هي أمرأة من هذا الزمان

 

هي تشكو قلة الضحك بل ربما انعدامه ومع إن ابتسامتها غاية في الجمال فكأنها حين تطل تلقي على وجهها الأسمر برقعاً  من نور ،غير انها قلما تضحك وقلما تبتسم أيضاً ،ذلك إنها اتخذت موقفاً في حياتها لا تحيد عنه مع إنها لم تكن متزمتة أبداً الا انها تكره البذاءة وحيث أن الزمن الذي تعيشه قلب المرح الى بذاءات فانها أصبحت تجمد أمام المرح التي تظنها بلا مِرح ولا حتى طراوة . حتى أتى هذا الزمان الآخر فمحا من نفسها ومن نفوس الآخرين موضع الضحك فكأن أحداً قام بعملية جراحية في الدماغ استأصل فيها المرح ومكانه وألقاهما الى هاوية بلا قرار . كيف تمرح وتبتسم وهي والملايين غيرها يسمعون في كل يوم  مئات الأخبار عن ميتات لعينة وشنيعة من جوع ومن عطش ومن برد ومن غرق فضلاً عن القتل الذي غدا له قسطاً يومياً من أرواح الناس  لا بدَّ أن يستوفيه . حتى الامطار بدلاً عن أن تغسل الشوارع والأشجار فتجعلها تتألق بسنا ذُكاء عادت الأمطار أحد أسلحة الموت والدمار – وليس ذلك ذنب الأمطار بل ذنب الإهمال – فغرق البيوت والناس أمسى موضة العصر . لا تثريب ان كل ذلك كان في عهد قديم موغل في القدم أمراً معتاداً لا غرابة فيه ،ولكن تجاوزته الأحقاب فلم يعد يذكره الناس حتى انه امّحى من الذاكرة الجمعية ،الى أن أوقد المحتربون الجدد النار تحته ورعته أيدي الخبثاء حتى حمل بتوائم شؤم  ثم توالد وانشطر وتبرعم وتكاثر .

 

   كانت لعقود تنتظر فرحة غامرة تهز أعطافها وتجتاح دماءها لتجعلها تكركر كطفل غير إن انتظارها باء بالفشل الذريع فكلما تقدم بها العمر أحست بتضاؤل حلمها وبانغلاق حنجرتها على غصة ترافقها المرارة وربما بدون سبب ظاهر ملموس . حاولت الهروب الى زوايا النسيان علها تصل لشيء من الراحة لذا طلقت الراديو والتلفاز وقطعت أواصرها مع وكالات الأنباء فكان جهلها المطبق بكل ما يجري حولها أنكى وأمر- فعادت ترى وتسمع وليس العود أحمد دائماً – فغدت كالبندول تتأرجح بين الجهل وعالم الاخبار المتواتر والمتضارب الذي يسحقها بكل جديد … لا جميلاً ولا مؤنساً ولا نافعاً ،فليس كل ما تعلمه ينفعك بل قد يكون بعض العلم عبئاً على أعصابك ودماغك واتزانك .رؤية الموت المستلقي على سواحل الغرباء عادت تثير فيها البلاهة ورؤية الدماء التي ترسم فوق الأرض لوحات سريالية غريبة ما عادت تثير اشمئزازها ،لأن ما يثير اشمئزازها الآن حقاً هو كل ما ترى وما تسمع وما تحس وما تلمس ،ولشدة انغلاق نفسها أخذت تنضوي وقد تهرب أحياناً وبين آونة واخرى – لعلها تغسل شيئا ًمن الصديد الذي  تراكم في ضميرها –  الى ركن آخر بعيد في اتجاه آخر إذ ترفع وجهها الى السماء لعلها ترى طيراً يحلق فيعلو ويتفنن – كما علمه الله – في فرد جناحيه وضمهما  والاستدارة اللينة المدروسة والانحراف بهدوء في الافق الرحب . أو لعلها تحظى بغيمة بيضاء تفترع الآفاق وتملأ صفحات السماء الزرقاء بوافر جمالها الذي يوحي بالسلام .