قناة السويس أشهر نماذج الإستثمار الأجنبي

 

   تناول محمد طلعت حرب ( 1867-1941 ) الاقتصادي المصري المشهور في كتابه المعنون ( قناة السويس ) الصادر في العام 1910 ، في بحث دقيق تاريخي وسياسي وجغرافي ودولي وقبل كل هذا وذاك من المنظور الوطني وهو الدافع الرئيس لتأليف الكتاب بعد ان تعالت وتأثر الدعوة حينذاك لتمديد عقد امتياز القناة باضافة اربعين عاماً فوق المدة الاصلية وهي ( 99 ) عاماً التي تنتهي في العام 1968 . وهذه الدعوة تسببت في اول اغتيال سياسي في مصر عندما اقدم الشاب المصري الذي دفعته الوطنية واسمه ابراهيم الورداني على اغتيال رئيس الوزراء بطرس غالي وحين قبض عليه اقر بان الدافع للاغتيال هو تصرفاته التي عدها الورداني خيانة لمصر ومنها سعيه في انفاذ مشروع مد امتياز شركة قناة السويس ، وهو ما دفع القوى المصرية الوطنية الى المعارضة فيه بل وصل الامر الى ان تحرك مسألة مد الامتياز روح الشعر في نفس شاعر النيل حافظ ابراهيم الذي ندد بذلك بقوله :

 

فيا ويل القناة اذا احتواها

 

                  بنو التاميز وانحسر اللثام

 

لقد بقيت من الدنيا حطاماً

 

                  بايدينا وقد عز الحطام

 

وقد كنا جعلناها زماماً

 

                 فوا لهفي اذا انقطع الزمام

 

    وقد اوضح طلعت حرب في مؤلفه عن قناة السويس تاريخها وبين بالأرقام والاحصائيات ان المصلحة في مد الامتياز هي للشركة وليست لمصر التي بإمكان حكومتها ان تدبر الاربعة ملايين جنيه التي وعدت بها عن طريق قرض.

 

     ففي الصفحة ( 137 ) من كتابه يقول تحت عنوان: ( مضار هذا العرض بالنسبة لمصر )

 

(( لسنا نظن ان الحكومة مضطرة للمال اضطراراً يسوغ لها ان تقترض بهذه الشروط بدليل ان الاربعة ملايين جنيه لا تدفع الا في اربع سنوات من 15 ديسمبر 1910 والحصة في الارباح لا تبدأ الا من 1921 ولو سلمنا باضطرارها للمال فلا تعدم وسيله لإيجاده من الخارج وامامها مصلحة الدومين يمكن للحكومة ان تقترض عليها اربعة ملايين وزيادة )) .

 

وفي مقدمة الكتاب لخص المؤلف موضوعة وقال : ( ولما كانت مسألة القنال تكاد تكون مجهولة عند الكثيرين وكانت مكاتبنا خالية من كتاب بلغتنا العربية يجمع شتات تاريخ القنال ويفصل الادوار التي لعبتها يد السياسة فيه وحالته الراهنة ، وقد رأيت ان اجمع في فصول قليلة بعض تلك الموضوعات التي تهم الامة معرفتها موضحاً كيف انشىء القنال وعلاقه مصر به وما كلفها من النفقات وكيف استأثر بفوائد كل العالم ما عداها ومبيناً دخل الشركة وحالتها المالية ومالها وما عليا حتى نهاية 1909 ) .  ويبدو ان فكرة او مشروع شق قناة السويس هو قديم اورد المؤلف شواهد على انه يعود الى زمن الفراعنة مستشهداً بأ قوال ارسطو واسترا بون و بلينيوس الى ان الفرعون رعمسيس الثاني شرع في فتحها سنة 1330 قبل الميلاد . الا ان هيرودوتس ذكر انها من فعل فرعون اخر العام 610 قبل الميلاد ، والذي اوقف العمل فيها بعد ان بين المهندسون ان مستوى البحر الاحمر هو اعلى من مستوى البحر الابيض .  ورافق ذلك مد قنوات من نهر النيل باتجاه الشرق لتصب في مستنقعات قرب بور سعيد وفي البحيرات المرة عند الاسماعيلية .   وببحث مستفيض اظهر الكتاب بان الصراع الدولي او آنذاك كان بين فرنسا وانكلترا ، فالفرنسيون رأوا انهم الاولى باعتبار ان ما تهيأ لهم من المعلومات عن مصر والتي جمعها فريق العلماء الذين رافقوا حملة نابليون يجعلهم الاقدر على انجاز المشروع ولكن الانكليز رأوا ان هذه القناة ستقلل المسافة بينهم وبين مستعمرتهم الكبرى الهند ولذا فقد بادروا في العالم 1878 الاحتلال قبرص لقربها من القناة ولتنتهز اول فرصة لوضع يدها عليها . مع ان انكلترا كانت تعارض في حفر القناة باعتبار عدم وجود لضمان حيادية المرور فيها وهي التي انقضت عليها بعد احتلالها لمصرف العام 1882 اثر ثورة عرابي .

 

   ولابد من العودة الى محتويات الكتاب مرة اخرى لأهمية ما فيه وباعتباره يتناول اشهر استثمار اجنبي ، وربما يعزز الرأي الذي يقول بان لا جدوى في هذا الاستثمار وعلى مدى الايام .