الدولة الغنائمية

 

أطلق المفكر العراقي عبد الحسين شعبان مصطلح الدولة الغنائمية  والمحاصصة الطائفية والحزبية استبدالا عن مفهوم الدولة الاستبدادية بعد إطاحة الأنظمة السابقة على خلفية ما جرى بعد 2003 وانتشار مافيات اللصوصية التي نهبتْ الدولة. ونفخت الفقر بعد أن استشرى الفساد المالي والإداري على نحو لم يسبق له مثيل منذ تأسيس الدولة العراقية، حتى أصبح الوضع ظاهرة يضرب بها المثل على فقدان أكثر من 700 مليار دولار ضاعت بين لصوص وعصابات وأحزاب وأشخاص استثمروها في مشاريع خارج البلاد بأسماء أقربائهم أو أودعوها في بنوك عربية وعالمية، ويكفي أن الطغمة الحاكمة تعمدت عن قصد تجاهل اختيار كفاءات وعقول رصينة لإدارة الوزارات، إذ حاولت أن تضع من ليس له الكفاءة بإدارة الوزارة فضلا عن  تعيين الأقارب وأبناء العشيرة والحزب والمذهب وفق نظام المحاصصة الطائفية البائسة التي تنعدم فيها الخبرة، ولا تفكر إلا بسرقة المال العام التي تضمن لهم البقاء وفق تشكيل مافيات تعبث بثروات البلاد.

أن سوء الإدارة مع الاستخفاف وعزل الكفاءات، عطل معيار النزاهة والعمل بإخلاص جانباً في اختيار المواقع المهمة في الدولة، وبلغ التردي الى تعيين جهلة ليس لهم أي علاقة بإدارة الدولة الى العبث المتعمد بتخطيط جاهل ومغفل، فكانت النتائج وخيمة باستمرار آفة الفساد تستشري بجسد الدولة، ليكون الوضع مأساوياً وهذا هو الذي حصل!

أذكر مرة ناقشت أحد الأشخاص من الذين يدعون الوطنية كذبا وبهتانا، فلخص ليَ نظرته القاصرة للدولة، بوصف أن الدولة” فطيسة”، والجميع يأكل من هذه الفريسة التي أكد على وصفه بـ ” الفطيسة” وليس لأحد أن يعترض طالما أن الجميع له الحق بأكل لحم الفريسة، وعلى طريقة النهش البربري. فأي عقلية لصوصية تستطيع أن تأتمن وتحترم في واقع مأساوي يضمن لها عدم المساءلة القانونية والحساب؟ أي ضمير حي يقبل أن يسرق بلده ويعتقد أن فعله شجاعة في نهش ” الفطيسة”؟

أن مفهوم الغنائم هو تبرير الفعل الدنيء بالاستحواذ على أموال الناس بالغصب والشقاوة والانحطاط من قبل لصوص المال العام والحواسم والفرهود وأدعياء التقوى المزيفة نحو انزلاق في منحدر لا مستقر له.

ولكن يبقى السؤال الأهم الذي يدور في ذهن المواطن: ما هي جدية الإصلاح في واقع يثير القلق بعد أن عم الخراب كل المفاصل؟ بل ما هي الخطوات الجدية لوضع حداً للفساد وإيقاف السطو المالي بمختلف الأساليب الخبيثة لتهريب وهدر الأموال العامة؟ وربما هذا السؤال يثير مواجع أكثر حين تنشر وسائل الإعلام أرقاماً عن حجم الأموال المهربة في عواصم العالم والبالغة أكثر من مئتي مليار دولار! أذن كيف يتم استرجاع هذه الأموال لتغطية عجز الميزانية، وبعض من الذين يتبوأون مناصب بالدولة ما يزالون يعتقدون أن الدولة “فطيسة” وعلى الضباع أن تسحق حتى العظام، ولعق الدم اليابس.!