شيوّخ المودّرن والقومية العربية |
يشكل “شيوخ المودّرن” جماعة سياسو _ دينية على هيئة “تيار سياسي حزبي” ذو مرجعية دينية يمكن أختصار بطاقة عملهم أو تعريفهم بإنهم “كل كلمة حق يراد بها باطل” من مفهوم الدولة الإسلامية مروراً بالخلافة إلى شعارات الإسلام هو الحل والقرآن دستورنا والمناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية؛ وبالتالي صار الدين عند تلك الجماعة “وسيلة لا غاية” وهذا هو مأزقها الأول وخرقها الفاضح للإسلام كدين، الذي يستحيل أنْ يكون وسيلة لأنه أسمى كل الغايات والعودة به إلى غير محله وغير هديه؛ ولأنْ تلك الجماعات أظهرت فشلها اجتماعياً وسقطت في الحفاظ على مكانتها بين المجتمع لجئت الى حقل السياسة لتعويض الفشل بنصر مفترض “فنتازيا” لا يعدو أنْ يكون حديثاً عن “مدينة فاضلة” على الورق يستحيل قيامها أو اثبات نظريتها على أرض الواقع بسبب عدم ملائمة البيئة والمناخ لها آنياً مثل الدولة الإسلامية التي “قرعوا” بها رؤوس الناس في حين إنهم على قناعة تامة بعدمية تطبيقها لأسباب موضوعية ومادية، داخلية وخارجية جمة. أنْ شيوخ المودرن هم جماعة تعمل ضد قيم الإسلام وموروثه الروحي فهم يخالفون النصوص ويتلاعبون بالتأويل والتفسيرات حسبما تشتهي أنفسهم ونزواتهم؛ أو ما يماشي طموحاتهم؛ وأبعد هم ضد قيم وتقاليد المجتمع العربي ويعملون على إلغاء مكتسباته التاريخية والمثير للدهشة إنهم بالوقت الذي يتهجمْون على التيار القومي وعلى القومية العربية وعلى العروبة فإنْهم بالوقت ذاته ما زالوا يقيمون دولتهم بموروث الدولة القومية وعلى نظرياتها أقاموا دولهم؛ وفي مؤسساتها أداروها؛ ثم يعودوا ليطعنوا العروبة في ظهرها ونحرها؛ وليس بأمر عجيب عليهم فهم المولودين من خاصرة الغدر في الفكر الإسلامي؛ وهم الأبناء الشرعيين لأبو لؤلؤة وأبن ملجم ولشمر بن ذي الجوشن ولكل قتلة الصحابة والأولياء؛ فلا غرو من قتل العروبة بأسيافها العربية!! وهذا يعطي معنى إنْ شيوخ المودّرن يعملون إزاء العروبة حدين ومن جانبين مترادفين:_ الأول: إنهم ينكلون بكل ما هو عربي اللسان والوجه والملامح والطباع. الثاني: بناء دولتهم الدينية على الموروث القومي. فهم ما زالوا حتى اللحظة يرمون القومية العربية بالفجور والشرور ولا أدري أليسوا هم عربا وعرقهم لجأن أم تنكروا لأصولهم التاريخية _ ومن يتنكر لأصله لا أصل له ؟ ونحن هنا نسألهم أو نباهلهم إذا كانوا ينعتون القومية العربية فما هي لغة القرآن الكريم، وبأي لغة انتشر الإسلام، وما هي لغة أهل الجنة وما هي لغة سيد البشر وخاتم المرسلين أليست هي العربية، وأبعد من ذلك ما هي قومية القرآن وما هي قومية نبيها الأكرم (صلى الله عليه وسلم) أليست هي القومية العربية، إذا لم تكن اللغة العربية والقومية العروبية هي المعوّل والمهماز والعمود الفقري للمسلمين لن ولن ينتشر الإسلام أو تتحقق نهضته. ألم يشر الإمام علي (كرم الله وجه) بقوله: “الكفر من العجمة؛ إذا ذُل العرب ذُل الإسلام”؛ ذلك كون العروبة هي وعاء الإسلام والإسلام وعاء العروبة، وحاضنته، فالإسلام لم ينتشر بالمجوسية أو بالأعجمية حتى بعد إسلامها المتأخر؛ وإنما أنتشر بعظماء العرب وفخرهم وزعاماتهم ولغتهم وتقاليدهم ومكارمهم، ليس من باب العنصرية أو التمييز الجنسي مطلقاً وإنما من باب الحديث عن التجاوز على الحقائق التاريخية أو إهمالها؛ وما زال القرآن الكريم الذي وصل إلى عمق أوروبا وإلى قصبات افريقيا وأطراف اسيا لا يُنطق ولا يؤول إلا باللغة العربية؛ ولا يُصلى إلا باللغة العربية ومن ثم يجيئك ثُلة من الإسلاميين الذي خدعتهم المؤامرات المدّسوسة عن الحديث عن رابطة دينية تتجاوز على قيمنا الحضارية وتحاول تغييب دور العرب في صناعة مجد الإسلام وانتصاراته العظيمة.فبالوقت الذي تحث “العثمنة” على عدم تكوين دولة عربية قومية، وتفعل بالمثل “المجوسة” على انتهاج السياسة نفسها هم ذاتهم يقيمون دولهم على اساس قومي عرقي لا ديني رغم ادعائهم الخلافة الإسلامية في تركيا أو أيران، فهم يتجاوزون على الإسلام بقيام دول قومية لشعوبهم، في حين يحرضون ويمنعوننا من قيام دولة عربية عصرية قائمة على اساس عرقي قومي لسبب بسيط إنْ قيام دولة عربية قومية مدنية سوف تنتفي الحاجة إليهم أو تلغي حديثهم عن الإسلام؛ فالقومية العربية أولى بقيادة المسلمين من غيرهم ولهذا يقاتلون من أجل لا دولة قومية عربية عصرية مهمازها الإسلام ودستورها. والمفارقة التاريخية في الحقل العربي هو أنْ نجد _ للأسف الشديد _ رجال دين عرب ينكلون بالقومية العربية تأمراً مع تركيا أو ايران أو اعداء العروبة مثل الشيخ محمد الغزالي الذي يُخصص منبره للتهجم على قومية الرسول والجنة؛ ويوافقه الفوزان؛ ويلحق بركبهم سيد قُطب، وكم هائل من شيوخ المودّرن الذين خدعتهم الفكرة الدينية التي هي بالأساس عملية تذويب القيم العربية والحضور العربي في الإسلام وإلغاء دورهم حتى يتساوى العربي والأجنبي والمجوسي والأعجمي في حقل واحد ؛ وهذا تجريح بذات الإسلام “وعاء العروبة وحاضنها” في حين نجد بالمقابل رجال دين غير عرب يدافعون عن العروبة والقومية العربية وذلك الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس؛ ومثقفون عرب بارزون كمكرم عبيد، ولا ننسى دور ممن يسمونهم بالنصارى (يعقوب، وفي الدين يكن، شبلي وشميل وزكي، الارسوزي وغيرهم) في تفعيل نشاط القومية العربية وحملهم رسالتها الإنسانية ونقلها من الماهية الى الوجود العملي. ما يمكن قوله في نهاية المخاض هو إنْ شيوخ المودرن ما كان لهم أنْ يظهروا بهذا الحجم لولا القومية العربية (لغة ولسان وثقافة وقيم وتقاليد وسياسة)؛ فكيف ينبزون القومية وهم قوميون في ذاتهم شاءوا أم أبو؛ ومن ثم فهم ليسوا إلا حالة طارئة في التاريخ العربي؛ وحتى لو تحولوا إلى ظاهرة فلن تثبت فرضيتها أو تحافظ على وجودها؛ لأنها جماعة وهمية أقرب لليوتوبيا وأبعد عن الواقع؛ في حين إنْ القومية العربية باقية بقاء القرآن والإسلام والشريعة، فالله حفظها وخصها بخصيصة رُبانية لا سيد قطب والغزالي والفوزان ولا من لف لفهم يستطيعون محو العروبة لأنها محور القرآن والسنة، وطريق الإسلام؛ ومفتاح الشريعة؛ فمن يريد قطع دابر الإسلام عليه بالقصاص من القومية العربية، فالإسلام محفوظ بملائكة الرحمن وكذلك العروبة بخصيصتها الرُبانية، رُفعت الأقلام وجفت الصُحف.
|