التحديات التي يواجهها كل من القطاع الخاص والجامعات في مجال البحث العلمي |
أولا- تحديات تنظيمية: ومن أهم التحديات التنظيمية والفنية غياب الربط بين الدراسات العليا والقطاعات الإنتاجية والخدمية ، وعدم وجود قاعدة معلومات عن الدراسات التي يمكن الرجوع إليها ، وكذلك عدم توفر عدد كافٍ من المكتبات الإلكترونية كمرجعية ، علاوة على ذلك ، فإن قصور الوعي بحقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراعات ، وتعقد إجراءات التسجيل المحلي ، وتكلفة التسجيل الدولي أفقد الكثير من البحوث قيمتها. ولنا أن نتساءل: لماذا تتواضع إنتاجية عضو هيئة التدريس لدينا في مجال البحث العلمي؟ فمؤسسات البحث العلمي تلعب دورا مهما في تطوير الإنشاءات ، وضمان نجاح التخطيطات الاقتصادية وتصحيحها وتقييمها ، كما تؤدي البحوث إلى حدوث اكتشافات علمية تؤثر في طبيعة فهم الإنسان ونظرته إلى العالم وفي كشف مناطق جديدة من المعلومات والاحتمالات التطبيقية التي تتحول إلى وسائل وأدوات تكنولوجية للإنتاج والمواصلات.. وغيرها. فالبحث العلمي هو استنباط للمعرفة، وتطوير لمنتج، وضعف مستوى البحث العلمي في القطاع الصناعي أو الاجتماعي.. أو غيره يحول دون تطوير هذه القطاعات والتغلب على مشاكلها ؛ وبالتالي فإنه لا يمكن مع هذا الواقع تطوير تكنولوجيات أو تحسين مستويات هذه القطاعات ولا النهوض بها ولا إنتاج الثروات. إن القدرة على التواصل مع الآخرين توجد ضمن ما يتصدر مؤهلات الباحث العلمي في عصر الاتصال الذي دخلته البشرية ولا تزال تغوص فيه ، ولا تقتصر مهارات التواصل على إتقان اللغة الأم والتمكن من لغة أجنبية فحسب ، وإنما تمتد إلى تقنيات معالجة النص ومهارات التواصل بصفة عامة. فالجامعة ليست مجرد مؤسسة للبحث العلمي وإعداد العلماء والتقنيين ، وإنما هي إلى جانب ذلك مؤسسة ثقافية لها دور تثقيفي اجتماعي وطني ، تساهم في بعث العلوم من رقادها وفي تثقيف المواطنين وتنشيطهم وحفزهم على الإبداع والتجديد والتأليف من خلال نشرها للأعمال الأدبية والعلمية ، وتنظيمها للدورات التدريبية ومهرجانات الفنون والثقافة ، ومن خلال اتفاقيات الشراكة التي قد تربطها بهيئات المجتمع المدني ، وفك العزلة عنها وإدماجها في النسيج الاجتماعي يعتبر من أول الأولويات. لذا ينبغي عند التفكير في تطوير الجامعة والنهوض بالبحث العلمي الالتفات إلى الموارد البشرية الكثيرة كماً والقليلة نوعاً ، وضمان الرفع من مستواها بتكوين أساسي شامل يجعل الناس قادرين على التفاعل والتواصل فيما بينهم ، ويزيد من قابليتهم للتعلم ، ويقوي الطلب الاجتماعي على العلم والتكنولوجيا والمعلومات ، ويضمن خلق سوق لترويج المعلومات وضمان استهلاكها ؛ ومما يساهم في تحقيق ذلك: تنظيم المعارض العلمية واللقاءات الدراسية المنفتحة على مكونات المجتمع وهيئاته وطبقاته ، وإحداث قنوات تلفازية تعنى ببث البرامج العلمية والأفلام الوثائقية والاستطلاعات ، وتحديث المواقع العلمية العربية على شبكة الإنترنت ، وإقرار برامج ومشاريع التعاون بين الجامعات ومراكز البحث العربية والعالمية ، وبين المؤسسات الإنتاجية.. وغيرها. ثانيا: تحديات مالية: من الواضح أن البحث العلمي يحتاج إلى صرف مخصصات مالية ، وأن نسبة ما يصرف على نشاط البحث والتطوير مازال محدوداً ، وهذه المعوقات ساهمت بشكل أو بآخر في هجرة العقول العربية إلى الخارج بحثاً عن فرص أفضل في بيئة علمية متقدمة تستطيع تقديم الأفضل ؛ لذلك فان البحث العلمي يواجه صعوبات ماليه تشكل مثالب في عمل إجراء البحوث في عمل الجامعات. كما أن الدعم المادي والمعنوي له الأثر الكبير في تطوير البحوث العلمية ؛ حيث إن الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي بصفة عامة ضئيل جداً إذا ما قورن بما يحدث في الدول المتقدمة ؛ فقد أوضحت الإحصاءات أن تلك الدول تخصص أكثر من 3% من نتاجها الإجمالي للبحوث العلمية ، بينما لم تخصص معظم الدول العربية أكثر من 0.27%. والعقبات المادية تتمثل في ضعف المخصصات المالية التي تقررها بعض الجامعات كميزانيات للبحث العلمي , والسبب وراء ذلك أن نتائج البحث العلمي الايجابية ليست منظورة على المدى القريب , وبالتالي فإن المسؤولين في هذه الدول يعدون الإنفاق على البحث العلمي من قبيل الفاقد الذي لا عائد من ورائه , هذا أولاً , وثانياً لأن نتائج البحث العلمي لا توظف في برامج التنمية , ولا يستفاد منها في تطور الإنتاج المادي , فيحسب المسؤولون أنه لا جدوى فعلية من البحث العلمي في الأساس , وأنه من قبيل الترف والإنفاق الزائد , وأن هناك أولويات للإنفاق أكثر ضرورية وأهمية. ثالثا: تحديات مجتمعية: أن ثقافة المجتمعات العربية لم ترق بعد إلى تقدير أهمية البحث العلمي الحقيقية وأن هذه المجتمعات لا تقدم المعلومات الصحيحة , والبيانات الدقيقة التي تطلب منهم لاستخدامها في هذا الغرض العلمي أو ذاك , إما خشية من ضياع بعض مصالحهم , أو حتى لمجرد عدم الانفعال والاهتمام بالموضوع. أيضا فأن ضعف التكوين الثقافي والتحصيل العلمي والمعرفي يعتبر من أحد المعوقات الأساسية، فمن الملاحظ أن بعض خريجي الجامعات يفتقرون إلى الثقافة والمعرفة ؛ حيث تقتصر ثقافتهم على بعض المعرفة النظرية والعملية المحدودة في مجال التخصص فقط دون التعمق في جزئياته ، ويجهلون الكثير من المعلومات خارج إطار تخصصهم ، كما يفتقرون إلى المعلومات العامة التي يحتاجها الإنسان في كثير من مجالات الحياة ، وقد يرجع الافتقار إلى الثقافة المعرفية أو ضعفها إلى مشكلة أو ظاهرة عامة في المجتمعات العربية ، وهي قلة أو عدم القراءة ؛ مما يؤدي إلى ضعف التحصيل العلمي والمعرفي، وكذلك قلة الاهتمام والعناية بالجوانب الثقافية عند وضع السياسة والخطط التعليمية والاكتفاء بمجرد تلقين المعلومات والحقائق العلمية ، فقد تحولت العملية التعليمية إلى مجرد آلة لتخريج الطلاب . وهذا بلا شك لا يشجع على بناء مناخ بحثي وتقني ؛ لذلك لا بد من تدريب الطلاب على البحوث قبل المرحلة الجامعية ؛ حيث إن أغلب الأساليب المتبعة تجبر الطالب على مذاكرة الكتاب المقرر ، ولا تشجع على ارتياد المكتبة للاطلاع العام وكتابة البحوث البسيطة والقصيرة ، بينما نجد ذلك قائماً في المدارس منذُ الصغر في الدول المتقدمة حيث يشجع الطالب على ملازمة المكتبة وكتابة البحوث الجزئية مما يجعل الطالب يألف البحث ويتعود عليه ، وعندما يصل إلى المرحلة الجامعية يصبح جزءاً أساسياً من المنهج ؛ مما يساعد على غرس روح البحث العلمي الجاد لدى الطالب القائم على المنهج السليم ، فإذا انتقل إلى الدراسات العليا يكون قد مارس مناهج البحث وتعود على الصبر والأناة والبحث عن الحقيقة وبذل الجهد والوقت في سبيل الوصول بالبحث إلى المستوى المطلوب بدلاً من ما هو واقع حالياً ؛ حيث إن الطالب الجامعي يذهب إلى المكتبة مكرهاً، وعندما ينتهي من البحث المفروض عليه يقاطع المكتبة ولا يعود إليها ، وإن عاد فإنما ذلك لقراءة الصحف والمجلات أو مذاكرة المقررات الدراسية. كذلك ينبغي العناية بمقررات مناهج البحث وتصميم البحوث وإسناد تدريسها إلى الأساتذة أصحاب الخبرات البحثية العالية والمتميزة ، وتشجيع الطلاب على كتابة البحوث القصيرة ومتابعة كل طالب في بحثه للتأكد من استيعابه للموضوع ومناقشته للتأكد من قدرته على النقاش والدفاع عن رأيه بالأسلوب الأمثل ، كذلك إشراك الطلبة في بعض المشاريع البحثية لإنجاز جزئيات من مشروع البحث حتى يستفيد الباحث ويستفيد الطلبة تعلم مهارات البحث العلمي ، كما أن نشر البحوث الطلابية الجيدة والمتميزة يشجع الطلاب على البحث والاطلاع والإنتاج العلمي ، ولابد أيضاً أن ترتبط العملية التعليمية بالواقع العملي الملموس. رابعاً : تحديات أخرى: 1 – عدم تشجيع أعضاء هيئة التدريس لحضور المؤتمرات والندوات العلمية المحلية والعالمية يعتبر معوقاً للبحث العلمي ؛ لأن اتصالهم بغيرهم في مجال تخصصهم واهتماماتهم يرفع المستوى المعرفي والعلمي والمهني لديهم ، يعود بالنفع على الجامعة والمجتمع. كذلك قلة طلب الجهات الحكومية استشارات أعضاء هيئة التدريس للاستفادة من خبراتهم واستشاراتهم في حل كثير من المشاكل التي تواجهها يعد أيضا من المعوقات. 2– إشغال أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الذين يشكلون العمود الفقري لحركة البحث العلمي بالأعباء الأخرى مثل: الأعمال الإدارية التي تستنزف الكثير من جهد ووقت الأستاذ الجامعي ، كما أن العبء التدريسي لأعضاء هيئة التدريس يركز على جانب التدريس فقط، ويغفل جانب البحث ؛ حيث توسعت الجامعات في سياسة القبول دون أن يصاحب ذلك بتوسع مماثل في عدد أعضاء هيئة التدريس. مما زاد في عدد ساعات التدريس المفروضة عليهم ولم يعد لديهم متسع من الوقت يسمح لهم بإجراء البحوث العلمية ؛ وذلك لأن زيادة أعباء التدريس وكثرة عدد الطلاب تكون بطبيعة الحال على حساب البحث والإنتاج العلمي فلم يعد لديهم الوقت الكافي للقيام بوظائفهم البحثية والعلمية التي تعتبر عنصراً أساسياً في الرسالة الجامعية. 3– عدم موضوعية قرارات بعض المحكمين ، وطول فترة التحكيم للأعمال العلمية ، وعدم تعاون بعض المحكمين مع طلب المجلات العلمية بسرعة إرسال الردود ؛ هذا التأخير يولد إحباطاً شديداً لدى الباحث ، ويضيع كثيراً من وقته في إجراء المراسلات وانتظار الردود ؛ مما يجعله لا يتفرغ ذهنياً ونفسياً للتفكير في موضوع جديد لبحث جديد . 4– صعوبة إجراءات النشر وتعقيدها ، وقلة المجلات والدوريات التي تهتم بنشر البحوث العلمية لأعضاء هيئة التدريس . 5- قلة اهتمام الباحثين الأكاديميين بالدور الذي يلعبه البحث العلمي في صياغة خطط التنمية؛ حيث لا يتماشى مع المتغيرات والتحديات الجديدة ، ولا يستجيب بالسرعة المطلوبة لاحتياجات التنمية التي يتطلبها المجتمع. 6- تقاعس بعض أعضاء هيئة التدريس عن تطوير أنفسهم ، ومتابعة الجديد في تخصصاتهم ، وانصرافهم إلى مجالات أخرى ذات شهرة ووجاهة اجتماعية ، مما يسبب ابتعادهم عن البحث العلمي والإنتاج الفكري |