فاجأني صديق يكتب (بوستا) على صفحته، يقول فيه ما معناه انه سيتم قياس كمية الطاقة الكهربائية التي تحتاجها محافظته لغرض احتساب حصتها من الموارد الكهربائية المتحصلة في العراق، ويضيف، لذا يتوجب علينا استخدام الحد الأعلى من الاستهلاك لغرض تحديد تلك الحصة ! وأنا أقرأ السطور، كنت أقول إن القائل سيكتب، عكس المنطق الذي قال به، تصورت لوهلة انه سيقول بوجوب ترشيد الاستهلاك، لتحديد الحصة الحقيقية للمحافظة. لمته قليلا، وتساءلت هل من حقه أن يفكر هكذا! لكني فكرت أن الأهم من ذلك هي الإجابة عن مبررات مثل هذا التفكير، هل هو جزء من منظومة إحدى أهم تجلياته يمكن أن نجدها ممثلة أخيراً بشعار (محافظتي أولاً)! وبشكل أكثر عمومية هل هناك تفكير بركماتي بدأ يطغي على سطح العقلية العراقية! ويتلاءم مع منطق اللامركزية الإدارية، وصولا الى الفيدرالية ! وهو ما يجرنا الى السؤال الأخطر، هل من حق كردستان مثلا أن يفكر بتنمية إقليمه اقتصاديا ويرفع من مستوى شعبه اجتماعيا! من الزاوية الاقتصادية، يشير السوق الحر الى فكرة مهمة جدا، تؤكد على أن النزعات التي تحرك البشر هي نزعات فردية بطبيعتها وهو أمر يجد تطبيقاته كلما ترسخت قوى السوق في المجتمع بشكل اكبر بحيث تطغى المصالح الفردية ، لكن هذا لا يعني أبداً أن هذا يتم على حساب المصلحة العامة. هذا هو الذي يفسر الاختلاف في توزيع الدخول والثروات أحياناً، إذ أن النزعات الفردية هي التي تقود الى أن يفوز أصحاب رؤوس الأموال والمنظمون بحصة اكبر، فالدوافع الغريزية تدفعهم الى المجازفة وجني المزيد من الأرباح والكسب، وذلك لان المجازفة عادة ما يرافقها منطق العقلانية. لا نقول إن المنظومة الرأسمالية لا تعاني من عورات، خاصة في ظل ظروف مرحلة التحول، التي تسحق معها الفئات الهشة ، لكن هذا يمكن أن يتم تجاوزه شرط وجود مجموعة عوامل تتمثل بالعقود القانونية الفاعلة والأخلاق السلوكية والمؤسسات والتشريعات الداعمة، والتي يختلف وجودها من بلد لآخر ومن إقليم لآخر. التفكير بالقيم شغل بال المفكرين الرأسماليين، يقول المعلقون الأوائل من أمثال جيمس ستيوارت ميل ومنتسكيو إن الرأسمالية نوع من إحلال المصلحة محل العواطف والانفعالات، وذهب ستيوارت ميل الى أن المصلحة أكفأ لجام ضد حمق وجنون النزعة الاستبدادية. ربما نكون نحن هنا في الوسط والجنوب، وصلنا الآن الى تلك النقطة العملية من أمثال (صديقي أعلاه ومحافظتي أولاً)، أو أنها بدأت بالتبلور رويدا رويدا، بعد مخاض مع عقد يريد إن ينفرط قوامه عواطف رومانسية لا تلقى أرضية في ضوء متغيرات داخلية وخارجية لا يمكن التحكم فيها. الاستنتاج الأولي أن طريقة تفكير صديقي ومحافظتي أولاً، لا تختلف كثيرا عن طريقة إقليمي أولاً. |