الإسلاميوّن وثقافة العفو عند المقبرة

 

(1)

  مما لا شك فيه إنْ العالم العربي والإسلامي اليوم يعيش في دّوامة أزمة حقيقية، متبلوّرة بشكل جلي وواضحة للعيّان لا تحتاج لتدّليل أو تحليل؛ فعاهة المجتمعات العربية المعاصرة مكشوفة؛ لا تحتاج لكشف المستوّر؛ _ إذ لم يعد المستور حاضراً أو مؤثراً في ظل الغياب التام للقيم الإنسانية؛ وهيّمْنة المنْكر باسم المقدس _? والبعض منا يتفاخر بها ويوغل بالرّذيلة؛ والبعض الأخر يعتبرها “موّضة”؛ وأخر يراها الترّجمة الحرفية للحداثة!!

2))

  باسم الدين صار يُمارس كل مُنْكر وفاحشة ورذّيلة دون حياء (أو استحياء) من الدين والسماء؛ صار البعض يمارس “دعارة شريفة”، أو يرّتاد “ديسكو محترم” وأبنته تلبس “مايوه إسلامي”؛ وهو يحتسي “بيرة شرعية”؛ وبروز جمْاعات من ظهرانية العرب ومن نافذة الدين المُسدّلة بحجاب مُزيف؛ جماعات تحرق شاشات التلفاز لأنها صناعة غربية (!!)؛

 ولا تمنْع أو تُحرم أو تُجرم الإرهاب والقتل والتطرّف الأصولي رغم إنه صناعة غربية _ وأيدٍ وأدوات محلية _ وتلك الجماعة التي تحرق شاشات التلفاز أمام جموع غفيرة من الناس _ ذاتها _ تعود لتبث وتنشر أشرطة “فيديوهات قتل وإصدارات لذبح الرهائن والمواطنين الأبرياء”؛

 ما أفجع الأمة، .. إذ كيف لها أنْ تلعب بقيم السماء وتطفر فوق حواجز الدين وتحوّل المُقدّس إلى لُعبة دنيوية؛ كورق كوتشينة، قابل للرّبح والمساومة، وأكثر قابلة للانتهاك والرّمي في حاوية الأنقاض!!

(3)

  إنْ الدين هو أبو الظواهر الاجتماعية وأسُها الأول؛ ومن ثم فهو أنزه من كل تلك الظواهر، وأرفع من أنْ يُزّج به في معارك الحياة، فهو ما وجد لحمْل السيف؛ وحمل رؤوس الأشهّاد على الرّماح الرُدّينية؛ وإنمْا جاء لتجاوز السيف والدعوة بالكلمة الطيبة الصادقة والاخوة ؛ والمجادلة بالحق وبالتي هي أحس؛ والترّغيب لا الترّهيب؛ فلو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك؛ ولا إكراه في الدين؛ وكم رائع من آيات الذكر الحكيم تُطلق حزمة الحريات  الدينية والمدنية؛ أما الفارق اليوم بين الدين ودُعاة الدين الكَذّبة، هو إنْ الإسلام دين “العفو عند المقدرة؛ في حين إنْ رجال الدين وإسلامهم الجديد “عندهم العفو عند المقبرة” !!

(4)

   ما من قوم أساء للإسلام أكثر من رجال الدين؛ وما جور أو ظلم أو انتهاك أو محنْة وقع فيها الإسلام اليوم أكثر من محنْة “الإسلاميين” وكأنهم يعلنون حرباً على الله باسم الله  وينتفضون للإسلام على الإسلام؛ .. وإلا ماذا تسمون الحروب الأهلية بين العرب والعرب؛ .. هل بقي هناك من لا يشكك بمؤامرة “الأصولية الإسلامية الرّاديكالية” وهي تتفاخر بقطع رؤوس العرب والمسلمين نقلاً حياً على شاشات التلفاز العربي “إرهاباً مُنلفز″؛ مع كل هذا يتهموننا بالإلحاد والرّدة لمجرد إننا نكشف عاهاتهم بعواصف مقالاتنا وتحليلاتنا السياسية الذين خنقوا الدين في مهّده وبيت خلافته؛ وظهروا لنا بتدّين مشبوّه؛ صنيّعة غربيه، تدّين شعبي؛ تدّين كاذب حاول من خلال أزلامه الملثمون بلحايا خيبتهم؛ لدرجة أصبحت الناس تردد أسماء رجال الدين أكثر مما تتلفظ كلمة “الله” (عز وجل) أو الدين ذاته!!

(5)

  أنْ سبب موت الدين وذبول زهيرات الإيمان في حدائق قلوبنا ناجم بسبب بروز التدّين المُلتحْي، أولئك المتطرّفون الذين جاءونا بدين الدشداشة والعمامة واللحيّة، حتى أصبح العقل العربي “عقلاً ملتحْياً”؛ وبالتالي فلا سبيل لخلاص الأمة إلا بدعوة تلك الملتحية عقولهم إلى التخلي عن لحاياهم وحلاقتهّا بـ “جوليت حلاقة جاهزة”؛ ففعل الخير لا يحتاج إلى لحية، ولا أعتقد إنْهُ يتطلب مظهراً دينياً ما دام النية صادقة في العمل ولله وحده؛ فالإيمان جوهر وليس ديكوراً ابدا!!

فيا أمة العرب الخير عمل وليس لحية .. وجوهر ولا ديكور ولا عمائم ملونه ومـــزيفة لخداع الأخرين!!