تبدو مخاطر انهيار أسعار النفط حاليا ، في ظاهرها ، وكأنها لعبة اقتصادية تتحكم بها دول كبرى بعينها ، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، هذه اللعبة مبعثها دوافع سياسية بعيدة الأمد وقريبة في آن معا .. فمع وجود مشاكل وأزمات سياسية دولية متشعبة تشترك في نتائجها وأسبابها مع الصراع القائم للهيمنة على المشهد السياسي والدولي ، ومع وجود الإرهاب وانعكاساته الأمنية والاقتصادية على مفترق الصُعد والاتجاهات ، يتضح لنا في المجمل أن ثمة إستراتيجيات خبيثة تتحكم بأزرار الحسابات والأرقام لهذه السوق ( السوق النفطية ) وتقلباتها باتجاه الانهيار في الأسعار .. بحيث يبدو للمتابعين والمحللين أن ثمة حربا غير معلنة بين طرفين يقفان على النقيض من رؤيتهما ومواقفهما من المشاكل والأزمات والصراعات الجارية حاليا ، لا سيما ما يحدث في سوريا واليمن وحتى العراق وغيرها من المناطق الملتهبة وغير المستقرة في مناطق الشرق الأوسط والعالم.
كما يبدو دخول طرف قوي وفاعل مثل روسيا ، في مواجهة سياسات أمريكية لاعبة على الحبل المتأرجح للأحداث ومحاولة الأمريكان وحلفائها في الحد من هذا التأثير الروسي الذي أعاد توازن القوى التي اختلت في فترة معينة بسبب غياب الروس وحلفائها من الدول الاشتراكية ، وهيمنة القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة ، وعودة ما يعرف بالحرب الباردة بين الطرفين المتضادين ، مع دخول الروس القوي في محاربة داعش وأعوانها في سوريا والنتائج الباهرة المتحققة على الأرض السورية بفضل الانتصارات العسكرية المتحققة للجيش السوري ، وهزائم الإرهاب اليومية في العراق ، كل هذا يجعل من أمريكا وحلفائها في المنطقة ، ومنها السعودية ودول الخليج ، كل ذلك يساهم في هذه الحرب النفطية التي ربما ستدخل مرحلة أخرى أكثر خطرا ، إذا لم يتم احتواؤها قريبا ..
السوق النفطية اليوم غارقة بالنفط وبعض الدول كالسعودية تستخدم الحد الأقصى من قدرتها على إنتاج النفط في محاولة منها للسيطرة على أسواق النفط ، والتناغم مع سياسية أمريكا في اللعب على هذا الحبل الخطير ، وتهيئة نفسها لما يمكن أن يعترضها في طريق المنافسة مع إيران في المنطقة التي عادت وبقوة إلى السوق العالمية بعد رفع العقوبات الدولية عنها مؤخرا ، حيث أكدت إيران بأن لديها الإمكانية لرفع إنتاجها إلى 4 ملايين برميل يومياً ، وعلى الرغم من سعي السعودية الحثيث إلى السيطرة على أسواق النفط إلا أنها فشلت في الاستحواذ والهيمنة على سوق النفط العالمية ومايزال المنتجون يقاومون للحفاظ على حصتهم في الأسواق العالمية.
وفي ظل مواجهة كبيرة للإرهاب في العراق وسوريا وهزيمة داعش وزواله الذي بات قريبا في الأفق ، بفضل تضحيات وبطولة الجيش والحشد الشعبي في العراق، وكذلك ما يحققه الجيش السوري من انتصارات كبيرة على أراضيه المغتصبة ، بمساعدة الطيران الروسي الفاعل ، تبقى أسعار النفط مصدر قلق لهذه الدول التي تحارب الإرهاب الذي تغذيه أمريكا والسعودية وتركيا ، باتجاه هدف خطير اسمه التقسيم.. التقسيم الذي ترقص له إسرائيل وتخطط له منذ زمن بعيد.
كما يرى المحللون والمراقبون في السياسة والاقتصاد أن ‘‘الاقتصاد العالمي لن يتحمل هذه الأسعار المتدنية والركود في الأسواق و يمكن أن يؤدي إلى انهيار البنوك الكبرى وإفلاس العديد من الدول حيث لا نستطيع بأن ندرك حجم الكارثة التي نحن مقبلون عليها في حال استمرت بعض الدول بسياسة اللعب بالنار وعدم الاكتراث لحجم الآثار التي يمكن أن تسببها الأزمة النفطية العالمية‘‘.
|