في إحدى المناظرات الانتخابية للحزب الديمقراطي الاميركي، عاب المرشح بيرني ساندرز على منافسته داخل الحزب هيلاري كلنتون أنها ذكرت في كتابها الصادر قبل أكثر من عام، وكذلك في مناظرة سابقة لها بأنها تحظى بدعم وتأييد وزير الخارجية الاسبق هنري كيسنجر الذي يعد مهندس سياسات خارجية ومرجعا في السياسة الخارجية الاميركية لدى الكثيرين. قال ساندرز: «إنني فخور بأن كيسنجر ليس صديقي ولا يشرفني أن آخذ نصيحة منه لأنه باختصار أكبر مخرب في تاريخ الخارجية الاميركية». استطرد ساندرز: «عمليا فإن كيسنجر مسؤول عن سياسة أميركا في كمبوديا والتي أدت الى أكبر جريمة ابادة جماعية في التاريخ راح ضحيتها ثلاثة ملايين ضحية». ليس المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز هو أول من يوجه أصابع الاتهام الى كيسنجر منذ توليه منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس الاسبق جيرالد فورد (١٩٧٤-١٩٧٧)، وحتى اليوم. لم ينته دور كيسنجر بخروجه من الوزراة، بل بقي يقدم المشورة للإدارات الاميركية المتعاقبة، خصوصا الجمهورية منها. يتهمه الكثيرون بأنه وراء الكثير من السياسات الاميركية التي تسببت بكوارث لدول أخرى فضلا عن الولايات المتحدة ذاتها، وفي مقدمة ذلك حرب فيتنام التي فقد فيها الجانب الاميركي أعدادا هائلة من جنوده وضباطه. في تلك الحرب يجري اتهام كيسنجر بلعب دور فيها يصل به الى مستوى مجرم حرب بعدما فقدت فيتنام ثلاثة ملايين مواطن لها فيها، فيما يصر كيسنجر على تسميتها بـ»الحرب النبيلة». وفي العام ٢٠٠٠ تم الغاء محاضرة لكيسنجر في جامعة تكساس بعد اثارة اتهامات له بأنه مجرم حرب، بسبب سياساته السابقة في تيمور الشرقية والتي أدت الى إغراق الاقليم في بحر الفوضى والعنف خلال مرحلتي الاحتلال والاستقلال على السواء. في العام ٢٠٠١ صدر كتاب بعنوان «محاكمة هنري كيسنجر» للكاتب «كريستوفر هيتشز» تحدث عن جرائم ارتكبها كيسنجر خلال عهدي فورد ونيكسون من بينها - حسب الكتاب- دعم انقلابات عسكرية وسياسات تندرج في خانة الجرائم ضد الانسانية وصولا الى مساهمته في اطالة أمد الحرب الفيتنامية. في العام ذاته كتب باحث واستاذ جامعي بريطاني يدعى «ألان غريلنغ» مقالا في صحيفة الغارديان البريطانية دعا فيه الى محاكمة كيسنجر كمجرم حرب واتهم واشنطن بأنها لا تمانع ان ترى ميلوسوفيتج الصربي في المحكمة الجنائية الدولية لكنها ترفض أن تطبق هذا المبدأ على مواطنيها، فهي ترفض التوقيع على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية الذي تم اقراره في روما العام ١٩٩٨ إلا بعد استثناء مواطنيها وجنودها منها. كيسنجر الذي تفخر مرشحة الرئاسة الاميركية هيلاري كلنتون بأنها تحظى بتأييده وتتعلم منه وتستلهم من نصائحه هو الذي يصر على أن التوازن لن يعود الى العالم إلا بوقوع حرب عالمية ثالثة. قالها قبل سنوات، وأكد أنها ستنطلق من سوريا وان أطرافها ستكون الصين وروسيا وحلفاءهما، مقابل الولايات المتحدة وحلفائها. حرب سيكون الشرق الاوسط ساحتها. هنا علينا أن نتوقع انعكاس السياسات الاميركية على المنطقة والعراق فيما لو فازت كلنتون، المستلهمة من كيسنجر، بالرئاسة الاميركية.
|