ننتسب للعراق!!

 

النسب هو إتصال شيء بشيء, ويعني نسب القرابات وجمعه أنساب.

والنسب للآباء , والبلاد. 

فالشخص يُنسب إلى والديه لأنه قد جاء من صلب أبيه ورحم أمه, ولأنه وفقا للغة العلم يحمل نسبة متساوية من الصفات الوراثية منهما, أي أن هناك ارتباط مادي ما بين الحالتين المتفاعلتين. ونقول هناك صلة دم أو قرابة , أي أن هناك ارتباط وراثي ما بين الأشخاص بنسب متفاوتة. وربط البلاد بالأشخاص والجماعات , لا يستند إلى مسوغات موضوعية ذات قيمة حضارية ومعرفية.

فالأرض لا تنسب إلى الجبل أو النهر وإنما العكس.

والبستان لا يُنسب إلى الشجرة بل الشجرة تنسب إليه.

والنخلة لا تنسب إلى عذق تمرها بل العذق ينسب إليها , فهي الباقية والعذق يذهب ويتجدد.

وكذلك لا ننسب الأبوين إلى أبنائهما بل الأبناء إلى أبويهما.

ويمكننا أن ننسب المخترعات إلى أصحابها , فالطائرة للأخوين رايت ومصباح الضوء لأديسون والهاتف لجراهام بل.

والوحيد الذي يمكن أن تنسب إليه الموجودات هو مبدعها وخالقها , هو الله الذي لا إله إلا هو الذي له ملكوت السماوات والأرض.

وعليه فأن مَن يسعى على أرض العراق منذ أجيال فأنه ينسب إليه , فيقال أنه عراقي , ولا يمكن أن ننسب العراق إليه , لأن ذلك لا يتفق ومنطق الأشياء وطبائع الأمور والحالات , فالعراق لم ينجبه أو يخترعه  أحد , ولا ينتسب لأحد إلا لذاته وأمه الأرض , فهو الكبير الباقي وكل ما فوقه صغير وبائد.

والعراق ليس مسمى من المسميات أو إدعاء من الإدعاءات, والجميع أقل قدرا وقيمة منه , ويموتون ويحيا ويرحلون ويدوم.

فلا فئة أكبر منه , بل كل واحدة كبيرة به وصغيرة ضئيلة بدونه.

ولهذا لا يمكن أن ننسب العراق لفئة أو جماعة أو طائفة أو حزب , فالجميع ينتسبون إليه , بنخيله ومياهه وسمائه وأرضه وألوانه وتنوعاته , وأنواره الروحية والثقافية والحضارية.

فالعراق لم يولد من رحم أحد, ولم يكن لأحد فضل عليه , بل هو صاحب الفضل على الجميع, وسيدهم وملهمهم , وبه يكبرون وبغيره يتصاغرون.

والأوطان بأهلها فإن أصابهم الذل, تذل أوطانهم وتتحول إلى قصعة لكل شَرِهٍ يريد أن يمد يده فيها.

                                   "إذا عظّم البلاد بنوها     أنزلتهم منازل الإجلال"

العراق حاضنة أهله وقوتهم وفخرهم وعزتهم , أما التوهم بأنه إبن لهذا أو لذاك, فذلك عين السذاجة والقفز إلى نيران الهلاك الحتمي.

ومَن ينسبه لجهة ما, فأنه يؤذي دينه ويغضب رسوله ويجهل كتابه ويعبر بوضوح عن ضعفه, الذي يتم تسخيره لتحقيق أمنيات المتربصين به وبدينه ووجوده.

العراق ليس كعكة, ولا مَعقلا للشرور, إنه موطن المحبة والألفة والرحمة والتنوع , وتفاعل الألوان وتمازج الأطياف لتصنع لون الوطن , الذي ما تجرأت قوة في الأرض أن تنسبه إليها, بل أن كل قوة صاعدة وعلى مر العصور تريد الانتساب إليه , لكي تبسط سيطرتها على القوى الأخرى .

هكذا التأريخ يؤكد , ومَن ينظر إليه بوعي ويدرك قوانينه , يعرف أن العراق حلبة الصراعات الأرضية , وعليه يتقرر مصير القدرات ونهج الحضارات.

العراق ترابه مقدس شريف , ففيه عدد من الصحابة والأئمة الأطهار , الذين يحملون نفحات من نبي الرحمة والسلام , وعندما يريد أي من البشر تدنيس الأرض الطاهرة بفعله أو بنيته , فأنه سيبوء بلعنة كبيرة تلحقه إلى مدى الأجيال.

العراق قلب الأرض , ولا يمكن للأرض أن تسمح بأن يكون قلبها بأيادي تريد أن تنسبه إلى شيئ أو تبضعه ,  فاتقوا الله أيها الذين تريدون أن تمزقوا أرض العراق , أو تنسبونه لغير ذاته وإسمه.

العراق يدعو  الناس إلى بر المحبة والألفة والسلام , ويزيل عنهم عواطف الضلالات وغيوم البهتان , لترى بوضوح وتبتسم لبعضها, وتعتز بوطنها.

ويطعمهم من عطاء نخيله , ويسقيهم من زلال مائه , ويضمهم بأحضانه , ويرعاهم بدفئه وحنانه.

إنه أصلنا وعنواننا , وغايتنا أن نتكاتف من أجل أمنه وسلامته وتقدمه وازدهاره وتطوره , وعلاء شأنه , فالواحد منا صغير بغير العراق.

فيا أخي بالخلق والإنسانية, والروح والحضارة والتأريخ, ومحبة الله ومخافته , والتقرب إليه بالمعروف والعمل الحسن والكلمة الطيبة والحكمة.

يا أخي بالدم واللغة , والبيت والحارة والشارع والمدينة, والسراء والضراء والفرح والحزن, والمصير والماضي والحاضر والمستقبل.

ألسنا أخوة في الوطن والتأريخ؟

ألسنا جميعا نحب العراق ونسعى على ترابه ونأكل تمر النخيل ونشرب ماء النهرين؟

فما يصيبني يصيبك, فسعادتك من سعادتي, وسعادتنا لا يمكنها أن تتحقق إلا بتفاعلنا الإيجابي, وحبنا الخالص للوطن والشعب مهما تنوع واختلف.

يا أخي لنجسد محبة العراقي وكرمه وطيبته وحنوه على أخيه العراقي.

وأن نمارس المروءة والانتماء الصادق إلى المُثل والقيم الكبيرة السامية , التي حملها رجالات الفكر والحضارة على أرضنا.

يا أخي في حب العراق, إنها قيم وتقاليد ومُثل تكمن فينا جميعا, فتعال إلى ميادين التفاعل الجماعي الخلاق ولنكون أقوى بالعراق.

                     "وللأوطان في دم كل حرٍ          يد سلفت وديْن مستحق"

وغايتنا السلام والمحبة وأن نحيا جميعا من أجل الوطن الحر الساطع السعيد!

فانتخبوا العراق!!