جاءت تصريحات السفير السعودي في العراق ثامر السبهان والتي ادلى بها لقناة "السومرية" التلفزيونية , فأثارت تداعيات واسعة داخلية وخارجية , في مرحلة مضطربة ومفصلية يشهدها العراق والمنطقة , وقد عبرت عن الرؤية السعودية خصوصاً , والخليجية والغربية عموماً , من الاوضاع الامنية والسياسية في العراق, في سياق الحرب ضد داعش , وارتباطها بمجمل الصراع في الأقليم , حيث صرح السبهان إن "قوات الحشد الشعبي يجب أن تترك قتال المتشددين للجيش العراقي وقوات الأمن الرسمية لتجنب تصعيد التوترات الطائفية" , وان رفض الكورد ومحافظة الانبار دخول قوات الحشد الشعبي الى مناطقهم – حسب قوله - دليل عدم مقبوليته من قبل المجتمع العراقي . وقبل الدخول في ابعاد هذه التصريحات والتي تتطلب قراءة هادئة ومعمقة بعيداً عن التراشق والضجيج الاعلامي , لابد من القاء نظرة سريعة على ردود الافعال العراقية , والتي جاءت بطريقة أنفعالية غير مدروسة كما هو الخطاب السياسي العراقي , تخدم من حيث لاتعلم الخطاب المضاد , وتؤكد مصداقيته , وتصب في ذات المصب, وهو الانقسام والتقاطع الطائفي – السياسي , و تأجيج الساحة الداخلية المتوترة اصلا وهو ما أشار له السبهان , فأنساقت مع المنطق الذي تعارضه , هذا لمن عارض ورفض بذات المنطق من الكتلة الاكبر, دون أن نهمل الارتباط مع ردود وتصريحات غاضبة من القيادات والاوساط الشيعية في العراق ومختلف أرجاء المنطقة وخاصة في إيران اثر اعدام السعودية لرجل الدين الشيعي البارز – نمر النمر- في الشهر السابق، اما من تقبل او برر أو سكت عن تصريحات السبهان من الكتل الاخرى, فقد أيد ما يرفض كذلك من جانب اخر, ذلك انه أعطى المبرر للتدخل في الشأن الداخلي الذي يعده سبباً لدمار العراق , وهو ما أشارت له تصريحات بعض ممثلي اتحاد القوى العراقية التي المحت الى دور سعودي قادم في العراق يستدرك إهمال المملكة للملف العراقي بعد / 2003 وفقاً لهذه الاطراف , دون ان تعي أو تكترث لما يعنيه ذلك من تدخل معاكس بالضرورة , واستمرار أقلمة وتأجيج الصراع في العراق , حيث كانت تلك الاطراف المتضرر الرئيسي منه , على الاقل حسب اعتقادهم . الملاحظة الاهم فيما تقدم ان الساسة العراقيون لايعرفون قواعد وماهية الخطاب السياسي , بين خطاب داخلي , حزبي , او انتخابي , أو تعبوي.. ألخ, والخطاب الخارجي , السياسي , او الدبلوماسي , أو التفاوضي .. الخ, والذي يعده خبراء متخصصون , لاغراض متعددة , منها الاستدراج , أو التضليل , أو أدارة الازمات , أو تصديرها , أو تسويقها ، أو أختبار النوايا .. ألخ . وهو ما يتقنه الساسة والدبلوماسيون المحترفون في العالم , وما يبدو ان السفير السعودي في العراق يعمل عليه . ان المنطق العلمي في تحليل تصريحات السفير السعودي , يرتبط بالسياق الذي ورد فيه , وهو المقطع التاريخي الذي تمر به المنطقة , فعودة التمثيل الدبلوماسي السعودي الى العراق بعد قرابة خمسة وعشرين عاما من الانقطاع , وبعد جهود دبلوماسية عراقية حثيثة لأعادة تلك العلاقات, في ظل أزمات أقليمية متفجرة , وصراعات دولية متصاعدة , يعد تطوراً في مسار العلاقات الثنائية , والخليجية – العربية بأبعادها الدولية مع العراق أجمالاً , والتي شهدت توتراً وتراجعاً واضحاً في محورها الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً , خلال المراحل السابقة , الا ان من الطبيعي ان عودة التمثيل الدبلوماسي لا يعني ان تخرج العلاقات الثنائية دفعة واحدة عن تداعيات تلك الازمات المتواصلة والمتصاعدة التي مرت وتمر بها المنطقة . فالسعودية اليوم قادمة بقوة للدخول على ملفات المنطقة , بعد التغيرات الحاصلة في قمة النظام مع مجيء الملك سلمان , والتحول في ادارة الملفات الخارجية والامنية في المملكة باتجاه القيادات الشابة والمتشددة , التي دفعت باتجاه تدخل المملكة في الصراعات الاقليمية بشكل مباشر وغير مباشربوتيرة أعلى , مما انعكس في تصاعد مضطرد للدور الاقليمي بأشكال ومستويات مختلفة في اليمن وسوريا ولبنان , لذا فان التصعيد على مستوى العراق يأتي في ذات السياق . لاسيما بعد الاتفاق النووي الإيراني – الغربي , الذي اثار مخاوف سعودية – خليجية من ان يكون الاتفاق جزءاً من صفقة لتوسيع النفوذ الايراني في المنطقة , وتهديداً مباشراً للامن والمصالح الخليجية , لاسيما بعد اقتراب الخطر العسكري من حدود المملكة بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء وعدن , وورود معلومات عن تحرك فصائل عراقية قرب الحدود العراقية – السعودية . ارتباطاً مع التأزم الداخلي في البحرين والسعودية ودول خليجية اخرى على خلفية التوترات الطائفية وما تمثله من ابعاد على مختلف الاصعدة . في هذا السياق تخوض السعودية في اطار مخطط دولي حرباً اقتصادية مدمرة, تمثلت بإغراق السوق النفطية , وخفض سعر برميل النفط بشكل قياسي , لأضعاف موقف المحور الاخر في الصراع. لذا فأن اختيار المملكة للسبهان سفيراً لها في العراق لا يعد بأي حال أمراً إعتباطياً، لاسيما وأن الرجل ذو خلفية عسكرية ، ويذكر ان ثامر السبهان، من مواليد الرياض 1967، كان يشغل منصب قائد السرية الثانية تدخل سريع في كتيبة الشرطة العسكرية الخاصة للأمن والحماية في المملكة . لذا يجب الاخذ في الاعتبار ان تصريحاته تحمل رسائل ومدلولات عديدة , فهي تعبر عن التوجهات السعودية الجديدة في المنطقة , والمتماهية مع الترتيبات الامريكية لمرحلة ما بعد داعش , والتي يبدو ان العراق سيكون صاحب النصيب الاكبر منها , وان الخلفية الاستخبارية للسبهان , أستبطنت هذه التصريحات , والتي يغلب عليها الطابع الامني – الاستخباري على اللغة الدبلوماسية , فقد أرسل السبهان رسائل مختلفة في تصريحاته لمعرفة – والادق - استدراج ردود أفعال جهات مختلفة , كفصائل الحشد, والحكومة , وبعض الشخصيات المقربة من المرجعية الدينية في النجف , كما القوى السياسية الاخرى , بدرجة أقل , وهو استدراج خطر يمثل في احد ابعاده اعادة موضعة القوى العراقية , وفرزها , في أطار ترتيبات مرحلة ما بعد داعش في العراق, , في الوقت الذي يمر فيه العراق بأزمة اقتصادية حقيقة مع استمرار الحرب ضد تنظيم داعش ، وذلك نتيجة انخفاض اسعار النفط كما سبقت الاشارة , ورفض المؤسسات المالية الدولية مساندته بالقروض طويلة الأجل حتى وإن ارتفعت فوائدها , مما قد يرتبط بمحاولة دفع العراق من خلال مواقفه , وتحديدا من تصريحات السبهان , الى عزلة اقليمية ذات بعد دولي , تضاعف من صعوبة موقفه , وتجعله في زاوية خانقة . لذا اشار مراقبون ومحللون غربيون الى ان هناك خبراء ومتخصصون يضعون الخطاب السياسي في دوائر القرار السعودي , وانهم يستخدمون معلومات تكتيكية ميدانية لمعرفة ردود الافعال , وتوظيفها في اطار توجهاتهم الخارجية , مما يبدو أنه نجح في اطلاق بالون الاختبار الاول في الساحة العراقية , ويمثل اخفاقاً عراقياً جديداً في ادارة ملفاته الداخلية والخارجية لاسيما على الصعيد الاستراتيجي .
= أكاديمي ورئيس مركز حوكمة للسياسات العامة
|