لعلّ العدالة شكّلت جوهراً لما دعت له الديانات والمعتقدات، وكانت محوراً لفكرة الحكم وشعاره منذ بدء الخليقة، كقاعدة اجتماعية يبنى عليها التعايش والتواصل الإنساني، في الصراع الأزلي؛ بين خير مأمول، وشر مواجه بقوة قانون يدعو إلى الفضيلة، ويؤسس لعدالة تتجاوز الفضائل، حدّ اعتبار العدل عملاً خيرياً وتضحية لأجل المجتمع!، بمعنى أن في تحقيقه مشقة وصعوبات لا يتقبلها البعض. ووفق هذا التصور يمكن القول إن العدالة في العراق الجديد تواجه اليوم أصعب وأقسى مرحلة في تاريخ البلد، فالسعي لتأسيس فضيلة العدالة، يمرّ ضمن منظومات فكرية جديدة لم تكن معروفة، مثل المؤسسات والتجمعات المنادية بحقوق الإنسان، إضافة إلى الرقابة الدولية، والجهد الأممي الذي يطالب البلد بمواثيق وأعراف تضعه في مصاف الدول المتقدمة. في العراق حكومة وبرلمان منتخب، ودستور وقوانين شرّعت برلمانياً، وقضاء مصادق على قراراته من رئيس الجمهورية (المحامي)، وهذا ما لا يُختلف عليه، بل إن العراق ضمن خارطة محيطه، يعد البلد الأول الذي يمنح حق تمييز الأحكام لأكثر من خمس مرات، وخاصة ما يتعلق بأحكام الإعدام، التي لا يتم البت بها وتنفيذها، إلا بعد مرور سنوات، وهو ما لا يعمل به في أي بلد آخر. لذا لن تجدي اعتراضات المعترضين على السياقات القانونية المتبعة وآلياتها، بل إن ما يدور من جدل يتجاوز حقوق الضحايا ويصادرها بمقاصد سياسية، جاعلاً من المجرمين ورقة تفاوض، لا يأبه المنادون بها لأي حقوق وفق القوانين الجنائية المعمول بها. لذا سنسمع اعتراضات برلمانية سياسية على أحكام تعد قضائية جنائية، استندت فيها المحاكم إلى أدلة ثبوتية وشهادات شهود موثقة ومثبتة في ملفات المدانين. وربما يحق الاعتراض في هذا الجانب، ولكن ليس بحملات ودعايات ولغط سياسي، بل بطريقة قانونية وحقوقية لمحامين أو مختصين يستطيعون إثبات الخلل، وبالطبع سيكون القضاء هنا مُلزماً بحفظ هذه الملفات وصيانتها وجعلها في المتناول الحقوقي بكل شفافية ويسر. وقتها سيقف الجميع لمساندة هذه الجهود، لأن العدالة وتطبيقها مردود وطني شامل. بعضهم استغل تجديد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي اعتراضهما على إعلان وزارة العدل تنفيذها حكماً بإعدام أربعة مدانين بعمليات إرهابية مؤخراً، والاعتراض عمومي يخص مواصلة العمل بهذه العقوبة، وهو أشبه بالإجراء الروتيني الدولي ولا يعني الحدث بعينه، لكن المطبلين أعلنوا عن وصول مدد "المساندة الدولية"!. و مع تحفظ شخصي على "عقوبة الإعدام" كأقصى رادع قضائي يمكن اتخاذه، لكني أجد أن مطالبة البلد بإلغاء هذه العقوبة في مثل ما نعانيه من مصاعب، يعتبر مماحكة ليست في محلها، على اعتبار إن العقوبة منصوص عليها ضمن القانون العراقي الخاضع للدستور، وأي إجراء دستوري لا يمكن المساس به أو تغييره بجرة قلم عاجلة!.. وللحديث بقية.
|