مبيعات البنك المركزي وعلاقتها باحتياطي العراق من الدولار

منذ أيام وأسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي ترتفع بشكل ملفت للنظر ، فقد وصل السعر إلى 1240 دينار لكل دولار في الأسواق المحلية حاليا ويكاد يكون هذا السعر ثابتا منذ أيام ولكنه ليس ثابتا على مر الأيام ، ولا نعلم أسباب هذا الارتفاع ومسوغانه لان البنك المركزي العراقي يغطي كافة طلبات الشراء بما يسمى بمزاده اليومي ، ففي جلسة أمس ( الثلاثاء ) قام ببيع 149,039,457 مليون دولار إلى 26 مصرف و21 شركة للتحويل الخارجي بسعر بيع قدره 1190 دينار لكل دولار ، وقد تمكن البنك من تلبية جميع طلبات الشراء البالغ عددها 47 طلبا وبذلك تتحقق مبيعات للدولار عبر البنك المركزي خلال العام الحالي أكثر من المتحققة في العام السابق ، فقد بلغت المبيعات من 2/ 1 / 2016 إلى 2/ 2 / 2016 مبلغا قدره 3,624,981 مليار دولار بعد أن كانت 2,995,081 مليار دولار للمدة من 4/ 1/ 2015 إلى 2/2 / 2015 ، رغم إن هذه المبالغ هي اقل بكثير من إيرادات بيع النفط العراقي وهي المصدر الأساسي للعملات الأجنبية الداخلة للعراق فحسب بيانات وزارة النفط العراقية فان مبيعات النفط خلال شهر كانون الثاني الماضي قد بلغت 2,262 مليار دولار أي إن البنك المركزي باع بأكثر من مجموع إيرادات النفط بأكثر من مليار وثلاثمائة واثنان وستون مليون دينار ، مما يتطلب البحث عن إجابة لسؤالين :
الأول : من أين جاءت هذه الأموال للبنك المركزي وهي أكثر من إيرادات تصدير النفط ؟
الثاني : لماذا تنخفض أسعار عملتنا المحلية رغم إن مبيعات الدولار تغطي طلبات الشراء ؟
ونود الإشارة هنا إلى إن أسعار الصرف السائدة حاليا في الأسواق العراقية تشير إلى إن مكاتب الصيرفة تربح 5 آلاف دينار عن بيع كل ورقة من فئة 100 دولار وان هذه الأرباح مستمرة بدون جهد يذكر لان العملية تتلخص بشراء الدولار من البنك المركزي وبيعه لمن يشاء ، وبشكل يشير إلى إن منافذ بيع الدولار لا تخضع لأية سيطرة أو رقابة أو مساءلة من قبل الجهات المعنية في الدولة لان البيع يتم جهارا نهارا وليس في الخفاء ، ومن وجهة نظر المعنيين ببيع وشراء العملات ( الصيارفة ) فانه ليس هناك احتكار لان القضية تخضع إلى العرض والطلب ، ولكن الشيء المعلوم في المعادلة إن العرض غير محدود لان البنك يغطي جميع الطلبات والطلب غير معروف إن كان داخليا أو خارجيا فهناك منافذ متاحة لخروج العملات ، ورغم وجود عدد محدود من المستفيدين من العملية إلا إن المتضرر الأكبر هو المواطن باعتبار إن جميع السلع والخدمات المعروضة في الأسواق مقومة بأسعار الدولار فترتفع بأكثر من ارتفاع أسعار الصرف ولا تنخفض عند انخفاض أسعار صرف الدولار ، ولعل ما يقلق المواطن هو الهدر العلني في ثرواته الوطنية من الدولار ووضعها بيد فئات محددة تتحكم بأسعار الصرف دون أن تتاح لأي مواطن الحصول على حاجته من الدولار بالأسعار الرسمية لمختلف الأغراض أو لكونه مواطن فحسب مما يعني ثراء الآخرين على حساب الشعب .
وان التباين الحالي بين أسعار بيع الدولار في البنك المركزي ( 1190 دينار) وأسعار بيعه في الأسواق المحلية ( 1240 دينار ) يثير قلق وخوف المواطن العراقي ، لأنه إذا كان الفرق بهذا القدر والبنك يغطي جميع طلبات الشراء فإلى ماذا ستصل الأسعار عندما يقلص البنك مبيعاته بحدود الإيرادات النفطية الفعلية أو يقللها من باب الاحتفاظ باحتياطيات أو يلغي المبيعات لغرض التصرف العقلاني بالعملات الأجنبية ؟ وما هو انعكاس ذلك على أسعار السلع والخدمات بعد أن تم تقليص الرواتب وتم البدء بتطبيق التعريفة الكمركية ويوميا تظهر المزيد من الضرائب والرسوم والاستقطاعات ؟ إنها أسئلة مشروعة وتثير القلق فعلا ، فهناك الملايين من الجياع ويعانون البطالة ويدفعون الإيجارات وبعضهم نازحين أو مرضى أو مقعدين ولديهم سجناء ومفقودين وشهداء ومنهم أيتام وأرامل أو عوانس ، وفي ضوء هذه التساؤلات فان البنك المركزي العراقي يجب أن تكون له إجابات واضحة ومن واجباته المهنية والرسمية طمأنة الجمهور من باب تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي ، فالبلد لا يزال يخوض حربا ضروس ولا توجد نهايات واضحة لما ستؤول إليه الأمور في المجالات كافة والجانب الاقتصادي يتعلق بمعيشة المواطنين ، وهذه المعيشة باتت من المعسرات ولا يتم تجاوزها بيسر أو سهولة بضوء التعقيدات المتتالية في تسيير أمور الحياة ، ولعل الأمر الأكثر أهمية هو تخوف المواطن من التصرف باحتياطيات البلد من الدولار الموجودة لدى البنك المركزي العراقي ، فهناك من يعتقد بان بيع الدولار بالمزاد يوميا وشهريا بأكثر من إيرادات النفط ربما يشير إلى التصرف بهذه الاحتياطيات ، والبعض يذهب بعيدا فيقول ربما نصحوا يوما فيقال إن الاحتياطيات قد انخفضت أو نفذت ، وهذا تكرار لما حصل سابقا إذ كانت الأرقام تشير إلى 76 مليار دولار ويتم التحدث اليوم عن 59 مليار دولار .