الإدارة بالمحبة |
أن الإدارة ليست علماً نظرياً جافاً، بل تتعدى ذلك لتشكّل فنّاً تطبيقياً يحتاج لمن يقوده لمهارات وقدرات تفوق المسألة النظرية البحتة. ولكننّا نجد في الكثير من الأحيان شكوى المرؤوسين من رؤساءهم، أقصد هنا المدراء أو المسئولون المباشرون عن المرؤوس، وهذا قد يرجع سببه إما لتقصير من المرؤوس في جوانب متعددة من العمل، وهذا من وجهة نظر الرئيس، وإما قصور من جانب الرئيس في استخدام هذا الفن. وعندما نقول الإدارة بالحب لا نعني بذلك أن يجلس الرئيس إلى جانب مرؤوسه ويتسامران، أو أن يردّدان معاً مقطوعة موسيقية، بل أقصد بالحبّ تقدير الجانب الإنساني في العمل، وعدم التعامل مع قوالب وقوانين جامدة تستبعد اللمسة التي تترك ردّة فعل إيجابية يصعب نسيانها من قبل المرؤوس، وتعطيه دفعة نحو جعله شعلة من النشاط والحيوية، وهو ما يسمى أحياناً مبدأ "التحفيز"، وهو ليس بالضرورة أن يكون تحفيزاً بالمال، بل حافزاً معنوياً، بحيث يديم الرئيس الثناء على المرؤوس كلّما رآه قد وفّق في أداء مهمته، ويفوّض في الأعمال، ولا يجعلها حكراً عليه وحده ، ويكافئه بكلمة طيبة ، ويذكّره دوماً أنّه أهل ليكون في أفضل الأماكن، وأهل لإنجاز أعظم المهام، ولو تكلّل هذا الثناء بمكافأة مالية لإنجاز مهمة معينة يكون نوراً على نور، وهذا الكلام ليس من صنيع عقولنا أو ضربا من الخيال، بل نلمسه في منهج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما يقول: "والكلمة الطيبة صدقة". ويقيناً بأن هناك ممن يعملون مع الرئيس من يستحقون هذا الثناء وهذا التحفيز، وليس بالضرورة أن يكون الرئيس هجومياً ودكتاتورياً، ويناصب فريق العمل لديه العداء، من أجل أن يحقّق مطالبه، كما أنه ليس صعباً أن يصل الرئيس للمرؤوس من مكان يجعله رهن إشارته، وكما يقول أجدادنا في المثل: "كل قلب وله مفتاحه"، والرئيس الحذق يبحث عن هذا المفتاح ليكسب قلوب فريق العمل لديه، فيصبح شغلهم الشاغل هو البحث عن رضا هذا الرئيس، وبذل الجهد من أجل القرب منه، بل والتضحية بالجهد والوقت ليثبت المرؤوس أنه أهل لتحمل المسؤولية، وهذا ليس عيباً طالما أنه يصب في النهاية لمصلحة العمل مع المحافظة على النسيج الإداري السليم. إنّ العمل بروح الفريق الواحد، واعتماد مبدأ تفويض المسئوليات والمهام، والبعد عن المركزية المقيتة، والروتين القاتل، واعتماد علاقة الرئيس بالمرؤوس على اعتبار علاقة الإنسان بالإنسان، وليس علاقة كبير القوم بخادمه؛ لا شكّ أنها المدخل لنجاح وتألّق أي رئيس في مجال عمله وهذا ما أسمّيه "الإدارة بالحب". أذن كيف يمكن توجيه العاملين للقيام بما هو مطلوب منهم طواعية، ودون إكراه أو تسلط ؟ ولماذا يتعثر عدد كبير من المنظمات في تنفيذ خططها؟ وتتراجع حيث كانت يجب أن تتقدم؟ وللإجابة على هذه التساؤلات، وإيجاد الحلول الملائمة للتعامل معها، ظهر أسلوب إداري حديث قديم أطلق عليه الخبراء مصطلح الإدارة بالحب Management with LOVE. يركز على إشاعة المحبة بين القائد والعاملين معه للارتقاء بمستوى الأداء، وتنفيذ المهام المناطة بكل فرد، وتحقيق أهداف المنظمة طواعية. وهو مبدأ إسلامي أكده نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بقوله: أحب للناس ما تحب لنفسك. ويشير (Fetra B ) في كتابه (إعادة اختراع إدارة المنظمات بالحب) إلى أهمية الحاجة لإدارة الأفراد بإشاعة التعامل الودي بين العاملين، ودوره في زيادة الإنتاجية، وتحقيق الأرباح. أن القيادة بالحب تركز على دور العاملين ورفع مستوى مشاركتهم في التخطيط والتنفيذ والرقابة واتخاذ القرارات، وكذلك على البعد الاجتماعي والقيم الثقافية للمؤسسات وأهميتها في صيانة رأس المال الاجتماعي، وذلك لأن الحب هو الأداة الرئيسة للفلسفة القائمة على أن الإدارة الحنونة هي المدخل الصحيح للعودة بالمنظمات لتكاملها وتوازنها في ظل المبادئ والأخلاق. كما أنها تقوم على أركان عدة، منها: حب القائد لمؤسسته، وحبه للعاملين، وللمستفيدين من الخدمات التي تقدمها المؤسسة، وحب القائد لمجتمعه. وهي في مجملها أركان لا يمكن تحققها دون إعداد القيادة المحبة التي تمتلك المهارات اللازمة للقيادة بالحب، وفتح أبواب القلوب الموصدة ليقع أصحابها في حب مؤسساتهم، لأن الموظف يتوق أن يشعر برابطة تشده إلى مكان عمله، فيصبح أكثر من مجرد مكان لكسب الرزق، وهذه الرابطة لا تنمو إلا بالحب. * كلمة أخيرة: "تستطيع أن تحلم وتبتكر، وتستطيع أن تخطط وتبني، ولكن.. لن نستطيع تحويل الحلم إلى حقيقة بدون حب الناس". |