لا خوف على راتب الموظف |
من الواضح والجلي أن دول الاقتصاد الريعي او الدول ذات الاقتصاد الاحادي وخاصة النفطية تمر بأزمة مالية غير متوقعة وغير محسوبة وأيضا جاءت بسرعة لم تمهل تلك الدول التحضير لها الا اللهم بعض من تلك الدول التي تحتفظ في بنوكها بفائض من الاموال لمثل هذه الايام السود وهي الاخرى ايضا نتيجة تخبطاتها السياسية لم تنأ بعيدا عن هذه الازمة لكن بصورة أخف واهون من غيرها لانها لم تألف مثلها ولم تتوقعها فسارت في تخبطها الى اليوم كنتيجة لبعض الافعال التي ارادت ان تسير بها او لتصدير ايديلوجياتها خارج بلدانها فوجدت نفسها تخوض في برك ورمال متحركة لا تستطيع الخروج منها ..
العراق ليس استثناء من كل هذا الذي يجري ولو أن الاستثناء الوحيد في العراق هو اكتساح المجتمع والسياسة العراقية ظواهر ليست مستوردة بل عراقية وبامتياز منها ظاهرة السرقة وظاهرة الفساد وظاهرة التلاعب بالمال العام دون علم ودون تخطيط وبالتالي ادت هذه الافعال الى زيادة التأزم الاقتصادي في العراق كنتيجة حتمية لهبوط الاسعار الذي اودت بالأحلام العراقية وأدت ايضا الى خوف المواطن العراقي من العودة الى سنين الجوع والقحط ..
كل الموازنات العراقية التي شهدها العراق منذ سني الانتعاش الاقتصادي بدت واضحة أن المليارات التي ترصد لها هي مليارات زائلة ولا تأتي للعراق بشيء للسنين القادمة فهي اما تشغيلية وأخرى استثمارية والتشغيلية التي تعنى برواتب الموظف العراقي التي اثقل كاهل الدولة والتي لم تشهدها اكبر الدول العالمية سكانا بأعداد موظفين يتجاوز الثلث من السكان مع المتقاعدين حيث بلغ عدد الموظفين العراقيين مايقارب الاربعة ملايين ومئتي الف موظف والمتقاعدين يصل الى المليونين والنصف وهذا يعني ان هؤلاء الموظفين الذين يتقاضون رواتب تعتبر الاعلى قياسا للدول النفطية هم منتجون ومساهمون في رفد الاقتصاد العراقي لكن الحقيقة ان معدل عمل الموظف العراقي في دائرته لا يتجاوز العشر دقائق يوميا وبالتأكيد هذا يعني ان الترهل الوظيفي والبطالة الوظيفية هي في اوجها مع صرف كل هذه المليارات لهؤلاء العاطلين عن العمل العاملين برواتب . اما الجزء الاستثماري من تلك الموازنات فهي حدث ولا حرج حيث ان الروتين المزعج والفساد والسرقات ادت الى وأد هذا الجزء من الرصيد للموازنة العراقية فلا مشاريع يعتد بها ولا شركات قادمة تقدم الجديد الى العراق ولا مشاريع استثمارية كمصانع او معامل او حقول تعين الخزينة العراقية وترفد الاقتصاد العراقي ولا يوجد لدينا قانون ملزم يساعد في استيفاء الضريبة ويحاسب المسؤول في حالات التجاوزات على المنافذ الحدودية او الضريبة الداخلية او حتى الضريبة الخدمية بل حتى وصل الحالى الى فشل استيفاء الاجور التي تقدمها الدولة الى المواطن من كهرباء وماء وتنظيفات وبالتالي فأن الوضع الاقتصادي اصبح مخيفا في العراق الى درجة الانهيار ناهيك عن ان تلك الموازنات المئوية ترصد مبالغ انفجارية للمسؤول ولم تحدد او تقشف من تلك التخصيصات التي يتقاضاها من حمايات وعجلات ووقود وايفادات فهي مفتوحة بشكل غريب دون رقابة او محاسبة من قبل المؤسسات المختصة بالإضافة الى كل ذلك فأن التواطؤ السياسي مع الجهات الخارجية الدولية وخاصة الجارة منها يجعل هؤلاء السياسيين لا يسمحون للمواطن المصنع والتاجر والمقاول ان يعمل ويساعد في تصنيع وأنتاج بعض المواد الغذائية والمعاملية في البلد وبالتالي فان هؤلاء لا يريدون الا ان يصبح العراق ملعبا للسلع الرديئة من تلك الدول التي يعتبرون انفسهم وكلاء عنها وهم يحصلون على الملايين بسبب العقود المشبوهة والرشا وإغراق السوق بسلع رخيصة ورديئة لايستطيع المعمل العراقي ان ينتجها بنفس الاسعار مما ادى الى ايقاف تلك المعامل وهجرة الخبير العراقي بأمواله الى خارج العراق للعمل هناك وترك مجالا رحبا للابداع ومحاربته من قبل المتنفذين من قادة الدولة العراقية ونادرا ما تجد منتجاً محلياً في السوق العراقية غير محارب بالإضافة الى ان المستورد العراقي يعمل بلا ضوابط تذكر فهو مسموح له مع دفع الرشوة الى استيراد بضائع لاتصلح حتى للحيوان ويملأ السوق بها ويقتل كل ماهو رصين ونظيف .. قد يصل برميل النفط في الايام القادمة الى 20 $ وهذا الرقم ربما لايسد دفع الرواتب للموظفين في حال استمر التعامل مع المال العراقي بهذه الشاكلة الفاسدة والقذرة لكن اذا نظفت الايدي واصبحت الدولة تهتم بالحفاظ على المال العام فأن العشرين دولاراً وبطاقة تصديرية اربع ملايين دولار يوميا مع بعض الايرادات الضريبة للمنافذ والسياحة والتجارة والتحرك الضريبي وسن قوانين محاسبية مجتهدة فلا خوف على الراتب ولا خوف على الموظف من عدم استلام راتبه وهي ايضا ربما تجربة لها محاسن اكثر من مساوئها تجعل من المواطن العراقي المبذر يصبح حريصا على امواله من الشراءات العشوائية وغير المجدية ورمي بنقوده في جيوب التجار الفاسدين ايضا .. وقفة شريفة مع الاستعانة بالخبرات والاختصاص من العراقيين التكنوقراط والاجانب حتى لو كانوا من جنسيات غير عراقية كما معمول به من قبل بعض الدول التي هي ايضا نفطية لكنها استعانت واستوردت اشخاصاً لهم باع طويل في رسم الخريطة الاقتصادية للدول برواتب لاتساوي شيئا قياسا لما يقدموه ولو تطلب الامر وابعاد الحزبية والانتمائية والمذهبية عن هؤلاء المستشارين لجعلهم يعملون بحرية وبدون قيود وبدون سيطرة على افكارهم وأحتكار الخبرة وجعلهم يقدمون المشورة المجردة العراقية الخالصة مع ابعاد الوزراء الفاسدين الذي يتحكمون بمشاعر الناس بتصريحاتهم وغاياتهم المقصودة يكون كل شيء ربما في حال افضل نعم ممكن اعطاء بعض الخسائر البسيطة كديون ومنح لكن تلك الخسائر ليست قاتلة تجعل من الدولة العراقية دولة مفلسة وهذا ما لم يذكره التاريخ الا في فترات قحط وحروب مرت وتجاوزها العراق وخرج منها قويا . |