تزوير الشهادات الدراسية ظاهرة خطيرة يجب محاربتها

أعلن وزير التربية السيد محمد اقبال عن اكتشاف أكثر من ثلاثة الاف (3124) شهادة دراسية مزورة عام 2015. الرقم كبير وكبير جدا قياسا بحجم الوطن ويظهر ان هناك مجاميع إجرامية هدفها هو تحطيم سمعة الجامعات والمعاهد العلمية والتي يعتبر العراق أحد الدول المتميزة في هذا المضمار. الرقم كبير ويبدوا ان هناك عصابات ومافيات كبيرة خصصت لهذا الهدف , لان تسويق اكثر من ثلاثة الاف شهادة مزورة و في سنة واحدة يفوق عدد الشهادات الجامعية التي تمنحها أي جامعة كبيرة في الولايات المتحدة الامريكية . هذا العدد من الشهادات المزورة المتداولة له مخاطر كبيرة على البلد ومستقبله ويجب محاربة مصادر هذه الشهادات وحاملها اشد العقوبات القانونية. لان بجانب الاستهتار والتعدي على القوانين العراقية , فان وجود مثل هذا العدد الكبير جدا يسيئ لسمعة الشهادات العراقية الدراسية , يؤدي الى منافسة غير شريفة مع حملة الشهادات الصحيحة في طلب العمل , وان السكوت او التغاضي عن من يحمل الشهادات المزورة هو تماما يشابه السكوت والتغاضي عن السراق والحرامية . ما الفرق بين الاثنين؟ الأول يسرق رواتبه الشهرية بدون حق والأخر يسرق أموال الناس بدون حق. بالحقيقة خطر الأول هو اعظم من الخطر الثاني لان حامل الشهادة المزورة يمثل الحكومة مهما كانت درجته وظيفته , بينما السارق لا يمثل الا نفسه.

ان عدم محاربة ظاهرة تزوير الشهادات الدراسية له مخاطر جسيمة على حياة المواطن وإدارة الدولة. الخطر على المواطن عندما يدعي حامل الشهادة المزورة انه طبيب اختصاصي ولكنه ربما لم يتخرج حتى من كلية تمريض او ربما كان مساعدا لطبيب اختصاص , حيث ان خبرة طبيب الاختصاص ليس مثل خبرة وتجربة مساعده . نعم من الممكن ان يدعي احد الأشخاص بانه طبيب اختصاص في امراض المجاري البولية , ولكنه بالحقيقة كان ممرضا او مساعد لطبيب في الامراض المجاري البولية . انتحال شخصية طبيب اختصاصي من قبل شخص لا يملك هذه المؤهلات ليس غريبا حتى في الولايات المتحدة الأمريكية فكيف الحال في بلد مثل العراق؟ . انتحال شخص صفة مهندس معماري هو الاخر قد تعرض هندسته أرواح المواطنين الى الخطر , لان من لم يحمل شهادة الهندسة ,لا يعرف قابلية تحمل الأرض و لا يعرف نوعية المواد الداخلة في بناء الدار او العمارة و قد تؤدي الى سقوطها على رؤوس القريبين منها , ومن يدعي بانه يحمل شهادة إدارة اعمال وهو بالحقيقة لا يحمل الا شهادة المتوسطة او الثانوية ربما يؤدي بشركته الى الانهيار و دائرته الحكومية الى دار عجزة لا تتحرك المعاملة الا بشق الانفس .

ان انتشار تداول الشهادات المزورة خطرة على المجتمع , لان من يدعي بحمل شهادة مدرسية معينة كذبا وزرا , انما يخون مهنته , يخون الأمانة , يخون اهله , ويخون الوطن . من يقبل لنفسه استخدام شهادة مزورة سوف لن يكون صعبا عليه خرق القوانين والأنظمة وسوف لن يجد مشكلة ان خرق القانون ولده او أخيه او ابن عمه. لان من يعيش على مال الحرام سوف لن يهمه كثيرا كثرة الفاسدين من حوله وانهيار الوطن.

هناك من يقول ان محاسبة أصحاب الشهادات المزورة يجب ان تتركز على المدراء العامين او أصحاب الوظائف العالية , وترك ما سواهم وخاصة حملة شهادات الثانوية المزورة لأنهم يحتاجونها لغرض التعيين في أحد دوائر الدولة. لا اعتقد هذا القول صحيحا لان القانون لا يفرق بين من يحمل شهادة دكتوراه مزورة ومن يحمل شهادة اعدادية مزورة. الاثنان خرقوا القانون والاثنان يجب ان يحاكموا وفق القانون. أتذكر ان هذه المشكلة قد طافت على السطح أيام الانتخابات الأخيرة وقد كشفت الجهات المختصة بعض من يحمل الشهادات المزورة ولكن الموضوع اندثر بقدرة قادر ولم نسمع عنه منذ ذلك الحين. ان عدم اكتراث الحكومة في القضية الأولى هي التي شجعت على استمرار هذه الظاهرة المرضية و الغير معقولة والغير حضارية والتي تعتبر إهانة كل قوانين الدولة.

أتذكر خطاب للرئيس الأمريكي الراحل جون كندي يقول فيه "اسأل نفسك ماذا قدمت لبلدك قبل ان تسأل ماذا قدم بلدك لك". اعتقد ان هذه المقولة تنطبق على حال العراق أكثر من أي وقت مضى. لا احد ينكر او يتغاضى عن دور الدولة في تقديم الخدمات الضرورية للمواطن , ولكن بنفس الوقت يجب على المواطن ان يقدم للدولة بعض الخدمات وعلى راسها احترام القوانين . من حق المتظاهرين يوم الجمع المطالبة بالإصلاح ولكن يجب ان لا ينسى قادة التظاهرات ان المواطن العراقي يحتاج الى اصلاح نفسه ايضا. لم تطالب التظاهرات , على سبيل المثال , المواطن بدفع فاتورات الكهرباء والماء في وقتها المحدد, او عدم رمي النفايات في شوارع المدن . او الامتناع من تداول الشهادات المدرسية المزورة او اتلاف الممتلكات العامة، او احترام الأطباء في عياداتهم و في المستشفى , او احترام أبناء العشائر قوانين الدولة وان يكفوا عن كتابة " مطلوبة عشائريا " على بنايات رياض الأطفال , البنوك , وبعض دوائر الدولة .

البلدان لا تبنى بالمطالب فقط , فمثل ما على الدولة من واجبات هناك حقوق لها أيضا . وعندما يتعاون المواطن مع الدولة , فان عدد الفاسدين سيتلاشى , وستكون شوارع بغداد اجمل , وطريق المارة سالكا , والطبيب اقل خوفا من مرضاه او ذويهم , سوف لن يتجرأ بعض أبناء العشائر "الغيارى" باستخدام الأسلحة الثقيلة في كل شجار حتى لوكان سبب الشجار بين طالب وأستاذه , وسوف لن يتجرا الموظف الحكومي استخدام غرفة دائرته مصلى لضرب الركع على حساب المراجعين , وصدقوني لو كان هناك تعاون لما استطاع الإرهاب اختيار المكان والزمان لتنفيذ عملياته الاجرامية .

تزوير الشهادات المدرسية واستخدامها من قبل حاملها للحصول على وظيفة حكومية او مركز سياسي لا تقل فسادا من موظف مرتشي او اجراما من لصوص وهم يشهرون أسلحتهم على ضحاياهم لسرقتهم. لا رحمة مع من يحمل الشهادة المزورة , وعلى المواطنين "الادلاء بالمعلومات " عن كل من يتعامل مع الشهادات المزورة الى الجهات المختصة , لانه يمثل واجبا وطنيا مثل من يقف من المواطنين يوم الجمعة يطالب الحكومة بالقضاء على الفساد الإداري والمالي.