فرص الفاسدين بمتناول أيديهم

إن الحديث عن سلبيات الساسة والمسؤولين من قبل الكتاب والنقاد يتراوح عادة بين شد وإلحاح يصل أحيانا حد الانفجار، وبين صمت نسبي لايعد سكوتا او رضا او خنوعا، وهو لايعني أيضا أن الأقلام قد رُفعت والصحف قد جفت، او أن الموضوع قد أغلق النقاش فيه، وأن البحث في جوانبه والتقصي في جديده وعجيبه وغريبه قد توقف، لاسيما أن جديده أسوأ من قديمه، والعجائب والغرائب فيه باتت تحيق بأهل العراق وتحيط بهم وتطبق عليهم من جهاتهم جميعها. ولاينكر واقع الحال الذي وصل اليه عراقنا الجديد، وهو يتداعى بين حين وآخر الى شفا حفرة بل أكثر من حفرة، إن لم نسرع في إنقاذه تهاوى الى قعرها، حيث لا ينفع ندم ولا يشفع لوم ولا يسعف تقريع وساء مصيرا. كما أن للمشاكل والمعوقات التي تفاقمت في العراق أطروحات عديدة، وما أسهل عرضها في مؤتمر او نادٍ او وادٍ، ولكن البحث عن حلول ناجعة لها يتطلب السعي الحثيث والمثابرة الدؤوب وأحيانا.. التضحية. والأخيرة هذه ندرت وشحت في ساسة اليوم، ممن يعتلون كراسي الحكم وبيدهم الأمر في التشريع والبت في صنع القرار، فأغلبهم يرى في منصبه تشريفا لا تكليفا، وجاها لا مسؤولية، وصفقة لا واجبا، وبالتالي فهو يبني لنفسه صومعة ويصنع لذاته كيانا ويدخر لمستقبله ضمانا، تاركا البلاد تتداعى في مزالق الفساد والإهمال والخراب، حتى اضحى البلد متجرا تبضع فيه تجار السياسة حتى أفرغوا سلعته، وملأوا حقائبهم وقد أوشكوا على الرحيل..! والحلول لمثل هذه الحال ليست مستحيلة، مع أن السير في طريقها موحش لقلة سالكيه..! فالأمل يحدو المواطن بصورة القائد وشخص الفارس الذي يتكفل الخوض في لج بحر تسيطر فيه حيتان الفساد، وما المظاهرات التي اتخذها العراقيون الدواء ما قبل الكي إلا تعبير عن سخطهم وغضبهم على حاكميهم، بعد أن ملوا ألعوبة الضحك على الذقون. ولايخفى على أي حاذق مدى خطورة غضب المواطن وسطوته حين يثور على ظالميه وجلاديه، بعد ان يستنفد أساليب المطالبة بحقوقه المشروعة. وباحتساب المظاهرات حلا ناجعا وحيدا لما آل اليه وضع العراقيين، فقد كان لها نصيب في الطرح والشرح والنصح. ويقينا أن المظاهرات سلاح فاعل إذا ما أجيد استخدامه، بشرط توخي الدقة في المطالب والنأي عن تشعبها وشططها في قوالب غير ذي جدوى، فتأخذ حينها صورة التمرد والعصيان، الأمر الذي يجيز للحكومة حينها قمعها وإسكاتها. ولما كان خروج المواطنين منذ شهور عدة الى ساحات تحريرهم من قيود القمع وغمط الحقوق حاجة ملحة وضرورية، فقد أتت تظاهراتهم بالمفيد من الكلام، والمختصر من النصائح والتوجيهات، مقربة الحلول البعيدة الى مديات أقرب على مرأى النظر، وتفاديا للوقوع في مطب الانتكاس او اللاجدوى من التظاهر -وإن كان طارئا- فإن نداءات الجميع -ولاسيما القياديين فيها- كانت تحمل نظرة بعيدة الأفق، فإصلاح مؤسسات البلاد الأمنية والتشريعية والتنفيذية والقضائية مجتمعة، جنّب المطالبين بها التفاف المغرضين والمفسدين المنتشرين في هذه المؤسسات، ووصولهم غيلة الى مالايخدم غاية التظاهر، وهم -المغرضون- لايتوانون حتما من القفز من مؤسسة الى أخرى متحينين فرصة ضعفها، فيفتحون حينها ثغرة تمكنهم من مد أذرع فسادهم الأخطبوطية ثانية، وبذا يكون الحرص على جانب الحيطة من غدر هؤلاء أول ضروريات الداعين الى التغيير والتعديل والإصلاح والفلاح.