خلود العلماء وسقوط الطواغيت

 

تأتي ذكرى الحرب وستظل تأتي كل عام......
في 9/ 4/ 2003 سقط النظام الحاكم أو أسقط ولكل منا ذكرياته و أريد أن افصل أكثر فلكل منا سيناريو خاص به يرسمه لغد كان يحتبس آماله بين قماقم نفسه انتظارا للحظة يرى فيها انهيار هذا الطاغوت الجاثم على كاهل العراق وأهله.
ولست أنا بمختلفة عن الشعب العراقي ولأننا اتفقنا منذ البدء أن لكل منا خصوصيته في الأهداف والآمال، فانني سأسمح لنفسي أن اسرد لكم بعضا من هذه الخصوصية الفكرية التي قد يقبلها البعض وقد يرفضها البعض الآخر.
كتبت أطروحتي الأولى للدكتوراه وكانت عن السياسة المالية الإسلامية ولما كنت قد تخصصت في الماجستير والدبلوم في العلاقات الاقتصادية الدولية كان علي أن أعيد قراءاتي لكي ابدأ في فرع مختلف كليا عن فرعي الأصلي في العلاقات الاقتصادية الدولية، هنا لابد من  أن اذكر بمزيد من الفخر دور أستاذي المشرف البروفيسور الدكتور فاضل الحسب رحمه الله الذي كان يوجهني، فكان لا يمكن لي الدخول الى عالم الفكر الاقتصادي الإسلامي دون أن أقرأ كتاب المفكر الإسلامي الخالد محمد باقر الصدر " اقتصادنا".... كنت قبل ذلك أخشى هذا الكتاب وأهابه وأتهرب منه كأنني أخاف المواجهة الفكرية معه.... ولكن آن الأوان للحظة المواجهة  مع اقتصادنا...
اعترف أنني قرأته أربع مرات قبل أن اعتمده مصدرا أساسياً في أطروحتي..... كانت كل مرة لها تذوقها الخاص.. فالانبهار كان عنوان قراءتي الأولى.. والاستكشاف كان عنوان قراءتي الثانية.. والتعيين  كان عنوان قراءتي الثالثة وأما التذوق فكان عنوانا للمرة الرابعة وظل هذا انطباعي لهذه الساعة  فكل مرة أقرأه  يجتاحني شعور التذوق لجمال الحقيقة العلمية والتسلسل الفكري الممنهج في الصياغة...
أذكر هذا واذكر الخشية التي كانت تسود آنذاك من تداول مثل هذا الكتاب.. وإخفائه وتغليفه بأوراق ملونة.. ولكن ما كان القمع الذي يمارسه النظام الدكتاتوري الشمولي ليمنعني وأمثالي الملايين من قراءة هذا الكتاب وغيره من مؤلفات هذا المفكر الرمز،  ولذلك ظلت كتبه  تتنقل بين أيدي المتلهفين للعلم والثقافة أياً كانت اتجاهاتهم الفكرية، وآنذاك وفي سيادة ثقافة الاستنساخ لرخص تكاليف توفير الكتاب وفق تقاليدها كان كتاب اقتصادنا الأول في كل حين....
في 9/ 4 سقط النظام الذي ظل جاثما على أنفاس العراقيين عقودا طويلة.... فكانت الحياة الجديدة والآمال المنتعشة  وأول ما فعلته ذهبت لمكتبتي وخلعت الورق الملون عن النسخة المصورة من كتاب اقتصادنا وقلت بصوت عال سأبدأ بقراءته علنا منذ اليوم... وبعد ذلك بشهور وصل أخي الذي كان مهاجرا ومحروما من دخول العراق وكان أن فاجأني بنسخة مطبوعة فاخرة من كتاب اقتصادنا وقال لي : لم أدر أي هدية أجلب لك ؟؟ ولكنني قلت لاشيء أجمل من كتاب اقتصادنا وادخل العراق ويكون في يدي وأنا مزهو بحمله...
سادتي من يترك أثراً مثل " اقتصادنا" لا يمكن له أن يموت... فهذا هو الخلود بعينه...
وأما الساسة وأصحاب الملايين والأرصدة السويسرية والجزر الكاريبية  و شركات الأموال فمصيرهم لن يكون أكثر من حفرة في تراب توارى عليهم ليلعنهم الناس فيها وسيكونون محظوظين لو ذكرهم التاريخ يوما... ولن تنفعهم أموالهم وقصورهم ولن يمكنهم شراء الخلد بهذه المليارات التي يملكونها لأنهم باعوا أنفسهم  وخسروا التاريخ فاكتسبوا المال وفقدوا الخلود.....
وللحديث صلة في الأسبوع المقبل إن شاء الله.....