا نظام اقتصادي، لا في الحكومة ولا في المجتمع. هل هذا معقول؟

 

ظهرت أزمة الرواتب منذ سنتين تقريباً، ثم تفاقمت: ربُّ الأسرة بدلاً من تحديد نفقاته، أو البحث عن مورد آخر: مشروع صغير أو وظيفة بدوام مسائي، مع الاستغناء عن الكماليات والسفرات السياحية إلى أوربا وتركيا والخادمة والمدارس الخاصة والدروس الخصوصية، ظلَّ كما هو وكأنَّ شيئاً لم يحدث، يتأخر الراتب يلجأ إلى الاقتراض، ويشتري الكماليات بطريقة الأقساط، لأنَّ أحداً لن يقبل لنفسه لأنْ يهبطَ مرةً أخرى بمستواه المعيشي إلى قبل 2003. للاختصار كذلك فعلت الحكومة. هل هذا معقول؟

 

لا يوجد لدينا نظام اقتصادي يمكننا من خلاله حل الأمة أو التنبؤ بها قبل وقوعها. اضطرت أمريكا إلى التخلي عن نظام بريتون وودز عام 1971 الذي يربط كل 35 دولارا بأونصة ذهب، واعتمدت الصرف العائم محررة الدولار من قيد الذهب لمعالجة عجزها الكبير بسبب تفاقم نفقات الحرب الباردة. وقد حذَّر الاقتصاديون منذ 2004 بأنَّ أزمةً وشيكة ومحققة الوقوع بسبب طغيان المضاربات العقارية على حساب الإنتاج، طفَـت الأزمة على سطح وول ستريت في آب 2008 ونمت وانتشرت في أوربا وآسيا حتى اضطرَّت إمارة دبي أنْ تبيع مطارها. اضطرت أمريكا أنْ تتخلى عن شعار تحرير الأسواق، ودعه يعمل دعه يمر، وحرية تدفق الأموال بدون رقابة، ففرضت رقابة أقوى على المصارف والشركات التي تتهرب من الضريبة أو تمارس غسيل الأموال. يجب أنْ نعتمد حقيقة أنَّ النفط لم يعد المصدر الوحيد للطاقة، كما أنَّ العرض في ازدياد بازدياد الدولة المصدرة للنفط مع ارتفاع التكلفة نفقات الجس والبحث والحفر والاستخراج والنقل وعمولات السماسرة. أنْ يذهب ثلاثة أرباع سعر البرميل للسماسرة والشركات، فهذا يعني أنَّ تأميم النفط كان أكبر مصيبة، وأنَّ الاحتلال نعمة لأنهم يدفعون المعاشات دون تأخير، فهل هذا معقول؟

 

لا توجد دولة لم تمر بأزمة اقتصادية، لكن يفعل الجهلة ما يفعله العقلاء بعد مدة طويلة، توجد أزمة إدارة، نقلب المصطلح: إدارة أزمة. لا يوجد لدينا خلية أو عقول مختصة بحل الأزمات. والأزمة قديمة، حدثت منذ أكثر من سنتين، لكن التهاون في حلها، ومحاولة القفز فوقها، جعلها تتفاقم. أين جوهر الأزمة؟ عجز الحكومة عن دفع المعاشات. ما هي الأسباب؟ اعتماد الحكومة على النفط وإهمال الزراعة والصناعة والقطاع الخاص، نحن نستورد كل شيء: خادمات من آسيا وجورجيا وأوكرانيا، الطحين والخضراوات واللحوم والألبان وكل شيء آخر حتى الأيدي العاملة وشركات البناء من تركيا. أكثر من ثلث السكان يعتمدون على ثدي الدولة، وفي دول أوربا لا يأخذ المواطن إلا بقدر عمله، لا بحكم علاقاته وأقربائه، ويتقدم الأفضل والأذكى والأكثر نزاهةً وإخلاصاً للشعب لا للحزب أو لشخص معين. ما هي أبسط الحلول؟ إعادة جدولة المعاشات والتقاعدات وتخفيض سلم الرواتب وفصل الفضائيين والمزدوجين والفائضين عن الحاجة والدرجات الرفيعة الوهمية. أنْ يفصل الإنسان نفسه من الوظيفة أو صهره أو شقيقه في صحوة ضمير مفاجئة أم ننتظر ارتفاع أسعار النفط أم نركب بحر إيجة المجنون؟ يا ناس هل هذا معقول؟

 

بمقدور السلطة أنْ تدوس على الشعب كله، وتتركه بلا معاشات لعدة شهور، وبمقدورها أنْ تهدد بغداد، وطهران وأنقرة، وتدعو أمريكا إلى عدم التدخل، وأنْ تقاتل تنظيم داعش الإرهابي الذي يقف العالم كله عاجزاً أمامه على جبهة تمتد لآلاف الكيلومترات، لكن ليس بمقدورها محاسبة فاسد واحد. هل هذا معقول؟ قبل خمس سنوات كان لدينا 6667 خبيرا و1162 مديرا عاما وألف وزير متقاعد، وربما لدينا ألف لواء شرطة متقاعد وألفي لواء عسكري متقاعد، وكلما ازدادت أعداد المسؤولين انخفضت أسعار النفط هل هذا معقول؟