بالإضافة الى ما قدمته النظريات المختلفة ، وعبر قرون ربما ، حول معنى العمل والعمالة ، وتحديد كل ما يحيط بهما . نرى اننا لازلنا بعيدين عن اية تطبيقات عملية ، عدا بعض التجارب التي مرت عندما طبقت انظمة عمل في المؤسسات التي كانت تدار من قبل الاجانب مثل السكلة الحديد ، النفط ، الموانئ والتي سرعان ما عصفت بها رياح الفوضى التي عمت بلادنا منذ اكثر من نصف قرن .

     ولا زال الكثيرون يتحدثون عبر وسائل الاعلام بتخبط همه منه ان يعيب على الموظف انه لا يعمل لأكثر من دقائق معدودة يومياً . ربما لا يخلو هذا التشخيص من صواب غير امثالنا يستذكرون وبسرعة الايام التي كنا نعمل خلالها لأكثر من نصف عدد ساعات اليوم ونحن في قمة السعادة لا نتذمر ولا نتأفف ولا نتعب .

     كان هناك شيء اسمه JOB DESCRIPTIONواخر

JOB SPECIFICATIONواعتقد انهما ادخلاً الى هياكل العمل في المؤسسات الحكومية بشكل او بآخر وثبت ان وجودها لا ينتج عنه تحقيق الغرض دون تهيئة الادارة القادرة على التطبيق والسيطرة والمراقبة .

    وربما نكون اليوم في اعلى درجات الحاجة لنراقب الاخرين ونرى ما لديهم ، من خلال ما قالت به ابنتي الصغرى المغتربة ( غادة ) من طرح ، لعل فيه فائدة رغم انه فلسفي بعض الشيء اذ تقول في رسالتها الثالثة :

العمل متعه كبيرة …

نعم .. العمل متعة كبرى .. والدخول في معترك العمل في بلد غير وطنك الام .. تجربة ثرية بكل المقاييس .. فيها الكثير من التحديات وفرص التعلم .. طالما فكرت ان التعلم يعني الحياة .. ما دمنا نتعلم شيئا جديدا كل يوم فنحن اذن نحيا كل يوم .

كانت اولى ملاحظاتي عن طريقة العمل والعاملين هنا .. وانا بالطبع انقل هنا صورة محدودة من تجربتي الشخصية البحتة التي لا تنطبق على كل اماكن العمل في مختلف المجالات هنا.. لكنها تحمل بالتأكيد عوامل كثيرة مشتركة تعطيك صورة عامة عن الاتجاه العام في التفكير .. واخلاقيات العمل .. وكيف استطاعت هذه الشعوب ان تحمي ما اكتسبته من حقوق وماحقته من انجازات عبر تاريخ طويل من النضال .. قد تستغرب هذا التعبير .. لكنه الواقع .. هذه شعوب ناضلت في تاريخها الطويل.. لتصل الى ما وصلت اليه .

اعود للحديث عن الملاحظات .. فانت حين تاتي من بلد بعيد .. من بيئة مختلفة تماما .. لكنها عيمقة في جذورها الحضارية تجد الكثير من الاختلاف .. وفي نفس الوقت الكثير من التشابه .. الاختلاف في النظم والاسس التي بنيت عليها قواعد العمل .. والتشابه في اننا جميعا بشر .

كنت أتساءل وتنتابني الكثير من الدهشة حين ارى الضغط الذي يشعر به العاملون .. واعجب لم يشعر البشر بكل هذا الضغط وهم يعملون في بلد جميل .. في مكاتب مثل التي كنت اراها في الافلام الاجنبية .. وحياتهم المستقرة والمنظمة بالدقيقة والثانية .. واخطأت في احيان كثيرة بتقدير ما يشعرون به لجهلي وقلة خبرتي .

كما ان لكل شيء في الحياة جوانب عدة .. الجيد والسيء .. اجد من الانصاف ان اذكر ان حالة الاغتراب التي يحس بها الانسان حين يشد الرحال الى اصقاع الارض البعيدة .. هذه الحالة تفتح لديه كذلك آفاقا واسعة وتغيير انماط تفكير قائمة والقبول بالاختلاف .. نعم .. قد يبدو هذا الكلام مكررا وعاديا .. لكنه حقيقي .. ومن الصعوبة بمكان تطبيقه .. فان تعلم انك تختلف مع الاخرين في طريقة تفكيرهم ونظرتهم للأمور وتتقبل ان الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضية كما يقولون ..ليس امرا سهلا .. وهو تمرين مستمر .. نمارسه كل يوم .. نصاب خلاله بإحباطات مختلفة .. وتجتاحنا ردود افعال وافكار تغير فينا الكثير .. لتتبلور فينا فيما بعد القدرة على فتح افاق عقولنا .. والتفكير فيما صبناه من مدخلات في ما ورثناه من مسلمات وقوالب تفكير جاهزة او اكتسبناها بفعل ذاتي عن طريق الاطلاع الشخصي.

السلم الوظيفي في العمل هنا لا يختلف كثيرا عما اعتدناه والفناه في بلداننا .. المختلف هو المحتوى .. فالعاملين هنا بدءا من المسؤول عن التنظيف .. لغاية المدير الاعلى .. يتمتعون جميعا بنفس القدر من الاحترام والحقوق .. ويختلفون بالطبع في المهام الموكلة اليهم كل حسب طبيعة عمله.. المبدأ ان العمل شرف .. وهذا يوفر لكل يد عاملة المستوى اللائق من الكرامة والاحترام الذاتي .

للحديث بقية .

لعلنا نستطيع اللحاق بمن سبقنا في زمن لن يطول .