تكملة لمقالنا السابق نتناول المحور الثالث عشر في الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهو:
العملية الانتخابية في نقابة المحامين:
إن فكرة الوصول إلى منصب النقيب او عضو مجلس نقابة عن طريق صناديق الاقتراع هي معركة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة، وطبيعة الانتخابات العامة لا تختلف كثيراً في انتخابات نقابة المحامين من خلال التنافس للوصول إلى أحد المهام النقابية، وعلى المحامين أن يدرسوا خياراتهم جيداً، وأن لا يمنح المحامي صوته لأي كان أو للمجاملة أو نتيجة وساطة أو ضغط أو عدم اكتراث، فهذا الصمت سوف يحدد مصير العمل النقابي وربما المهني خلال مرحلة زمنية ليست قليلة، ويجب أن لا ينخدع المحامي بالمجاملات والحفلات والعزائم والمنح والهدايا والوعد بالمكاسب وغيرها، التي تقام قبيل موعد الانتخابات، وأن يقول كلمته ويضع صوته لمن يعتقد أنه سوف يؤدي خدمة حقيقية للمهنة وللمحامين، وليعلم أن أول المتضررين من سوء الاختيار هم المحامون أنفسهم، وأثمن ما يملكه المحامي تجاه نقابته ومهنته وزملائه هو صوته الانتخابي وأية مساومة على هذا الصوت يعني ِأن صاحبه رخيص وسيدفع الثمن غالياً من سوء اختياره.
ان انتخابات نقابة المحامين العراقيين تجري كل ثلاث سنوات؛ وقد لاحظنا في الدورة الانتخابية الماضية والحالية، هناك طابع تسقيطي مؤسف يجثم على أفكار بعض المرشحين وتسود المشهد الانتخابي، أجواء غير صحية وملوثة بطريقة لا تليق برجال القانون، ويترجم ميدانيا على صفحات التواصل الاجتماعي، ونجم عن ذلك، ردود أفعال وانتقامات واحتكاكات و ...الخ، وبات عدم ذكر اسم الخصم في الورقة وتسجيل الناخب لمن يريد من المرشحين الآخرين؛ اشبه بعملية قتل له؛ فإذا خسر أحد المرشحين المعركة فهذا يعني بالنسبة لخصمه الفائز أنه تمكن من قتله(على الورق) وعندما يتولى المرشح الناجح كعضو مجلس نقابة او نقيب مقاليد الأمور بالنقابة، يبدأ بالتربص لمن خسر المعركة من خصومه مستخدما كافة الأسلحة المهنية لإضعافه وفي كافة المجالات المتاحة والممكنة .
ولأجل حسن سير العملية الانتخابية لنقابة المحامين العراقيين، وان تكون صحيحة لا تشوبها الاتهامات بالتزوير؛ هناك ضرورة للنص في مشروع قانون المحاماة الجديد(ولم ينص قانون المحاماة النافذ أيضا) بان يتم تشكيل لجنة مركزية مكونة من تسع أعضاء ممن مارسوا المهنة مدة لا تقل عن عشر سنوات وتنتخب رئيساً لها خلال 48 ساعة من تشكيلها، ويتم اختيارها من الهيئة العامة، ويكون مجلس القضاء ووزير العدل ممثلا فيها، هي من تتولى عملية الاعداد للانتخابات، لضمان عدم اطلاق الاتهامات الجزافية بان هناك استغلال لإمكانيات وموارد النقابة في تحقيق فوز انتخابي، فيجب تسليم مقاليد النقابة لهذه اللجنة قبل موعد الانتخابات بثلاثون يوم، وهي تنظم وتشرف على سلامة اجراء الانتخابات، وهذا النص يعزز من نزاهة الانتخابات، ويّحجبْ الاقاويل عن عدم شفافية العملية الانتخابية.
الصفات المميزة التي يجب أن تتوفر في المحامي المرشح للعمل النقابي:
يجب أن تتوافر لدى المحامي المرشح لمهام نقابية صفات كثيرة، نرى ضرورة تضمينها في مشروع قانون المحاماة الجديد لأجل اختيار العناصر الكفؤة والنزيهة التي تصلح ان تكون مرشحة للتنافس في الانتخابات، والفوز كعضو مجلس نقابة او نقيب محامين، ولا بد من التذكير ان قانون المحاماة النافذ قد خلا من عدة صفات يجب ان يتمتع بها المرشح حتى يتم قبوله كمرشح لمنصب عضو مجلس او نقيب، وذكرت المادة(85) شرط واحد فقط، هو ان لا يكون المرشح قد عوقب تأديبيا، ومشروع قانون المحاماة الجديد أيضا قد خلا من شروط عديدة، عليه، نجد ان هناك عدة شروط يجب تضمينها في مشروع قانون المحاماة الجديد، اهمها:
اولاـ أن يتصف المرشح بالتزامه وحفاظه على أعراف وتقاليد مهنة المحاماة والنزاهة في التعامل والجرأة والقدرة على المواجهة والقدرة على الحوار واحترام الرأي الآخر.
ثانيا- أن يتصف المرشح بالموضوعية وعدم الانحياز للأشخاص، وأن يكون معيار انحيازه هو الانحياز للعمل الصالح للنقابة والمحامين، وان يقف بمواجهة العمل المضر بالنقابة والمحامين.
ثالثا-أن تتحقق لدى المرشح الشروط المنصوص عليها في القانون، وبقدم مهني (15) سنة للمرشح لمنصب عضو مجلس و(20) سنة لمنصب النقيب، وان يكون المرشح في صحة وعافية للقيام بالأعباء النقابية.
رابعاـ أن يكون المرشح بعيداً عن الانتماء لأي حزب سياسي، وبعيدا عن الطائفية والمذهبية وأن يكون لديه الشعور بأن هذا الوطن للجميع وأن تكون فكرة سيادة الدستور والقانون من بديهيات تفكيره القانوني.
خامساـ أن يتصف المرشح بالتجربة في أداء الخدمات للزملاء، وهذه التجربة لا تعني انه سبق له أن مارس مهام نقابية، وإنما تعني انه شارك فعلاً في العمل النقابي ولو بلجان صغيرة أو بمساعدة تلك اللجان المتعددة.
سادساـ أن يكون المرشح ذا سمعة اجتماعية مرموقة، ولم يعاقب تأديبيا، ولديه مكتب لائق ينم عن اهتمامه بأمور المهنة والنقابة بعيداً عن الربح المادي.
سابعاـ أن لا يكون المرشح ممن اتخذ موقفا سلبيا سابقا من مجلس النقابة التي رشح نفسه إليها؛ لأنه فشل في النجاح بالمعركة الانتخابية السابقة، وهذا أمر مهم ويشير إلى حقيقة الشخصية النقابية، فالمحامي النقابي الذي يخسر جولة الانتخابات يستمر في عطائه النقابي بأي مجال كان ولو في لجنة فرعية هي أدنى مما كان قد رشح نفسه إليها؛ بينما توجد خطورة في شخصية من يتخذ الموقف السلبي من أي عمل نقابي طيلة فترة الدورة الانتخابية للمجلس المنتخب، فلا يشارك بعمل جماعي أو ندوة أو محاضرة أو لجنة ويجعل من نفسه فوق كل تلك الأعمال، إن مثل هذا المحامي لا يمكن أن يكون محامياً نقابياً.
ثامناـ. أن تكون لديه القدرة على التسامح، فالمحامي (غير المتسامح) إذا تبوأ المركز النقابي انتقم من خصومه وابتعد عن الموضوعية وأضر بالعمل النقابي.
تاسعاـ أن يؤمن المرشح بالعمل الجماعي، ولا يكون سريع الانفعال أو سريع الاستفزاز فهذا يذهب العقل ويفقد الحقوق النقابية التي تحتاج الى الصبر والتأني وسعة الصدر والحكمة والتروي بإصدار القرار.
أخيراً قد لا نجد المحامي المرشح لتبوأ المناصب النقابية، الذي تجتمع فيه كل هذه الصفات، ولكن إذا ما اجتمعت معظمها فهذا حسن، والمسؤول عن نجاح العمل النقابي هو المحامي صاحب الصوت الانتخابي الذي يدلي به في صندوق الاقتراع فإذا ما أحسن المحامي الاختيار سار العمل النقابي على أكمل وجه، وإذا ما أساء الاختيار أساء للنقابة والمهنة، وكان هذا المحامي هو ممن سيناله السوء إضافة الى لعنة الأجيال القادمة من أبناء المهنة.
ولذلك يجب ألا يخسر المحامون صوتهم في الانتخابات فلا يقدمون صوتهم لمحام مهني ولكنه ليس نقابيا.
وتنويها، لاشك أن الوضع الحالي الذى يسود وسط المحامين ترجع المسئولية عنه إلى النقابة وبخاصة بعض الاعضاء، فلم يكن على المحامين ثمة ذنب أو مسئولية أنهم وضعوا ثقتهم في بعض الأعضاء، واعتقدوا انهم خيرون واكتشفوا بمحض الصدفة أنهم في غير مكانهم بالمرة، وإن كان كذلك فيمكن لومهم على شيئا واحدا اخطأوا فيه وهم تحت تأثير أشد من تأثير التنويم المغناطيسي الذى يلجأ إليه المجرم في ارتكاب فعلته، ألا وهو انسياقهم بكل جوارحهم وطاقاتهم التي لم يتبقى منها سوى الضعف والازدراء وراء بعض قادة المحامين الذين أثبتوا على مر أيام قليلة أنهم كانوا بدون أي إضافة ولو ضئيلة يمكن أن تشفع لهم أخطائهم التي خيبوا فيها الظنون.