في بلد مثل العراق له حضارة موغلة في التاريخ، هناك جملة حقائق فرضت نفسها على واقعه شئنا أم أبينا! من هذه الحقائق تشتت قادة البلد في انتقاء الأشخاص المناسبين لأداء أدوارهم في مفاصل الدولة، ومن هؤلاء القادة من كان متعمدا في نهجه هذا -وهم كثر- وآخرون أساءوا من حيث كانوا يريدون الإحسان. وعلى الرغم من تعدد الحكومات التي تعاقبت على حكم هذا البلد، وتنوع قادتها وسياساتهم وأساليب حكمهم، إلا أن سر القيادة الحكيمة بقي لغزا قد يبدو للبعض محيرا، إلا أنه في حقيقة الأمر واضح وضوح الشمس في نهار تموز..!
ولو عدنا بالزمن قليلا الى الوراء.. وباستقراء سريع على مجريات الأحداث التي مرت على تلك الحكومات، لتبين لنا أن التخبط في أعمال القادة الميدانيين في سوح أعمالهم على اختلافها، كان السبب الرئيس في ضياع حقوق وهدر أموال وتبديد ثروات وظهور سراق وتفشي آفات، الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف الى تدني كل مقاسات الحد الأدنى المطلوبة في البلدان المتقدمة والنامية بل حتى الفقيرة منها، بعد أن جمحت بسفينتها دفة القائد، وفلت زمام القيادة من يديه، لسوء اختياره رجالات يديرون مفاصل هذا البلد العريق.
ولما كان دور القائد مركزيا ورئيسا وجوهريا في رسم الخطوط العريضة -والدقيقة أيضا- في خارطة توزيع المهام على المسؤولين في هيئات ومؤسسات البلد، فإن هذا يحتم عليه توخي الحذر وأخذ الاحتياط في مهمة دقيقة كهذه، إذ هي أساس نجاح المؤسسات او فشلها. وقد ترقب العراقيون بحذر شديد خطوات تشكيل الحكومات أكثر من مرة منذ عام 2003، وكان حذرهم مشوبا بالقلق واليأس، لاسيما في التشكيلة الحكومية الحالية، فالمواطن يعي تماما أن من يتصدرون قيادة مؤسسات البلد هم من تقع عليهم مهمة النهوض بها، وهم أنفسهم من يتسببون في نكوص أدائها ومستوى نتاجاتها على الأصعدة كافة إذا لم يحسنوا قيادتها. فالكرة إذن، في ساحة المنتقى والمنتخب والمصطفى لقيادة المؤسسة، فهو الذي يعول عليه في إبراز دورها في البلد، لاسيما إذا علمنا أن العراق ليس بدولة مؤسسات شئنا أم أبينا!، وعلى هذا تكون عملية انتقاء الشخصية المناسبة لرئاسة مؤسسة ليست باليسيرة، إذ يتدخل فيها اعتماد وحدات قياس عديدة ومتنوعة، تتضمن الكفاءة والمهارة والخبرة المهنية، كما تتضمن المستوى الثقافي والاجتماعي والفكري، وكذلك الأخلاقي الذي يعتمد بدوره على السيرة الماضية للمنتقى، وعلى ضوئها يتم تحديد هويته بما يلائم منصبه الجديد، فمن غير المعقول الإتيان بشخص يحمل من الماضي صفحات سودا غير مشرفة، او آخر أوغل فيما مضى بأعمال تضعه في خانة الظلَمة او الخونة او آكلي السحت، او ممن يغلبون الأنا والذات، ويؤثرونهما على الجماعة والمجتمع. من هذا كله دأب كل رئيس وزراء بداية تشكيله حكومته على اعتماد الشخصيات المناسبة -كما يدعون- ووضعها في المكان المناسب، وهذه الحال رأيناها في الحكومتين الحالية -العبادي- والسابقة -المالكي-. فقد بحث الإثنان عن شخصيات مشهود لها بكفاءتها ونزاهتها ونصاعة صفحتها في الماضي والحاضر، ولايخفى نجاحهما في هذه المهمة حينا، وإخفاقهما فيها أحيانا كثيرة، الأمر الذي أفضى الى مانحن عليه اليوم من حال ومآل. ويبقى الحل هو الاختيار والانتقاء، شريطة عدم اعتماد وحدات قياس شكلية، بل جوهرية بالاستناد الى وحدات قياس تكنوقراطية مهنية علمية عملية دقيقة، والابتعاد عن الحزبية والعشائرية والدينية والطائفية، وبغير هذا فسلام على دار السلام، والبقاء في حياة الأحزاب والكتل. aliali6212g@gmail.com